زار الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1974، واستُقبل من طرف الرئيس ريتشارد نيكسون في 11/4/1974 بحضور هنري كيسنجر وزير الخارجية، وتكلم الرئيس نيكسون فقال: ‘العلاقة بين الولايات المتحدة والعرب جيدة، توجد بيننا وبين العرب مسألة إسرائيل، ولا بد أن نتجاوز هده المسألة”، وردّ الرئيس الهواري بومدين فقال: “نحن العرب نرى أنه يبدو أن الولايات المتحدة لم تكتف بإسرائيل واحدة فنراها تعمل على تأسيس إسرائيل ثانية في شمال العراق”.
وروى الرئيس بومدين: “أن نيكسون اضطرب في كلامه فصار يردد عبارة ‘إسرائيل ثانية… إسرائيل ثانية…”، بسبب عدم توقع من أعد له جدول القضايا التي سأثيرها فلم يسجلوا مسألة ‘إسرائيل ثانية”.. وعند ذاك تدخل أستاذ التاريخ كيسنجر فقال: ‘سيادة الرئيس تقصد قضية الأكراد بشمال العراق؟”
‘ فأجبت: نعم: ‘أقصد التمرد الكردي بشمال العراق’، وقصدت ألا أذكر كلمة قضية. وهنا دار الحوار التالي بيني وبين كيسنجر :
ـ سيادة الرئيس، قضية الأكراد تثيرها إيران ضد العراق، ولا دخل للولايات المتحدة فيها.
ورد بو مدين:
ـ شاه إيران حليفكم بالخليج العربي، تزودونه بالسلاح كما تزودون إسرائيل ليلعب دور الدركي على العرب في المنطقة، وأنا على يقين لو تطلبون منه الكف عن دعم المتمردين الأكراد لتوقف هذا التمرد، لماذا لا تطلبون من حليفتيكم تركيا وإيران اللتين يتواجد بهما الأكراد أكثر من تواجدهم بالعراق، أن تعترفا بحقوق الأكراد مثلما اعترف العراق، العراق البلد الوحيد الذي منح حكما ذاتيا للأكراد واعترف بحقوقهم الثقافية.
كيسنجر: هذه دول حرة لا سيادة لنا عليها، ثم أنا مستعد لزيارة بغداد لتوضيح موقفنا للعراقيين، وبصفتكم رئيس مؤتمر القمة العربية يمكن أن تنقل لهم رغبتي في ذلك.
وكانت العلاقات مقطوعة بين العراق والولايات المتحدة، منذ حرب تشرين الأول أكتوبر 1973
لقد كلفني الرئيس بومدين بتبليغ ما دار بينه وبين نيكسون للعراقيين. استقبلني الرئيس أحمد حسن البكر، وأبلغته نص المقابلة، وكان البكر يعاني من مرض السكر فدمعت عيناه وهو يقول:
ـ بلّغ أخي الهواري بومدين شكر العراق على موقفه هذا، لم يحدث أبدا أن أثار رئيس دولة عربي المسألة الكردية بالعراق مع رئيس الولايات المتحدة، وهذا يدل على أنه عربي أصيل جدير بأن يتحدث باسم العرب في المحافل الدولية.
وهكذا سجّل التاريخ أن الرئيس هواري بومدين تنبأ بإمكانية انفصال أكراد العراق بدعم من الولايات المتحدة. ويمر الزمن ويحتل الأمريكان العراق سنة 2003، وترسل إسرائيل خبراء لتدريب الأكراد على السلاح، وتقيم بشمال العراق قاعدة للتآمر على الشعب العراقي، ووحدته، ومن هذه القاعدة ترسل عملاءها لاغتيال علماء العراق.
أخبرني السفير اللبناني ببغداد المسيحي الأرثودوكسي أن أخاه أو ابن عمه مترجم من اللغة العربية في البيت الأبيض قال له:
*“لأول مرة أعتز بعروبتي عندما ترجمت ما دار بين بومدين ونيكسون، لقد كان بومدين رائعا”*.
…..
*ويمر الزمن وتنفرد إسرائيل بتأييد تأسيس الدولة الكردية*
Views: 0