كتّاب أم كَتَبة ؟

الذي يكتب إنما يفعل ذلك من أجل تعديل مسار ما يؤرقه، قضية عامة تهم عدداً كبيراً من البشر، ويكون لكتابته الأثر الفعال للمساهمة في تلك القضية، وحينما يتحقق له ذلك، يشكره الناس ويصفقون له، أما إذا كان الهدف من الكتابة شخصياً، ولمصلحة معينة، وأحياناً من أجل الحصول على أحد المكاسب، والكيد لمن ينافسونه، فهنا تكون الكتابة كدق المسامير في أخشاب ملقاة على عرض الطريق.
البعض هم الذين لا يعطون للكتابة حقها المشروع، يدخلونها من أبواب مختلفة وليس في وجدانهم ما ينفع الآخرين، وإنما ينفعهم وحدهم. لا يختلفون عن (الكَتَبة) الذين يتزاحمون أمام المحاكم ودوائر الحكومة، وهؤلاء حالهم مع الكتابة يسوقهم إلى (مزبلة التاريخ) ينتهون قبل انتهائهم، ويظلون رغم عشرات المطبوعات التي يصدرونها بكل وسائل التحايل، موضوع اتهام القراء قبل أن يكونوا موضع إعجابهم، يعرف القارئ بحاسة الذكاء المفرطة ماذا وراء تلك النوعيات من الكتابة، إنها مجرد سطور سطحية إذا غاصت ضاعت، وإذا تفلسفت هانت، وإذا تعمقت طفت.
التاريخ الحقيقي لا يحتفل إلا بالكتّاب المخلصين الصادقين الذين سخّروا الموهبة لتدعيم (الابداع) قبل أن يفكّروا في مصالح شخصية، وأوهام قيادة، ومناصب (أكروباتية)، ديستويفسكي، تشيخوف، ديكنز، راسل، هيمنغواي، نجيب محفوظ، إدريس، ويندرج بعدهم العديد من الكتّاب الذين احترموا هواياتهم، ثم يأتي في أسفل الدرج هؤلاء الذين تزدحم بهم مزبلة التاريخ.
سألت أديباً شاباً بعد أن قرأت بعض كتاباته في اتحاد الكتّاب العرب: ما هدفك من الكتابة؟
رد على الفور من دون تفكير: الشهرة.
عدت أسأله: لكنك يجب أن تمتلك الموهبة أولاً، وأنت مازلت في بداية الطريق الصعب. وأضاف: أرى الكثيرين الذين يصلون إلى الشهرة بالكلمات نفسها. قلت له وأقول لكم: تلك هي المصيبة، جناية هؤلاء (الكَتَبة) ليس على أنفسهم فقط وإنما على أجيال قادمة ترى فيهم (القدوة) مع إن الدرجة من (السمو) لا يعرفها أحدهم أبداً، وقد وطّد نفسه على هذا (الموضوع) من أجل تحقيق كذا من الأهداف وتلك المزايدة من أجل التربع على عرش من بيوت العنكبوت، تختفي الأهداف السامية، وتبقى المطامع النرجسية، يستغلون سهولة النشر –بالنسبة لهم فقط- من أجل انتشار سمومهم القاتلة، وفي كل لقاء يقولون: نحن العباقرة، إنهم للأسف الشديد يتكاثرون، يشتهرون بالبجاحة والتشدق بحكمة الغابرين، إنهم كَتَبة وليسوا كتّاباً.

Visits: 2

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا