“نيويورك تايمز”: الصين تريد قيادة معسكر معادٍ لأميركا

إن التهديد بتحالف تقوده الولايات المتحدة ضد الصين لم يؤدِ إلا إلى تعزيز طموح بكين في أن تكون زعيمة عالمية للدول التي تعارض واشنطن وحلفاءها.

كتب ستيفن لي مايرز تقريراً في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تناول فيه التحالف بين الصين وكل من روسيا وإيران، مشيراً إلى أن الصين تريد تزعّم معسكراً أيديولوجياً في مقابل معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وقال الكاتب إن الرئيس الأميركي جو بايدن يريد تشكيل “تحالف الديمقراطيات” بينما تريد الصين أن تظهر أن لديها تحالفاتها الخاصة بها. فبعد أيام فقط من المواجهة الحادة مع المسؤولين الأميركيين في ألاسكا، انضم وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي للتنديد بالتدخل والعقوبات الغربية ضد الدولتين.

ثم توجه وانغ بعد ذلك إلى الشرق الأوسط لزيارة حليفات أميركا التقليدية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وتركيا، وكذلك زار إيران، حيث وقع اتفاقاً استثمارياً شاملاً يوم السبت الماضي. كما تواصل الزعيم الصيني شي جينبينغ مع كولومبيا في يوم وتعهد بدعم كوريا الشمالية في يوم آخر.

وأضاف التقرير أنه على الرغم من أن المسؤولين الصينيين نفوا أن يكون التوقيت متعمداً، إلا أن الرسالة كانت واضحة. فالصين تأمل أن تكون في موقع المتحدي الرئيسي لنظام دولي تقوده الولايات المتحدة، و”الذي يسترشد عموماً بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والالتزام بسيادة القانون”.

وقال وزير الخارجية الصيني للافروف، عندما التقيا في مدينة غويلين جنوب الصين، إن مثل هذا النظام “لا يمثل إرادة المجتمع الدولي”. واتهما في بيان مشترك الولايات المتحدة “بالبلطجة والتدخل وحضاها على “التفكير في الضرر الذي سببته للسلام العالمي والتنمية في السنوات الأخيرة”.

ورأى الكاتب أن التهديد بتحالف تقوده الولايات المتحدة “يتحدى السياسات الاستبدادية للصين لم يؤدِ إلا إلى تعزيز طموح بكين في أن تكون زعيمة عالمية للدول التي تعارض واشنطن وحلفاءها. إنه يظهر الصين كدولة واثقة بنفسها بشكل متزايد وغير اعتذارية، لا تدحض النقد الأمريكي لشؤونها الداخلية فحسب، بل تقدم قيمها الخاصة كنموذج للآخرين”.

ونقل الكاتب عن جون ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة يونسي في سيول، عن استراتيجية الصين: “إنهم يحاولون في الواقع بناء حجة مثل نحن القوة الأكثر مسؤولية، لسنا المفسدين أو محور الشر”.

نتيجة لذلك، ينقسم العالم بشكل متزايد إلى معسكرين متميزين وإن لم يكونا أيديولوجيين بحتين، حيث تأمل كل من الصين والولايات المتحدة في جذب المؤيدين إلى معسكرها.

وقد أوضح الرئيس بايدن ذلك في أول مؤتمر صحافي رئاسي له يوم الخميس الماضي، حيث قدم سياسة خارجية قائمة على المنافسة الجيوسياسية بين نماذج الحكم. فقد قارن بايدن الزعيم شي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “الذي يعتقد أن الاستبداد هو موجة المستقبل وأن الديمقراطية لا يمكن أن تعمل في عالم دائم التعقيد”.

وفي وقت لاحق أطلق بايدن على هذا التحدي تسمية “معركة بين منفعة الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية”.

الصين، من جانبها، تجادل بأن الولايات المتحدة هي التي تقسّم العالم إلى كتل. وحدد السيد شي الخطاب بعد فترة وجيزة من تنصيب بايدن، حيث قال للمنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام في دافوس، سويسرا، إن التعددية يجب أن تستند إلى إجماع بين العديد من البلدان، وليس وجهة نظر “واحدة أو وجهة نظر القلة”. وأضاف أن بناء دوائر صغيرة أو بدء حرب باردة جديدة، ورفض الآخرين أو تهديدهم أو ترهيبهم، وفرض العزل عن قصد، أو تعطيل الإمدادات أو العقوبات، وخلق العزلة أو القطيعة لن يؤدي إلا إلى دفع العالم إلى الانقسام وحتى المواجهة”.

وفي مواجهة الانتقادات لسياساتها في الأيام الأخيرة، دافعت الصين عن أسبقية المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث نما نفوذ بكين. وأشار السيد وانغ إلى أن أكثر من 80 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أعربت عن دعمها لأعمال الصين في شينجيانغ، المنطقة الغربية البعيدة حيث احتجزت السلطات المسلمين الأويغور واحتجزتهم في حملة عدتها الولايات المتحدة “إبادة جماعية”. وزعمت وزارة الخارجية الصينية أن السيد وانغ حصل على تأييد لسياساتها في شينجيانغ، وكذلك لقمع المعارضة في هونغ كونغ من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على الرغم من أن البيان السعودي لم يذكر شينجيانغ.

ورأى الكاتب أن تحالف الصين الأكثر إثارة للانتباه هو مع روسيا، حيث اشتكى بوتين منذ فترة طويلة من الهيمنة الأميركية واستخدامها للنظام المالي العالمي كأداة للسياسة الخارجية.

ووصل وزير الخارجية الروسي إلى الصين يوم الاثنين الماضي حيث ناقش مع نظيره الصيني العقوبات الأميركية وقال إن العالم بحاجة إلى تقليل اعتماده على الدولار الأميركي.

وقد اقتربت الصين وروسيا من التقارب خاصة بعد العقوبات الغربية على روسيا في أعقاب ضم بوتين لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وأوضح الكاتب أنه في حين أن إمكانية التحالف الرسمي بين روسيا والصين لا تزال بعيدة، فقد تعمقت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين في قضية مشتركة ضد الولايات المتحدة. لذلك لدى الدولتين علاقات استراتيجية إذ يجري “جيش التحرير الشعبي” الصيني والجيش الروسي الآن تدريبات بشكل روتيني معاً وقاما مرتين بدوريات جوية مشتركة على طول الساحل الياباني، كان آخرها في كانون الأول / ديسمبر 2020.

وأعلن البلدان هذا الشهر أنهما سيبنيان محطة أبحاث على القمر سوياً، مما يمهد الطريق لبرامج فضائية متنافسة، واحدة بقيادة الصين والأخرى بقيادة الولايات المتحدة.

ونقلت الصحيفة عن أرتيوم لوكين، أستاذ الدراسات الدولية في شؤون الشرق الأقصى في الجامعة الفيدرالية في فلاديفوستوك، روسيا، قوله: “إن الخطوات والإيماءات الأخيرة من قبل إدارة بايدن، التي ينظر إليها القادة الروس والصينيون على أنها معادية ومهينة، دفعت موسكو وبكين إلى مزيد من العناق المتبادل”.

وقد كرر المسؤولون الصينيون والروس القول إن الولايات المتحدة تفتقر إلى المؤهلات الكافية لانتقاد الدول الأخرى. ويستشهدون بتدخلات الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وليبيا كدليل على ذلك ويتهمون أميركا بالتحريض على الاحتجاجات العامة ضد الحكومات التي تعارضها.

وفي مواجهته غير العادية مع المسؤولين الأميركيين في مدينة أنكوراج بولاية ألاسكا، استشهد كبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، بالعنصرية ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة، إلى جانب سوء تعاملها مع جائحة كورونا، كدليل على تراجع أميركا. وأصدر مجلس الدولة الصيني تقريراً عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة يوم الأربعاء الماضي، مستخدماً استغاثة جورج فلويد للشرطة، “لا أستطيع التنفس”.

وكتب يوان بينغ، رئيس المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة فكرية حكومية، في اليوم نفسه يقول: “يجب على الولايات المتحدة أن تخفض من نبرة الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن تتحدث أكثر عن التعاون في الشؤون العالمية”.

ورأى التقرير أنه من هذا المنظور، فإن تواصل السيد شي مع كوريا الشمالية وزيارة السيد وانغ لإيران يمكن أن يشيرا إلى اهتمام الصين بالعمل مع الولايات المتحدة لحل الخلافات حول البرامج النووية لهذين البلدين. وقد تكون إدارة بايدن منفتحة على ذلك. فبعد اجتماعات ألاسكا، ذكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين البلدين كمجالين محتملين حيث “تتقاطع مصالحنا” مع مصالح الصين.

لكن في مناطق أخرى، ثمة هوة آخذة في الاتساع بين الصين وأميركا. فمنذ انتخاب بايدن، سعت الصين إلى منع الولايات المتحدة من تشكيل جبهة موحدة ضدها. وناشدت الإدارة الجديدة استئناف التعاون بعد مواجهات سنوات الرئيس السابق دونالد ترامب. وأبرمت اتفاقيات تجارية واستثمارية، بما في ذلك اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، على أمل دفع بايدن للتقارب معها لكنها لم تنجح. وظهرت النتائج الأولى لاستراتيجية بايدن الأسبوع الماضي، عندما أعلنت الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بشكل مشترك فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين بشأن شينجيانغ.

وكان شجب الصين لذلك سريعاً. وقال وانغ: “إن الحقبة التي كان من الممكن فيها اختلاق قصة وتلفيق الأكاذيب للتدخل التعسفي في الشؤون الداخلية الصينية قد ولى ولن تعود”.

وردت الصين بفرض عقوبات على المسؤولين المنتخبين والعلماء في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وأعقبتها بعقوبات مماثلة يوم السبت على الكنديين والأميركيين، بمن في ذلك كبار المسؤولين في اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية، وهي هيئة حكومية عقدت جلسة استماع هذا الشهر حول العمل الجبري في شينجيانغ. وسيتم منع جميع الذين فرضت عليهم العقوبات من السفر إلى الصين أو إجراء أعمال تجارية مع الشركات أو الأفراد الصينيين.

وقالت تيريزا فالون، مديرة مركز الدراسات الأوروبية -الروسية -الآسيوية في بروكسل، إن عقوبات الصين على الأوروبيين كانت رد فعل مبالغ فيه من شأنه أن يدفع المسؤولين الأوروبيين إلى معسكر مناهض للصين. كما يمكن أن يعرضوا للخطر اتفاقية الاستثمار الصينية مع الاتحاد الأوروبي، حيث أن العديد من الذين تمت معاقبتهم هم أعضاء في البرلمان الأوروبي، والموافقة على الاتفاقية ينبغي أن يصادق عليها البرلمان. وكذلك ستفعل الحملات الجديدة التي يقوم بها المستهلكون الصينيون ضد العلامات التجارية للملابس الغربية الكبرى.

وقال الكاتب إنه حتى الآن، لم ترغب العديد من دول الاتحاد الأوروبي في اختيار أحد الجانبين بشكل صريح، وهي تتجنب الانقسامات الأيديولوجية ثنائية القطب التي شوهدت خلال الحرب الباردة، ويرجع ذلك جزئياً إلى علاقاتها الاقتصادية العميقة مع الصين. لكن مع كل تطور جديد في العلاقات، يبدأ ظهور المعسكرين بشكل أوضح. وقالت فالون إن الصينيين دائماً ما يتهمون الناس بالتفكير في الحرب الباردة لأنني أعتقد أنهم هكذا يفكرون.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

المصدر: نيويورك تايمز

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا