نزل الى الشام بباصات زيتوني تورز، أخد تكسي من الكراجات الى نادي الضباط حيث حجز لنفسه غرفة للإقامة باسم قريبه الذي يحارب على إحدى الجبهات
من نادي الضباط ذهب مشياً على الأقدام الى السوق ، اشترى لنفسه طقم رمادي على أزرق مصنوع من البوليستر و خيطين فقط من القطن، مع قميص زهري اللون و ربطة عنق مخططة بشكل مائل.
في طريق عودته الى غرفته في النادي ذهب الى دكان و أخذ علبة دهن اللوز و اسفنجة كوالا للأحذية، و زجاجة عطر تركيب من العطار المقابل، تذكر أنه لا يلبس ساعة فركض الى مؤسسة أبو وطفة و اشترى ساعة سايكو ذهبية فاقعة اللون ، و عاد الى غرفته.
أمضى أغلب وقته في الحمام، يحلق ذقنه و يزبط مظهره ماسكاً الملقط أمام المرآة لم يترك وبرة شاذة على وجهه الا و قلعها، دهن شعره بشيء لامع و أخرج مشطه البلاستيكي و أمضى النصف الساعة القادمة يصفف شعره.
نظر الى الساعة فموعده المهم يقترب ، خرج من الحمام لبس طقمه الرمادي الأزرق شنق نفسه بربطة العنق ، رش جثته بمحلول البارفان المركب الذي اشتراه من محل الشاب الجغل؛ و جلس يلمع حذائه بدهن اللوز و اسفنجة كوالا.
وضع ساعته الذهبية في يده و خاتمه الفضي العتيق في اصبعه ، و نزل من غرفته مسرعاً و أخذ تكسي الى مبنى الاذاعة و التلفزيون.
في الطريق تفقد أغراضه جواله الآيفون الصيني المقلد في مكانه كمية كافية من بطاقات التعريف ، نظر الى بطاقته و انتابه القلق إن كان قد نسي صفة معينة عليها : فلان الفلاني – خبير ادارة تنموية ، محلل نظم سياسي، كبير استشاريين في مجال الإدارة المتقدمة، ماجستير ادارة أعمال من جامعة مالاوي، دكتوراه في إدارة الدول و الامبراطوريات من جامعة بشكيك-قرغيزيا.
هاتف أرضي، هاتف ٩٣ ، هاتف ٩٤ و بريد الكتروني .
نسي أن يضع أنه خضع لدورة تدريب مهني لمدة ثلاثة أيام في كفر الدوار في مصر.
وصل الى مبنى الاذاعة و التلفزيون، دخل عبر البوابات و وصل الاستديو ألقى التحية على كل من لاقاه و اعطاه بطاقته مع ابتسامة مصطنعة، شكر المذيعة التي كانت قد أخرجت رأسها للتو من سطل المكياج، شكرها على الاستضافة و أصر عليها أن تقدمه الى الشاشة كالآتي : الدكتور فلان الفلاني – محلل سياسي، خبير دولي في علوم الإدارة العليا.
امتعض من معد البرنامج الذي اخبره أن مدة اللقاء أربع ساعات فقط و سيعاد بنفس الوقت لمدة اسبوع، امتعض من هذا الاجحاف فمدة أربع ساعات غير كافية للتنظير على هذا الشعب الجاهل .
اثناء اللقاء لم ينس أن يطيل المديح و التملق و اعاد شكر المذيعة و المعد و المخرج و المصور و السيد مدير عام هيئة الاذاعة و التلفزيون و السيد الوزير الخ..
تحدث بكل شيء تقريباً، نقد جميع المشاريع و اقترح جميع الحلول، انتقد مشروع تنمية زراعة البندورة في غباغب، و عارض مشروع تدوير بلاستيك الشحاحيط في كفربطنا ، و انتقد البنية الادارية لنواة التراتبية الهرمية في مؤسسة اكثار البذار ، المهم أنه ظهر بمظهر الفهمان الشاطر ، صاحب الحلول .
انتهى اللقاء، اخرج جواله الصيني، دخل الى صفحته على الفيسبوك و استفرغ محتوى اللقاء على صفحته مع بعض الصور و هو يتكلم، و هو يؤشر بيديه، و هو ينظر بعمق الى المذيعة و يتلقى اسألتها بكل جدية و لم ينس أن يضع اعجاب لنفسه على منشوراته.
خرج من مبنى التلفزيون و هو بكامل بهجته، قرر أن يمتع نفسه فذهب الى أحد مطاعم الفول المشهورة في دمشق، طلب لنفسه صحن فول و صحن حمص مع شاي ، بق.
عاد الى غرفته يجهز نفسه للعودة غداً الى مدينته ، استلقى على سريره و أخذ يحلم بمستقبله بعد هذا التحول الجدي في حياته، و أخذ يفكر بالطريقة المثلى لاستغلال هذا اللقاء، و يتسائل هل عليه أن ينتظر مكالمة ما؟ هل سيتم استدعائه لتسليمه منصب؟ تساؤلات بلا نهاية لم يقطعها إلا حشرجات معدته التي كانت تأن تحت ثقل البقوليات التي اجترها في المطعم، في خضم دوامة التساؤلات قرر جسده أخيراً أن يريحه ، فأخرج كل
الغازات الناتجة عن تحلل الآزوت في الفول و الحمص دفعة واحدة ، عندها فقط أغمض عينيه و نام قرير العين
Views: 3