هل أصلح الأكاديميون ما أفسده الإداريون ؟!

مكانهم في الجامعات لا في هرم المؤسسات الاقتصادية

منال صافي:

دأبت الحكومة في السنوات الأخيرة على تعيين أكاديميين لشغل مناصب حكومية رفيعة في المؤسسات الاقتصادية،لأنهم يمتلكون مؤهلات علمية عالية وفلسفة اقتصادية، تمكنهم من رفع كفاءة هذه المؤسسات وتطوير الأداء فيها، لكن يبدو أن «حساب السرايا لم ينطبق على حساب القرايا»، إذ يرى حسام منصور- عضو مجلس إدارة سابق في المصرف التجاري أن مكان الأكاديمي الحقيقي هو الجامعة إذ يكون نتاجه حقيقياً ويفوق بكثير وجوده على رأس هرم المؤسسات الاقتصادية.
يقول: الأكاديميون لم يسهموا في تحسين الأداء المصرفي خطوة إلى الأمام، قتلوا الخبرات المصرفية التي صقلها سوق العمل المصرفي، وضاعت هذه الخبرات من دون أن تقدم شيئاً للعمل المصرفي وذلك بسبب تعيين إدارات أكاديمية على رأس العمل المصرفي، هذه الإدارات ترأست العمل من دون أي خبرة مصرفية عملية، وأن الرهان من قبل الحكومة كان على الخبرات النظرية التدريسية التي يتقنها هؤلاء الأكاديميون.
وأضاف: أدى ذلك إلى هجرة بعض الخبرات المصرفية في القطاع العام إلى مصارف القطاع الخاص التي استقبلت هذه الخبرات بالأحضان وبأجور عالية جداً قياساً لرواتبهم السابقة في المصارف العامة، منوهاً بأن الشواهد كثيرة على ما حل بعمل المصارف العامة في ظل الإدارات الأكاديمية من توقف الإقراض وتعثر المقترضين عن الدفع وحجم الإيداعات الموجودة في المصارف مع دفع فوائد كثيرة للمودعين، وهذه خسائر كبيرة للمصارف، ومن المفترض العمل على استثمار هذه الإيداعات ضمن آلية مدروسة بشكل مصرفي فني اقتصادي، مشدداً على أن الأكاديمي يصلح أن يكون رئيس مجلس إدارة ولا يصلح أن يكون مديراً عاماً، وفي رأيه فالأستاذ الجامعي لايملك أي خبرة إدارية عن كيفية قيادة المؤسسة التي يديرها ولايعرف كيف يتعامل مع الموظفين ويعدونهم طلاباً في الجامعات وأنهم يسرقون المعلومات منهم ويجمعونها ويدلون بها حتى يظهروا بمظهر العارف بالشيء.
وتابع: إن أصغر مدير فرع في أي مصرف يملك خبرة مصرفية تفوق خبرة المدير العام الأكاديمي بعشرات المرات، متسائلاً: فكيف يمكن للجاهل بالشيء أن يقود العالم؟ وما حال المؤسسة الاقتصادية التي يقودها أكاديمي خبرته أضعف بكثير من عماله؟ وما النتائج والأرباح الاقتصادية التي ستنتج عن هذه القيادة؟
شرط غير كاف
من جهتها، الباحثة الاقتصادية- الدكتورة رشا سيروب أوضحت أن مسألة النجاح أو الفشل في إدارة المؤسسات الاقتصادية متعددة الأبعاد منها هيكلي –تنظيمي، والآخر مالي وإداري، ولا يجوز إطلاقاً نسب نجاح مؤسسة أو فشلها إلى شخص واحد، وإلا فإننا نؤكد ونعترف بأنه لا يوجد لدينا عمل مؤسسي وأنه لا دور للمديريات أو المعاونين في إدارة المؤسسة.
وفي رأيها أن شهادة الدكتوراه وحدها هي شرط غير لازم وغير كاف لتبوؤ منصب إداري أو إشغال وظيفة عامة (باستثناء التدريس الجامعي)، لكنها عامل مثقّل عند اتخاذ قرار التعيين والمفاضلة بين عدة مرشحين يمتلكون خبرات ومؤهلات متقاربة.
تقول: عند تقييم أداء مدير عام في إدارة مؤسسته يجب بداية النظر إلى صلاحياته، فيما إذا كان يمتلك حرية التصرف، والتعرف على القيود التي تكبل عمله، وقبل كل ذلك تجب معرفة أسس الانتقاء والتعيين، هل تمت بناء على الكفاءة والسمعة أم بناء على الولاء والطاعة؟
وتابعت: إن أسباب فشل مؤسسات القطاع العام الاقتصادي لا يمكن أن تعزى إلى الشهادة التي يمتلكها المدير العام، فما ينطبق على الأستاذ الجامعي ينطبق على من هو ليس أستاذاً جامعياً، فكم من مؤسسة أو شركة عامة خاسرة ومترهلة مديرها ليس أكاديمياً؟ وكم من مؤسسة أو شركة عامة شبه معطلة مديرها من أبناء المؤسسة ذاتها، متسائلة: هل نجح من هم ليسوا أساتذة جامعات بقيادة المؤسسات الاقتصادية؟!
ولفتت إلى أن مشكلة الإدارة في مؤسسات القطاع العام الاقتصادي حالها حال مشكلة الإدارة العامة في البلاد، وهي آلية التعيين و معايير الانتقاء التي تم على أساسها ترشيح الشخص، إضافة لعدم وجود مساءلة أو محاسبة في حال التقصير، والأهم من كل ذلك إن صنع أي قرار سليم يتطلب توافر بيانات صحيحة، وهو ما تعانيه جميع مؤسساتنا من غياب جزء من الأرقام وعدم مصداقية ودقة أرقام أخرى، ما يؤدي إلى اتخاذ قرار غير مدروس تنتج عنه آثار اعتباطية.
ضعف الخبرة العملية
وتشير الدكتورة سيروب إلى أن «الأكاديمي من دون خبرة إدارية» ليس بالضرورة أن يكون غير ناجح، لكن ذلك يؤخر سرعة الأداء والإنجاز ولاسيما أن قسماً كبيراً من الأكاديميين لم يمارسوا عملاً إدارياً خلال فترة الدراسة الطويلة من عمر 18-30 وسطياً التي تعد أهم مرحلة عمرية يتم خلالها اكتساب الخبرة العملية والمهنية التي تؤهله لمواجهة المشكلات ووضع الحلول.
وبالمقارنة مع دول العالم المتقدم أشارت إلى أن كل الأزمات الاقتصادية والمشكلات الإدارية تم اقتراح حلول لها ووضع خطط للخروج منها من قبل أكاديميين وأساتذة جامعات، ونجحوا في ذلك ليس لأنهم أساتذة جامعات يمتهنون التدريس فقط، بل لأنهم أساتذة جامعات يقومون بالتدريس وبالبحث العلمي الممول من قبل المؤسسات والشركات، وبأن الجامعة في البلدان المتقدمة على ارتباط وثيق بسوق العمل ومشكلات المجتمع وهي ليست مفصولة عن العالم الخارجي، كما هو الحال لدينا.
وتابعت :إذا كان علينا المفاضلة بين الأكاديمي الذي لم يمارس مهنة (غير التدريس) ومن يمتلك الخبرة ولاسيما من أبناء المؤسسة، بالتأكيد فإن الكفة ترجح لمصلحة الأخير، لكن الأفضل بكل تأكيد هو الأكاديمي المقترن بالخبرة.
خطأ فادح
ورأت سيروب أن تعيين أكاديمي في إحدى المناصب الحكومية، في الوقت الراهن، لأنه أكاديمي فقط يعد خطأً فادحاً يرتكب في حق الجامعة وحق الأكاديميين وظلماً لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، وخاصة عند توافر أشخاص يمتلكون من الخبرات والمؤهلات التي تمكن الاستفادة منها في المنصب الإداري أكثر من الأكاديمي، وذلك لأن الجامعة تعاني بسبب الحرب نقصاً في أعضاء الهيئة التدريسية سواء بسبب الهجرة أو الاستقالة أو التقاعد مع قلة وندرة في المسابقات التي كان في الإمكان من خلالها ردم هذا النقص وتقليص الفارق في الكوادر التعليمية، لافتة إلى أنه برغم التراجع الكبير في تصنيف الجامعات ما زالت الحكومة تلجأ إلى تعيين أكاديميين في مناصب إدارية يمكن إشغالها من ذوي خبرات غير أكاديمية، يضاف إلى ذلك أن العمل الإداري أدى إلى إبعاد الأستاذ عن القيام بأهم واجب من واجباته التعليمية وهو البحث العلمي.
وأضافت: من الظلم بحق جميع الأكاديميين عندما يصبح حرف الدال جواز سفر لتبوؤ مناصب إدارية بدلاً من الخبرة والكفاءة، وتحويل حرف الدال إلى وسيلة وليست هدفاً.
وشددت على أن تولي الأكاديميين مواقع إدارية، يجب أن يكون مشروطاً بشرطين: الأول عدم وجود خبرات وكفاءات من غير الأكاديميين يمكن أن تشغل هذا المنصب، والشرط الثاني أن يتم الاختيار بناء على الدراية والخبرة وليس على الشهادة.
التفاف على القانون
وعن ممارسة عضو الهيئة التعليمية «المتفرغ » لوظيفة استشاري في القطاع الخاص من دون العودة إلى الجامعة، أكدت سيروب أن ذلك يعد التفافاً على قانون التفرغ العلمي الذي ينص في المادة 4 – فقرة أ منه «لا يجوز لعضو الهيئة التعليمية المتفرغ كلياً ممارسة أي مهنة حرة خارج الجامعة»، غير أنه في الفقرة ب من المادة ذاتها عاد وسمح له بممارسة المهنة بإشراف الإدارة الجامعية.
وأضافت: إن الاستشاري يعمل كموظف بدوام كامل بعقد استشاري، وهذا أيضاً يخالف قانون التفرغ العلمي في المادة 7 منه الذي حدد عدد ساعات الدوام 36 ساعة أسبوعياً، حيث نص القانون «على المتفرغين أن يداوموا في الهيئات التي تم تكليفهم بالعمل فيها مدة لا تقل في مجموعها عن 36 ساعة أسبوعياً ».
وكشفت أن الاستشاريين لا يفصحون عن أعمالهم خارج الجامعة، ما يعني ضياع موارد مالية عليها لأنه من المفترض أن تتقاضى الجامعة نسبة 20% من القيمة العقدية للأعمال المهنية، وتالياً أي مزاولة للمهنة خارج إشراف الجامعة تعني ضياع هذه الموارد على الجامعة، ولا تقتصر ممارسة المهنة على فقدان موارد مالية فقط، بل الأخطر هو انشغال عضو الهيئة التعليمية عن أداء أعماله العلمية (التدريس وواجباته والبحث العلمي) ما ينعكس لاحقاً على مستوى العملية التعليمية وعدم توافر الوقت الكافي للتواصل مع الطالب، وعدم القدرة على تحسين طرائق التدريس ومواكبتها مع التغيرات.
وترى أن السبب وراء عدم الإفصاح عن الأعمال خارج إشراف الجامعة يعود إلى تدني رواتب وأجور الأساتذة التي لا يمكن للأستاذ الجامعي -بالاعتماد على الراتب فقط- أن يحافظ على مظهره الخارجي أو يحدّث مراجعه أو يشارك ويحضر مؤتمرات علمية أو يمول أبحاثه العلمية.
وأضافت: برغم أن أجور الأساتذة في الجامعات الحكومية أفضل من أجور معظم الوظائف الأخرى في القطاع العام، إلا أن هذا لا يعني أنها أجور جيدة، قبل الرقابة على عمله الإضافي، يجب تحسين مستوى الدخل للأستاذ الجامعي وأن يتم وضع حوافز مجزية للقيام بالأبحاث العلمية، ما يؤدي إلى تحسين جودة العملية التعليمية إلى جانب الحفاظ على كرامة الأستاذ الجامعي وعدم استغلال الآخرين (من خارج الجامعات) لحاجته المادية.
النظريات لا تطعم خبزاً
ومن وجهة نظر عبد الرحمن تيشوري -خبير الإدارة العامة أنه من الضروري عدم الزج بمن يحملون درجة الدكتوراه في المناصب القيادية في الإدارات الحكومية لكون المؤهل العلمي لا يعطي تأشيرة المرور والنجاح في العمل الإداري، فالجدارة القيادية خصائص يتصف بها الموظف العام ويطوِّرها بالعلم والدراسة والتخصص والخبرة، لكنها لا تصنع لمجرد الحصول على مؤهل علمي عالٍ.
ولفت إلى أن الكثير ممن يحملون درجة الدكتوراه حققوا نجاحات في البحث العلمي لكن بمجرد أن أُوكلت لهم المسؤولية القيادية أصبح البعض منهم يدور في حلقة مفرغة، فالنظريات لا يمكن أن (تطعم خبزاً)، كما في المثل الشعبي، ولاسيما عندما يتعلَّق الأمر بإصدار قرار إداري مناسب أو الموافقة على خطة تنفيذية للعمل، أو تبني استراتيجية تخطيطية لها جوانبها المتعددة التي تحتاج إلى متابعة وتوجيه وممارسة اتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب.
وأشار إلى أن البعض ممن يحملون درجة الدكتوراه، ويتولون المسؤولية الإشرافية يفتقدون الشخصية القيادية، فيحيلون الموضوع من لجنة إلى لجنة ومن دراسة إلى أخرى ومن استبيان إلى استبيان تلافياً لتحمُّل مسؤولية اتخاذ القرار الإداري وما سينتج عنه، والبعض الآخر يحاول تطبيق آرائه وتصوراته التنظيرية في أمور لا تمت إلى واقع العمل الفعلي بصلة في بلد منهك بالدمار والخراب بفعل الحرب والفساد الكبير.
بيروقراطية مملة
وأردف تيشوري: إن الوقائع تشير إلى أن الأمور في بعض الجهات أصبحت تأخذ طابع البيروقراطية المملة في اتخاذ القرار، حيث يتبع بعض هؤلاء نظرية (ماكس فيبر) في الإدارة، وتتلخص بأن العمل لا بد من أن يمر في خطوات طويلة، حتى يحقق النجاح المطلوب، فالعمل الذي يمر في خطوات طويلة من البحث والتّقصي والدراسة يصدر بأقل قدر من الأخطاء، لكننا في زمن يتطوَّر كل ساعة وكل دقيقة، وأصحاب هذه النظرية يمكن أن ينجح أسلوبهم في أي عمل لا يحتاج السرعة والآنية، أو في أي إدارة لا يرتبط عملها بالزمن والوقت والظروف، ولكنه يُعد كارثة فيما لو حدث ذلك في إدارة أو عمل يرتبط بمصالح الآخرين.
وأوضح أن أستاذ الجامعة الذي توكل له مسؤولية إدارية كثيراً ما يتأثر بأسلوب المدرس والطالب، والتلقين، والتّعامل مع جميع الظروف من هذا المنطلق.
وكشف أن هناك الكثير من أساتذة الجامعات تم العمل معهم في لجان مشتركة لم يقرأ القانون الأساسي للعاملين، وقد حدثت حالات كثيرة في العديد من الأجهزة الحكومية لم يحقق فيها الأساتذة النجاح المطلوب، فشربت تلك الأجهزة ذلك المقلب لأنها أرادت أن تستعين بهم ظناً منها بأنه سيعالج جوانب الخلل الإداري ويدفع بالعمل إلى التّطور فجاءت النتائج على عكس المتوقع فشغل الدكتور الوظيفة وأشغل الناس معه فلا طوَّر الدكتور العمل، ولا ترك الوظيفة.
بعيدة عن الواقع
الدكتور سنان علي ديب -الخبير الاقتصادي بين أن معظم مشكلاتنا متعلقة بالتعيينات ومعايير الانتقاء، وأن الحكومة عملت في السنوات الأخيرة على تعيين مديرين أكاديميين من خارج الملاك كحل للإصلاح من الخارج، ولكن التوفيق والنجاح لم يحالفا الأغلبية، وذلك لكون الكادر المعين يملك معلومات أكاديمية نظرية بعيدة عن الواقع، وتالياً لا يملك رؤية سابقة عن المشروع ويضطر إما لقبول الانقياد عبر منظومة العمل السابقة وتالياً المحافظة على الأداء أو التراجع وإما الانتظار فترة طويلة لدراسة واقع العمل و مواصفات الكوادر الموجودة للسير ببرنامج يحاول التغيير به.
وتابع: هنا نقع بمدى حرية اختيار البرنامج و المدة الزمنية اللازمة إضافة لعقلية وشخصية الدكتور المعين، والتي غالباً تضيع بين البيئة الأكاديمية وبيئة العمل، إضافة لأجواء الانزعاج لموظفي المكان الذي عين به لكون اختيار شخص من خارج مجال عملهم يوحي بعدم ثقة وتصعب إمكانية الإدارة للشخص المختار.
أما بالنسبة لوجود مستشارين في الحكومة من الأكاديميين فأوضح ديب أن الأمر عندما يتعلق بالاختيار الصحيح الذي يعتمد على الكفاءة والخبرة فربما يضيف ذلك رؤى للوزير أو رئيس الوزراء الذي يعود القرار له، مؤكداً أنه عندما يكون الاختيار على أساس الكفاءة والنزاهة سيكون الخيار أكثر صواباً.
تكامل النظرية والتطبيق
يرد الدكتور علي كنعان -الأستاذ في كلية الاقتصاد ومدير عام المصرف الصناعي سابقاً على أصحاب الآراء التي تعد أن النظريات الاقتصادية لا يصلح تطبيقها في مؤسساتنا، وبأن الأكاديمي ليس على اطلاع بمجريات ما يحدث في هذه القطاعات بالقول: الجانب النظري والعملي يكملان بعضهما بعضاً مشبهاً الجانب النظري بالقدم اليمنى للإنسان والعملي باليسرى ولا يمكن له السير بواحدة من دون الأخرى، مؤكداً أن كل مؤسسات العالم مرتبطة بالجامعات وتجري ورشات عمل ومؤتمرات دورية لإطلاع المؤسسات العامة والخاصة على المستجدات النظرية، لأن هذه المستجدات يمكن أن تتحول إلى أفكار عمل مباشرة أو تسهم في حل المشكلات والصعوبات التي تعانيها، معداً أن كل من يفصل بين النظري والعملي بعيد عن إطار التاريخ.
وبالمقارنة مع الجامعات والمعاهد في الدول المتطورة اقتصادياً يبين الدكتور كنعان أن الطلبة يقومون بزيارات ميدانية للاطلاع على التطبيق العملي بهدف تطوير النظري، وأغلب جامعات العالم ترتبط بعقود مستمرة مع المؤسسات العامة والخاصة لتطوير المعارف العملية والنظرية، وهناك شركات تمول الجامعات بهدف إنجاز أبحاث جديدة، وأكبر جامعات العالم يتم تمويلها من قبل شركات خاصة بهدف تطوير الأبحاث والمعارف العملية، بينما في بلادنا توجد جدران عالية بين المؤسسات العامة والخاصة من جهة، وبين الجامعة من جهة أخرى ويجب أن نتخلص منها
ونوه بأن مؤسساتنا تطبق النظريات الاقتصادية لكن الموظف اعتاد على عدم الاستماع إلى أبناء الجامعات والمعاهد، فكثيراً ما يتم إرسال الطلبة للحصول على معلومات بهدف البحث العلمي، ولايتم التعاون معهم، وذلك حفاظاً على آلية عمل قديمة لاتتناسب مع روح العصر.
عقلية موظف
وشدد الدكتور كنعان على أن النظريات التي تدرس للطلاب في جامعاتنا مطبقة في أكثر دول العالم، وأن المصارف والمؤسسات المالية تعمل بموجب هذه النظريات، مشيراً إلى عقلية الموظف التي تميل لإضفاء طابع السرية على المعلومات المتعلقة بالجوانب الإجرائية اليومية، وخاصة القانون الموحد للعاملين والنظام المحاسبي القديم الذي يعدونه إنجازاً، والأكاديمي ليس على اطلاع بهذه الأنظمة ويهاجمها بطبيعة الحال.
وتحدث كنعان عن المطالب وجملة من الأفكار تقدم بها لكنها لم تلق آذاناً مصغية وأهمها التمييز بين عمال المؤسسات الإنتاجية وعمال المؤسسات المصرفية ، فالعامل في التعريف الاقتصادي هو من يعمل خلف الآلة، أما عمال المؤسسات المصرفية فيجب إطلاق صفة كبار الموظفين عليهم كونها تليق بمعارفهم، غير أن القانون الموحد للعاملين يفرض على المؤسسات الإنتاجية والمصرفية الإجراءات الإدارية نفسها على الجميع.
إضافة إلى أن أجور العاملين في الحقل المصرفي لحملة الإجازة الجامعية يجب ألا تتساوى مع العاملين في المؤسسات الإنتاجية لأن ظروف عمل المصرفيين تتطلب الاهتمام بـ«الهندام» والمظهر اللائق ويفترض زيادتها.
هناك أيضاً النظام المحاسبي الذي يطبق في المصانع يختلف تماماً عن النظام المحاسبي في المؤسسات المالية وحتى تصبح المصارف قريبة من المؤسسات الدولية علينا استخدام النظام المحاسبي الدولي بهدف المقارنة، وإجراء دراسات مع بنوك أخرى. وختم بأن الأكاديمي لا يعطي صلاحيات لتطوير الأنظمة، وهو يتقيد بأنظمة وقوانين لايستطيع الخروج منها، حتى إن أعضاء مجلس الإدارة يفرضون على المدير العام.
معضلة كبيرة
يبدو أن التعيينات في المناصب الحكومية ستبقى معضلة كبيرة في ظل الانتكاسات الكبيرة التي تسقط فيها مؤسساتنا، مع تعاقب الإدارات بكل ألوانها، وتبقى الإجابة عن السبب الذي يدفع كثيرين ممن يلهثون خلف المنصب إن كان بهدف الامتيازات والثروات التي تتكدس لديهم في زمن قياسي، أم فقط حباً بالعمل والتطوير، تعطي مؤشراً مهماً لمدى فاعلية هؤلاء في المهام الموكلة لهم.

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا