لايسعنا إلا أن نتوقف ها هنا عند تلك اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها فكرة عبقرية ..في ذهن كاتب من كتبة أوغاريت كان شغله وهاجسه اكتشاف طريقة في الكتابة أسهل مما كان معروفاً في ذلك العصر ..دون أن يدور في ذهن أحد أنه كان بالإمكان ايجاد كتابة يمثل فيها كل شكل حرفاً واحداً بدلاً من تمثيل مقطع صوتي…
تلك القاعدة البسيطة التي نهضت عليها جميع أبجدياتنا الحديثة…
نحن نعلم مابذل من جهود وعلم ووقت لدى الكتبة الأوغاريتين قبل أن تكتشف إمكانية تفكيك المقطع الصوتي ..
لاشك بأن البشرية آنذاك كانت تتطلع الى نمط جديد يخلصها من القيم المقطعية التي تجعل الكتابة على درجة كبيرة من التعذر والصعوبة …تلك الرغبة الكامنة كمون الحجر تحت الرماد…
خرجت إلى حيز الواقع وأصبحت حقيقة واقعة ..وقد تحقق هذا الأمل الجريء على يد عالم أوغاريتي سوري ما زلنا نجهل اسمه حتى الآن قدر له أن يعيش
على الشاطىء السوري قرب مدينة اللاذقية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد…
لقد كان إبداعاً قائماً على العبقرية وعلى ملكة تجريد راسخة وعظيمة …أتاح ولادة أبجدية بسيطة تشتمل على ثلاثين حرفاً نهضت على تلك القاعدة البسيطة جميع أبجديات العالم الحديث …بتسلسل لايتغير لاترتيب يكاد يكون ترتيب الأبجدية اليونانية ذاته ..مع بعض الفروق الطفيفة…
انه لامر يبعث على الاعتزلز والفخر أن نعلم أن أطفال العالم يتعلمون استظهار
الابجدية بالترتيب الذي اختاره لها عالم من أوغاريت منذ أربعة وثلاثين قرناً من الزمن…
وقد أدى انهيار الكتابة المقطعية المعقدة وظهور النظام الأبجدي الى اقبال واضح على تعلم القراءة والكتابة …فانتشرت المدارس في المجتمع الأوغاريتي
وازدادت ازدياداً كبيراَ بالمقارنة مع مجتمعات الشرق القديم…
للعلم اللغة الأوغاريتية تتطابق مع اللغة العربية الى حد كبير في الجذور اللغوية
التي تظهر في ذلك العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين …مما يشجع على القول : بأن اللغة الأوغاريتية -ربما-تمثل الطفولة المفقودة للغة العربية التي لم تكتشف حتى الآن….
عاشق أوغاريت ..غسان القيم..
Views: 0