قوانين كثيرة لإنصاف المرأة تنتظر التعديل

قوانين كثيرة لإنصاف المرأة تنتظر التعديل من أعضاء مجلس الشعب في الدور التشريعي القادم إلغاء الطلاق بإرادة منفردة من الرجل.. وتعديل قانون الإرث

في يوم المرأة العالمي أحالت السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الشعب مشروع قانون يلغي المادة التي تختص في جرائم الشرف، أي إنه لم يعد هنالك عذر مخفف لمرتكبي جرائم الشرف.
هذا المشروع لقي الكثير من الترحيب من قبل عامة النساء وخاصة مع وجود نسبة لا يستهان بها تقضي كل عام تحت عنوان جرائم الشرف، وبالمقابل كانت هنالك اعتراضات «ذكورية» أعلنت اعتراضها على مشروع قانون كهذا، لأنه سيشيع الفوضى في حياة النساء على حسب تعبيرهم!
في اليوم العالمي للمرأة، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية لدورة جديدة، فتحت «تشرين» ملف مناقشة واقع المرأة، والمطلوب من الأعضاء المنتخبين في هذه الدورة من عمل وتعديلات على القوانين التي تقف في وجه دور فاعل للمرأة السورية، التي فرضت عليها أدواراً تنوء بها الرجال خلال هذه الحرب.

تعديلات بالجملة
الباحثة في قضايا حقوق النساء الإنسانية- سوسن زكزك تتحدث لـ«تشرين» عن المطلوب من عضوات وأعضاء مجلس الشعب، وتقول إن النساء السوريات عانين، وما زلن يعانين، الكثير من ويلات الحرب، هذا عدا عن التمييز الذي يعانين منه قبل هذه الحرب والذي اشتدت آثاره بتأثير الحرب، وترى أن التمييز ضد النساء يتركز في عدد من القوانين أهمها: قوانين الأحوال الشخصية، كما إنه لا توجد سياسات خاصة بالنهوض بأوضاع النساء، حيث ترتفع نسبة تسرب الفتيات من المدارس بينما تنخفض نسبة النساء في قوة العمل.
تضيف زكزك أن التذرع بأن تردي أوضاع النساء هو بسبب العادات والتقاليد لم يعد مقنعاً في دولة تملك إعلاماً مقروءاً ومسموعاً ومتلفزاً، هذا عدا عن المناهج المدرسية التي تضعها الدولة والتي يمكن من خلالها توعية الطلاب والطالبات بقيم الحرية والمساواة بين الجميع، نساءً ورجالاً.
وترى أن النهوض بأوضاع النساء في سورية يعني النهوض بأوضاع نصف المجتمع ما سينعكس إيجاباً على النهوض بكل المجتمع السوري، وتعتقد أننا بحاجة إلى حزمة متكاملة من التدخلات الحكومية يمكن أن تتلخص بالآتي:
اتفاقية سيداو
رفع جميع التحفظات عن اتفاقية سيداو كما فعلت بلدان عديدة منها الجزائر وتونس.
مواءمة جميع القوانين السورية مع مواد الاتفاقية.
الانضمام للبروتوكول الاختياري للاتفاقية.
تعديل القوانين، وفي مقدمتها: تعديل قوانين الأحوال الشخصية
لأننا نطمح لأن يكون هناك قانون أسرة مدني يساوي بين الرجال والنساء في سورية، ويضمن حقوق الأطفال، كما يساوي بين النساء السوريات جميعاً، بحيث لا يبقى هناك تمييز بين النساء.
كما يمكن البدء بتعديل قانون الأحوال الشخصية العام، بحيث يتم إلغاء الطلاق بإرادة منفردة من الرجل وتعديل قانون الإرث وفق اجتهادات حداثوية.
كما يمكن البدء بتعديل جميع قوانين الأحوال الشخصية في سورية بما يضمن أن يكون هناك بيت للمحضون، سواء كان الحاضن هو الأب أو الأم مع حقوق الولاية الكاملة للحاضن أو الحاضنة.
تعديل قانون العقوبات
بما يلغي استفادة مرتكب ما يسمى «جريمة الشرف» من العذر المخفف.
توحيد العقوبة بين الرجل والمرأة في حالة الزنا.
إلغاء المواد التي تعاقب على استخدام وبيع وسائل تنظيم الأسرة والترويج لها.
تعديل قانون الجنسية نحو المساواة التامة بين الرجل السوري والمرأة السورية في القانون.
تعديل قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والعلاقات الزراعية بما يضمن تشميل العاملات بالاستثمارات الأسرية ضمن هذه القوانين (جميع الذكور من أفراد العائلة والذين بلغوا السادسة عشرة من العمر مشمولون).
إقرار قانون للحماية من العنف الأسري.
إقرار قانون جمعيات حديث بما يمكن الجمعيات النسوية من القيام بدورها المطلوب في مجالات تمكين النساء ونشر الوعي بينهن.
إقرار نسبة لتواجد النساء في مواقع صنع القرار كلها بما لا يقل عن 30%.
إقرار استراتيجية خاصة بالنهوض بأوضاع النساء في المجالات كلها (المشاركة الاقتصادية، التعليم، الصحة، المشاركة السياسية والمجتمعية….).
واقع الحال
وفي تشخيصها للواقع الذي تعيشه المرأة تقول زكزك إن الكثير من النساء السوريات اضطر إلى النزول إلى سوق العمل، ولكنهن- وبسبب ضعف التمكين- اضطررن للعمل في سوق العمل غير المنظم حيث الأجور قليلة مع غياب مظلات التأمين الاجتماعي، وأصبح قسم كبير من أولئك النساء معيلاً لأسرهن في ظل غياب الرجال، كما حرمت الكثير من الفتيات من فرص التعليم خاصة في المناطق التي سيطر عليها فترة الإرهابيين.
وهناك أعداد كبيرة من النساء لم يتم تسجيل زواجهن لأن الزوج عسكري يؤدي الخدمة الإلزامية، كما لم يتم تسجيل أولادهن، وفي حال وفاة الزوج تبقى المرأة مع أولادها من دون أوراق رسمية ومن دون أي حقوق.
وكما في كل الحروب يزداد العنف الأسري ضد النساء ويجري تقييد حركة النساء بسبب الظروف الأمنية الطارئة، كما تزداد المشكلات الأسرية خاصة مع أهل الزوج في حال وفاته من أجل الحصول على حضانة الأطفال والتعويضات الخاصة بهم. إضافة إلى ما سبق يجري إخراج الفتيات من المدارس خشية عليهن من الظروف الطارئة أو لتزويجهن، وبسبب تدني الأحوال المادية يمكن أن يتجه عدد من النساء للعمل بأعمال أخرى..!
أما اللاجئات والنازحات فيعانين أشكالاً جديدة من العنف ضد النساء، من بينها رفض المجتمع الجديد لهن ولأسرهن ومواجهة التحرش الجنسي ممن يقدمون الإعانات لهن.
نسبتهن فاقت
الاعلامية والناشطة في قضايا المرأة- إنصاف سليطين تقول ربما علينا أن نسأل أولاً ماذا تحتاج النساء السوريات اليوم؟ قبل أن نسأل ماذا تريد النساء السوريات من السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب، مشيرة إلى وجود مطالبات كثيرة واحتياجات أكثر للنساء على كل المستويات، فالحديث عن مكانة المرأة السورية وتقلّدها مناصب عدة في دوائر اتخاذ القرار لا يغني في حال من الأحوال عن وضع الإصبع على وجع المرأة، إذ تتحدث الإحصاءات أن نسبة النساء فاقت 65% إلى مجموع السكان في المجتمع، إلا أن نسبة مشاركتهن في مجلس الشعب لا تتجاوز الـ12%، وهي مشاركة متواضعة مقارنة مع الدور الكبير الذي أنيط بها خلال سنوات السلم، وكذلك الدور المركب الذي ألقي على عاتقها خلال سنوات الحرب، فكانت المعيل في غياب الزوج والأب والأم في حالات لا مجال لإحصائها الآن، انطلاقاً من ذلك تبدو المطالبة بـ«غوتا» نسائية أقل مما تستحقه النساء السوريات مقارنة مع الدول التي مرت بتجارب فوضى مجتمعية فيما عرف بـ(الربيع العربي) مع خصوصية الحدث في كل مجتمع لكنها أفضت إلى تحصيل النساء لحقوقهن الطبيعية كتونس مثلاً، موضحة أنه أقل ما يجب أن يقال إننا نطمح إلى برلمان يرفع صوت النساء ويكرّس حقوقهن، ويعمل على ضمان هذه الحقوق قانونياً ودستورياً أيضاً، لافتة إلى أنه قد يحاجج البعض بتعديلات قانون الأحوال الشخصية الأخير الذي مازال يعد شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل، ويعطي للرجل الحق في العودة عن «المخالعة» ما يمنع المرأة من إنهاء الزواج بالتراضي.
وذكرت سليطين أن العنف القائم على النوع الاجتماعي وتهاون القضاء في التعامل مع هذه الظاهرة المجتمعية نضعه برسم مجلس الشعب أيضاً، آملة أن يكون المجلس التشريعي صاحب مبادرة في طرح القضايا التي تهم المجتمع عموماً والنساء خصوصاً ليكون هو الصوت المطالب بالحقوق والداعي إلى تطوير التشريعات بما يتلاءم مع الحاجات وتغييرات الواقع وتسارع وتيرتها.
سليطين بينت أن قانون الجنسية واحد من الأمور التي نضعها برسم المجلس أيضاً، إضافة إلى ما ننتظره من شفافية في طرح كل القضايا والاتفاقيات التي تخص النساء للنقاش الواضح العلني مع المهتمين بالشأن العام عموماً والنساء خصوصاً كالتحفظات على اتفاقية سيداو، وأيضاً بنود القرار /1325/، ولتفتح أبواب النقاش على مصراعيها مع الجميع بكل توجهاتهم، وكذلك تتشكل مسارات مشتركة وطنية خالصة تسعى للنهوض بواقع المرأة وتالياً النهوض بواقع المجتمع عموماً، موضحة أن الارتهان لتقاليد عفى عليها الزمن تحت ذرائع مجتمعية أو حتى شرعية أشبه بتقييد عجلة فولاذية تتوق للانطلاق والدوران بـ«جنزير» معقد وتركها فريسة الصدأ. وختمت بالقول: ربما علينا أن نسأل الآن: ماذا يمكن لمجلس الشعب القادم أن يقدم للنساء السوريات في المرحلة القادمة؟.
التحرش والابتزاز الإلكتروني
مؤسسة فريق غاردينيا التطوعي- د.زينب العاصي تقول إن نمطية تعاطي الشارع السوري مع قضايا المرأة هي المشكلة الأعظم حسبما تعتقد، وإنه من هنا برز دورهم التوعوي، وإنه انطلق العديد من الحملات التي سعت لتعريف المرأة بحقوقها وواجباتها ومناقشة الظاهرات الاجتماعية التي تعود سلباً عليها والتي تفاقمت نتيجة الحرب (ونذكر على سبيل المثال ظاهرة التحرش وظاهرة الابتزاز الإلكتروني)، وتعتقد د. العاصي أن تلك الحملات نجحت في التأثير الإيجابي على تفكير فئة من الناس، وفي الوقت ذاته لاقت الرفض وعدم القبول من قبل الأفراد الواقعين تحت هيمنة الأعراف والتقاليد البالية، ووجود بعض القوانين غير المنصفة للمرأة عزز هذه الهيمنة. وترى أن تعديل هذه القوانين هو الحل الأول والأمثل لعلاج هذه المشكلات، مع توقعها لأن هذا التعديل سيلاقي الرفض في بداية الأمر من مؤيدي الأعراف الظالمة للمرأة للسورية، ولكن سيصبح تدريجياً أسلوب حياة جديداً، وستنشأ عليه أجيال جديدة قادرة على تعزيزه، (كما حصل في الشارع السوري عندما ورد إلى مجلس الشعب مشروع القانون المحال من السيد الرئيس بشار الأسد الذي حد من وجود عذر مخفف لمرتكبي جرائم الشرف والمتضمن إلغاء المادة ٥٤٨ من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /١٤٨/ لعام ١٩٤٩).
تضيف العاصي أنه من هنا يبرز دور مجلس الشعب، وذلك بتقديم المقترحات لتعديل القوانين الشبيهة، والتعاون مع المؤسسات المجتمعية لتوضيح الفائدة التي ستنتج عن هذا التعديل للشباب السوري، وإجراء دراسات لتجارب الدول المجاورة التي عانت المشكلات ذاتها والاستفادة منها. إضافة للسعي الدائم لتقديم مقترحات لتعديل المناهج الدراسية وإدخال المفاهيم الجديدة التي تعزز دور المرأة والأم خصوصاً في المجتمع من دون إقصاء ذاتها، فالمرأة في مناهجنا هي الشخص المضحي بنفسه كي تحيا الأسرة والمجتمع بسلام، وتختم بالقول إن الأطفال عصب المستقبل فإن تغذى هذا العصب بالأفكار البالية فقدنا المستقبل.
مواجهة الفساد والمحسوبيات
الاختصاصي التربوي والاجتماعي- الدكتور حسام سليمان الشحاذة أكد أن الآمال والطموحات المعلقة على نواب مجلس الشعب المرتقبين كبيرة، لإعادة تعديل القوانين والتشريعات الناظمة لحقوق المرأة، فقد بين الشحاذه أن المنظومة التشريعية في سورية متوازنة وفاعلة، لاسيما تلك المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية، والطموحات كبيرة من النواب المرتقبين لتعديل وتطوير المنظومة التشريعية والقانونية الحالية لتوسيع حقوق المرأة لمنح الجنسية السورية لأبنائها إذا كانت متزوجة من غير سوري، وتلك المواد المتعلقة بالحضانة، وقضايا الشرف..إلخ وغيرها من المواد والنصوص والتشريعات التي توسع وتعمق حقوق المرأة في قضايا الوصايا والهبة والعمل وإدارة الملك الشائع والوكالة عن الغائب..إلخ، فتلك القوانين والتشريعات تحتاج لوائح تنفيذية تتيح للمرأة حرية أوسع للحصول على الحماية القانونية والحصول على الحقوق وتنفيذ الواجبات، وبالتحديد تلك الحقوق المتعلقة بالمرأة من ذوي الشهداء أو مصابي الحرب.
أضاف الشحاذة أن سقف طموحات الشعب السوري من أعضاء البرلمان المرتقبين مرتفع لاسيما بعد معايشة الأزمة في سورية في السنوات الماضية، والتي تتمثل في السعي الجدي والحقيقي لمواجهة الفساد والمحسوبية في جميع مفاصل الدولة، وتشريع القوانين الناظمة لرعاية الخبرات والكفاءات العلمية والإدارية، وتوجيه أداء الحكومة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتحسين المستوى المعيشي لأبناء الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين وصغار الكسبة ومصابي الحرب وذوي الشهداء..إلخ، وردم الهوه بين مستوى الرواتب والأجور والغلاء الفاحش والمستشري في معظم جوانب الحياة الاقتصادية والمعيشية، وإعطاء مساحة أوسع للتعبير وحرية الرأي تحت سقف الوطن، وتوجيه الوزارات المعنية لإعادة إعمار ما خربته المجموعات الإرهابية المسلحة في البنية التحتية ومساكن المواطنين، ودعم الزراعيين والصناعيين وأصحاب الحرف لإعادة تشغيل منشآتهم الإنتاجية، وتقديم جميع التسهيلات الممكنة لتحقيق هذه الغاية، ورفع القيود عن المستثمرين السوريين ورؤوس الأموال الوطنية المهاجرة للعودة للاستثمار داخل حدود الوطن الأم سورية، وإعادة النظر بمفهوم خدمة العلم الإلزامية لاسيما ما يتعلق بشريحة النخبة من العاملين في الدولة وحملة شهادات الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه من جميع التخصصات العلمية وفي جميع وزارات الدولة وهيئاتها وقطاعاتها.
الأمية
وأضاف الشحاذة أن أهم ما يمكن أن يواجه أعضاء مجلس الشعب من عقبات في هذا الدور التشريعي هو السعي لاستئصال مسببات الإرهاب في سورية، ألا وهو الأمية بمفهومها الإشكالي العميق والواسع، فقد أثبتت دراسة لنا أجريت عن واقع الأمية في سورية عام (2007) وقدمت في مؤتمر الباحثين الشباب الذي جرى في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق، إلى جانب عدة دراسات أجنبية وعربية بحثت في واقع الأمية في المجتمع خلال سنوات الأزمة في سورية من عام (2011 حتى تاريخه) أن السبب الرئيسي لانتشار أعمال العنف المُسلح وظهور مجموعات إرهابية من أبناء الشعب السوري هو غسيل الأدمغة بالأيديولوجية الدينية والطائفية، والتي نالت من فئة المراهقين والشباب الأميين وغير المتعلمين، حيث كانت بنتيهم المعرفية والثقافية هشة وسهلة الاختراق من قبل الإعلام المُغرض، وأن مهمة أعضاء مجلس الشعب المرتقبين تكمن في إعادة توجيه بوصلة الإعلام المحلي والمؤسسات التعليمية والثقافية والدينية.. لكي تأخذ دورها الحقيقي والفاعل في مكافحة الأمية والتسرب الدراسي وخفض مستوياتها إلى أدنى مستوى ممكن، وإعادة تنظيم البنية المعرفية للمواطن السوري لتَقبّل الآخر وتمثّل قيم ومفهوم المواطنة الحقيقية، ما يمهد الطريق لجعل الجمهورية العربية السورية في مصاف الدول المتقدمة والخالية من الأمية الثقافية والحضارية بمفهومها الوظيفي

Visits: 2

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا