ورغم مرور عقود على ارتكاب جريمة إحراق الأقصى إلا أنها تظل ماثلة في ذاكرة الفلسطينيين والشعوب العربية والاسلامية بكل تفاصيلها حين أقدم صهيوني متطرف يدعى دينيس مايكل روهان في الحادي والعشرين من آب عام 1969 على إحراق أجزاء من المسجد الأقصى المبارك بتحريض ودفع من سلطات الاحتلال الإسرائيلي وذلك ضمن المحاولات التي لم تتوقف لتدمير واحد من أهم المعالم الدينية والتاريخية التي تؤكد على عمق وتجذر الوجود العربي والاسلامي في مدينة القدس المحتلة والأراضي الفلسطينية.
وفي مواجهة هذه الجريمة هب أبناء القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة لإنقاذ مسجدهم في حين منعت سلطات الاحتلال فرق الاطفاء من المسارعة إلى إطفائه ما تسبب في إحداث أضرار كبيرة بالمسجد وموجوداته.
وأتى الحريق على أكثر من ثلث المساحة الإجمالية للمسجد لتبلغ المساحة المحترقة ما يزيد على 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع كما أحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد وسقط سقفه والقوس الحامل للقبة والأعمدة الرئيسية وتضررت أجزاء كبيرة من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية وتحطمت 48 نافذة واحترق المنبر الخشبي الذي صنع في مدينة حلب وأهداه صلاح الدين الأيوبي للقدس.
ولدى شيوع خبر الجريمة النكراء عمت المظاهرات الغاضبة الأراضي الفلسطينية المحتلة نصرة للمسجد الأقصى والمقدسات كما شهدت الدول العربية والإسلامية فور وقوع الجريمة تظاهرات غضب واحتجاج تأكيدا على أن قضية القدس وفلسطين حاضرة في ضمائر الشعوب ورفضا لكل المحاولات الصهيونية لتهويد الأرض والمقدسات.
وفي محاولة من كيان الاحتلال الإسرائيلي للتهرب من مسؤوليته الكاملة عن هذه الجريمة ادعت حكومته ووسائل اعلامه أن مرتكبها جاء إلى فلسطين المحتلة بدعوى السياحة وأنه “مختل عقليا “رافضة أن تفتح تحقيقا في حيثيات جريمته وليتم ترحيل المجرم فيما بعد إلى استراليا التي قدم منها دون أن يحاسب على ما اقترفه.
ولم تتوقف بعد ذلك المحاولات المتواصلة من قبل سلطات الاحتلال لتدمير وتخريب المسجد الأقصى وغيره من المقدسات والمعالم التاريخية الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة وذلك في استمرار للمخطط الصهيوني الرامي إلى تهويد الجغرافيا والتاريخ في فلسطين المحتلة وتغيير الوقائع والحقائق على الأرض بدعم غربي كامل وصمت دولي مطبق.
ومنذ ذلك الحين تتوالى في هذا السياق المحاولات المستمرة سواء عبر اختراع حجج وذرائع تتحدث عما يسمى ب “التقسيم الزماني والمكاني” لفرض أمر واقع يسمح للمستوطنين بالدخول إلى حرم المسجد واقامة الشعائر التلمودية في باحاته إضافة إلى تزايد الاقتحامات اليومية الممنهجة من قبل المستوطنين بحماية وحراسة من قوات الاحتلال الاسرائيلي وحرمان المصلين الفلسطينيين من الدخول إليه والاعتداء عليهم بشكل مستمر فيما تستمر الحفريات التي تنفذها سلطات الاحتلال أسفل المسجد وفي محيطه حيث أقيمت شبكة من الأنفاق التي تهدد أساساته.
وتأتي ذكرى جريمة احراق المسجد الأقصى المبارك هذا العام بعد الصمود الأسطوري الذي حققه المقدسيون خلال الأسابيع الماضية حيث تمكنوا بثباتهم وتضحياتهم من التصدي لمحاولات سلطات الاحتلال التي صعدت من إجراءاتها بحق القدس والمسجد الأقصى الشهر الماضي عندما أغلقت المسجد أمام المصلين ومنعتهم من اداء صلاة الجمعة في أعقاب عملية إطلاق نار في باحات المسجد أدت إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين ومقتل اثنين من قوات الاحتلال.
وبعد ثلاثة أيام فتحت سلطات الاحتلال المسجد أمام المصلين بعد أن نصبت بوابات الكترونية على مداخله وهو ما قوبل برفض شعبى فلسطينى لتحاول بعد ذلك الالتفاف على هذا الرفض عبر استبدال البوابات بكاميرات ذكية وهو الأمر الذي أصر المقدسيون على عدم القبول به وواصلوا اعتصاماتهم ومقاومتهم له كما شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة مظاهرات واحتجاجات على مدى أيام تعبيرا عن الوقوف في وجه الاحتلال وسياساته القمعية ورفضا لمحاولات تهويد المسجد الأقصى ودفاعا عن المقدسات.
ونتيجة لهذا الصمود رضخت قوات الاحتلال وقامت بإزالة البوابات الحديدية والكاميرات الالكترونية والجسور التي نصبتها على أبواب المسجد الأقصى المبارك فيما عمت الاحتفالات مدينة القدس والأراضي الفلسطينية بهذا الإنجاز الذي تحقق بفضل تضحيات ابناء الشعب الفلسطيني.
وتؤكد كل هذه التطورات مجددا أن المقاومة ستظل الخيار الأوحد لتحرير الأرض واسترجاع الحقوق المغتصبة كما تثبت أنه وعلى الرغم من كل هذه الظروف والمصاعب التي تمر بها المنطقة وخصوصا المؤامرة التي تستهدف سورية باعتبارها احدى ركائز محور المقاومة والداعم الأساسي للشعب الفلسطيني من قبل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي وحلفاؤهما وأدواتهما من ممالك ومشيخات الخليج ونظام رجب أردوغان وارهابيين تم استجلابهم من شتى بقاع الأرض فإن النضال مستمر ضد الاحتلال وجرائمه وممارساته الوحشية عبر صور وأشكال متعددة تتمثل في التشبث بالأرض ورفض تهويدها والتمسك بحق العودة واستخدام مختلف أساليب المقاومة والمواجهة.
Views: 2