عبث السياسة.. العبث في السياسة الاقتصادية..بقلم ـ د. مهدي دخل الله: 2020/02/4

العبث يصيب أحياناً، بل غالباً، السياسات الاقتصادية أيضاً ولا يقتصر على السياسة العامة للدول..
كنت في عام 2002 في زيارة لماليزيا، هناك سمعنا قصة شيّقة تظهر عبث السياسة والتخطيط في القضايا الاقتصادية. القصة حدثت بالفعل وتتعلق بعبث قامت به شركة يابانية مقابل حكمة إحدى شركات كوريا الجنوبية..
فعندما أراد الماليزيون بناء البرجين التوءم في كوالالمبور لشركة النفط الماليزية «بتروناس» ربحت المناقصة شركة يابانية وأخرى كورية، لكل منهما برج. وبغية الإسراع في البناء وضع الماليزيون جائزة سخية لمن ينتهي من بناء برجه قبل الآخر. أصاب العبث الشركة اليابانية التي أسرعت في بناء البرج الأول طمعاً بالجائزة. الحكمة انحازت للشركة الكورية التي قرر مديروها التأخير عن زميلتهم اليابانية بطابق واحد على الأقل، وذلك كي يستفيدوا من أخطاء العمال اليابانيين بما يمكّنهم من ترشيد عملهم (الترشيد مصطلح يعني في الاقتصاد التقليل ما أمكن من التكاليف مع الحفاظ على مستوى النوعية نفسه).
ربح اليابانيون الجائزة لأنهم أنهوا بناء البرج قبل منافسيهم الكوريين. والجائزة أعطتهم سعادة ورضا عن النفس لكنها ما كادت تغطي خسائرهم الناتجة عن الخطأ والإصلاح بسبب السرعة. أما الكوريون الذين تأخروا فقد استفادوا من أخطاء اليابانيين وحققوا وفورات ضخمة في التكاليف نتيجة الترشيد.. كانت الوفورات أكبر من الجائزة بكثير.
في حفل تسليم البرجين كان اليابانيون سعيدين وهم يرمقون منافسيهم بنظرات تنمّ عن الفخر والاعتزاز، أما الكوريون فكانت جيوبهم ممتلئة أكثر من زملائهم، مرددين في نفوسهم أن الرابح الحقيقي هو الذي يضحك بعد الحساب لا في حفل الافتتاح.
إنه درس مفيد لراسمي السياسة الاقتصادية عندنا.. ليس المهم أن تفرح لأنك الأسرع باتجاه الهدف، المهم هو ألا تصل الهدف وقد كُسرت قدمك بسبب السرعة.. وهل يتذكر القارئ قصة الأرنب والسلحفاة اللذين تنافسا في السباق، فغلبته السلحفاة بحكمتها ومثابرتها وخسر هو بتسرعه واندفاعه؟.

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا