أعدت واشنطن جملة واسعة من الخطط للاستيلاء على شبه جزيرة القرم وجعلها قلعة حصينة تغطي منها جنوب روسيا وتعترض صواريخ موسكو حتى تحطمت أحلام الأميركيين على صخرة انضمام القرم إلى روسيا.
فالهدف الرئيس للولايات المتحدة من وراء إشعال احتجاجات ساحة “الميدان” في العاصمة الأوكرانية كييف، والوعود التي لفها الغرب بالحرير للأوكرانيين وتعهد من خلالها بضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وفتح بوابات الجنة في وجهها، تلخص عمليا في الاستيلاء على القرم وطرد أسطول البحر الأسود الروسي منه، وجعله منصة تنصب واشنطن فيها عناصر درعها الصاروخية، وتهدد موسكو منها.
وإلى جانب درعها، خططت الولايات المتحدة كذلك، لتنشر في القرم منظومات “باتريوت” الصاروخية وتغطي بها أجواء جنوب روسيا، جدارا يعترض الصواريخ البالستية الروسية التي يمكن إطلاقها من مساحات شاسعة في روسيا، فيما لم تتستر واشنطن على خططها وطموحاتها هذه، بل كانت تجاهر بها بلا حياء.
نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، أوضح لوسائل إعلام أميركية الأسباب التي تحول دون اعتراف بلاده بانضمام القرم إلى روسيا، وتمسكها بضرورة إعادة إلحاقه بالسيادة الأوكرانية، حيث قال: “بلادنا معنية في تطوير التعاون مع أوكرانيا، وذلك بقدر ما كييف معنية بعلاقات جيدة معنا. الأهمية الأكبر بالنسبة إلينا على هذا الصعيد، تكمن في القرم الذي بقي خاضعا لعائدية أوكرانيا حتى سنة 2014، إذ كان لهذه المنطقة أن تصبح قاعدة عسكرية للناتو، ولقوات بلادنا بشكل مباشر”. ومضى يقول: “لا يخفى على أحد، أن الأوكرانيين يريدون الالتحاق بالناتو، ونحن من جهتنا مستعدون لقبولهم، إلا أن هذه العملية قد تجمدت في الوقت الراهن نظرا للنزاع مع روسيا. وحالما يتم فض النزاع، وتستعيد كييف السيطرة على جميع مناطق القرم، سيتسنى لنا حينذاك استئناف الحوار حول انخراط أوكرانيا في الغرب”.
القيادة الروسية من جهتها، لم تغفل هذه الطموحات، ولخصت موقفها على هذا الصعيد بما صرح به الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال: “لو تم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، ولولا استفتاء القرم، لشكل ذلك خطرا يتهدد جنوب روسيا بالكامل. نحن نرفض للناتو أن يصبح ربّ الأمر والنهي بمحاذاة سياجنا. هم عموما، أي الأطلسيون، شبان ليسوا سيئين، إلا أنه من الأجدى بمكان، أن يتفضلوا هم بزيارتنا في سيفاستوبول، عوضا عن أن نتحول نحن إلى ضيوف عليهم هناك”!
وفي أعقاب عودة القرم، تنفس الدبلوماسيون والعسكريون الروس الصعداء، حيث فجر ذلك فقاعة “الدرع الصاروخية الأوروبية”، بعد أن شرع الأمريكان هناك، وقبل “ميدان” كييف، في تشييد مواقع البنى التحتية لقواتهم البحرية، واستهلوا نشاطهم على هذا الصعيد في تأهيل واحدة من المدارس في مدينة سيفاستوبول.
المدرسة المذكورة، قدر لها حسب عقيدة واشنطن، أن تتحول إلى مركز هندسي للأسطول البحري الأميركي، فيما لا تزال مناقصة مشروع تأهيل المدرسة هذه مطروحة على موقع Federal Business Opportunity الأميركي للحجوزات العسكرية.
الملفت في نصوص هذه المناقصة وإلى جانب ما تحتويه على مواصفات ومعايير، أن ترسم مؤسسة الإنشاءات التي سترسو عليها، وباللغتين الانكليزية والأوكرانية، عبارات الإرشاد إلى المراحيض داخل “المركز الهندسي للأسطول البحري الأميركي” المنتظر.
وفضلا عن لوحات الإرشاد إلى المراحيض، كان من المزمع، وحسب المناقصة، تعليق لوحة على جدار “المركز الهندسي”، يكتب عليها: “تأهيل المدرسة جاء بفضل تبرعات الشعب الأمريكي لسكان سيفاستوبول، وتحت رعاية ملحقية التعاون العسكري لدى سفارة الولايات المتحدة في أوكرانيا”.
عضو مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الأمن والدفاع دميتري سابلين، وفي تعليق على مدى تحضير واشنطن، وجديتها في خططها تجاه الاستيلاء على القرم قال: “لقد أعد الأميركيين في كييف وقبل عام على أحداث “الميدان” مشروع ميزانية ترميم جملة من المباني في سيفاستوبول وسيمفيروبول في جمهورية القرم، حيث كانوا يعتزمون تأهيل هذه المباني لتصبح مراكز قيادية واستخبارية”. وأضاف، أن واشنطن كانت ترى في الثكنات والمطارات العسكرية الأوكرانية في القرم مواقع عسكرية أمريكية، وسلّمت الجانب الأوكراني إرشادات وتعليمات يتم بموجبها اعتماد معايير ومواصفات الناتو في هذه المواقع، على أن تبدأ أعمال ترتيب القرم بالمجمل لأجل هذه الأغراض في نيسان 2014. وذكّر بأن استفتاء القرم، “حال دون تحقيق هذه الطموحات، وانضمت شبه الجزيرة إلى قوام روسيا الاتحادية في آذار، أي قبل شهر على انطلاق الخطط الأطلسية على أراضيها”. ومضى يقول: “الأميركيين أنفسهم، أقروا وفي وقت لاحق بأن الروس قد خلطوا جميع أوراقهم في القرم وخدعوهم على جميع الأصعدة، الأمر الذي يسوّغ عقوباتهم ضد روسيا، كخطوة انتقامية” يائسة.
الخبراء الغربيون، والذين لا يمكن التشكيك بولائهم لواشنطن والناتو، ويستحيل اعتبارهم أصدقاء أوفياء لروسيا، يجمعون كذلك على أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانت قد وضعت خططا طموحة لجعل القرم حصنا عسكريا منيعا، لاسيما وأن عقد استئجار روسيا قاعدة سيفاستوبل في القرم، والمبرم مع أوكرانيا كان سينتهي مع حلول العام 2017، لتبدّل القاعدة مستأجريها، وتعقد أوكرانيا اتفاق إيجار مع زبون آخر هو الأطلسي.
ولو كان للأميركيين ما أضمروا، لنشروا في القرم صواريخ Minuteman وМХ العابرة للقارات، والقاذفات الاستراتيجية، ومقاتلات “إف-22″، وطائرات A-10 Thunderbolt الهجومية، فضلا عن الرؤوس النووية التقليدية التي تحتفظ واشنطن بمعظمها في تركيا، وصواريخ “باتريوت” القادرة أيضا على إطلاق الصواريخ برؤوس نووية، وغير ذلك من منظومات هجومية ودفاعية.
رسلان بوخوف مدير مركز تحليل استراتيجيا التكنولوجيا، أكد أن أحلام الناتو في القرم لم تتحقق، حيث كانت واشنطن تريد جعله حاملة طائرات لا تغرق وترسو على خاصرة روسيا، إذ دأب العسكريون الأميركيون على زيارة المواقع العسكرية الأوكرانية هناك، بوتيرة لم تعرفها قواعدهم في فلوريدا، أو في الأميركيتين، ووصل بهم الأمر إلى أن صاروا يختارون الشواطئ الملائمة للاستجمام على سواحل القرم بعد افتراشه.
المصدر: قناة “زفيزدا” الروسية
Views: 1