عقوا اخي وزميلي وصديقي الغالي سهيل ايراهيم اعيد نشر ما نشر في الثورة وقلبي محزون مكلوم بفقدك وعدم معرفتي بذلك الا متاخرا فكم انا مفجوع وعاتب على نفسي كم كانت لنا ايام وليالي في صحيفة البعث وكم عشقت قلمك وزاوياك التي حرصت عليها اسبوعيا عندما كنت رئيسا للتحرير داعا وداعا ولنتذكر ان الاقلام الكبيرة خالدة لا ترحل
د.تركي صقر
ثقافة
الثلاثاء16-9-2014
ديب علي حسن
هي مفردات الروح عنوان للرحيل لم يكن يتسع الا له ومنه ينسكب شيء من الالم وكثير من الامل، ومع مفردات ليست من الحياة ابدا بل هي الحياة كانت ترتسم ملامح رحيل قامة صحفية وشعرية لم تكن خطواتها رسما في الرمال بل حفر وامتداد في شعاب اليوم والغد
وملامح القادم, سهيل ابراهيم رسم بالحرف والكلمة والصورة ونبض القلم وقائع تجربة ابداعية من لون الحياة، وكيف لا تكون كذلك وهو الصحفي الذي غمس قلمه وحبره بالامال والالام يرسم هنا وهناك، لا كما رسم الاخرون.بل تميزت تجربته الابداعية بحس ينبض بمفردات الرحيل مع انها عابقة بكل الحياة، وهل الحياة الا محطة متتالية لرحيل اكبر.
في الصحافة كانت له البصمة الميزة كاتبا ومديرا ومراسلا ومتابعا ومتفاعلا مع كل وجه جديد يطل على الحرف يريد ان يدخل عباءة مهنة المتاعب، لم اكن اعرفه حقيقة عن قرب ابدا وان كنت ممن يتابعون زاويته في الزميلة البعث اولا، ومن ثم في مجلة الكفاح العربي الى ان استقر به المطاف بعد طول انقطاع الى ان يزين صفحتنا الاخيرة مع كتاب اخرين ليكتب زاويته التي اتخذ لها عنوانا: كل اربعاء، لم تكن محطة عادية ابدا لاشكلا ولا مضمونا ابدا، مع تميز كل ما ينشر لكن عبقه كان حاضرا، وحبره يشف عما في الصدر من آلام واحزان، الهم الشخصي لا ينفرد ولا يبتعد عن الهم الوطني والقومي، هموم ترتسم تحت ملمح الانسانية التي اتعبتها محطات سميت الحضارة والانسانية التي انتهك تحت ستارها كل شيء, الوطن الحاضر الاول في كل مفرداته ومعانيه، ترتسم امامك تجربة شاعر لا يكتب كما الاخرون، ولا يريد لتجربته ان تكون مجرد ركام في قائمة طويلة، هكذا قرأت مجموعته التي تفضل واهداني اياها وكان لي شرف ان اكتب شيئا عنها، ليس نقدا ولا ادعي النقد، بل شيء من الذائقة، فكان ان نال استحسان الشاعر اتاني في اتصال جميل منه، ولم يكن الاتصال لشكر على كتابة مادة صحفية عن مجموعته، بل لامر اخر في الشأن الثقافي.
سهيل ابراهيم القلم الذي غزل من آلامنا مادة اعلامية هي نص ابداعي يرقى الى الصف الاول في شعرية النثر وفنيته العالية المتألقة تجعل من كل نص او زاوية حقلا من المعاني المتجددة ولن نذهب بعيدا ابدا فلربما كان الاحساس بالزمن بالموت بالفجيعة، بالقادم خير دليل على ان نذهب اليه، في زاويته التي توقفنا عند عنوانها كل اربعاء لنا ان نستعيد زاوية افتتح بها عامنا هذا 2014 ونشرت بتاريخ 112014 م، من اجواء واصداء الزمن الذي ينسكب عابرا وراحلا نقتطف بعضا مما جاء فيها وكأنها تحمل ما لم يكن في مفردات الروح.
احتفالية مؤجلة
تحت هذا العنوان كتب قائلا:
كنا نستقبل محطات فاصلة في الزمن ونودعها، بما يليق بالبشر من الاحتفاء بالحياة والحرص عليها وإغنائها بطاقاتنا الإنسانية الكامنة فينا، وكانت ليلة كليلة رأس السنة تحرضنا على الفرح والتأمل وتجديد شهيتنا للبناء على تقويم سنوي جديد نغمره بالحب والألفة، ونضيف إليه فصولا جديدة من رواية عمرنا المفتوح على مصادفات الزمن المخبأة في دفاتر الأيام، لكن فسحة الأمل كانت أوسع في وعينا، ومروحة الأحلام ترفرف في خيالنا كأجنحة العصافير، كنا في طفولتنا وصبانا وشبابنا وكهولتنا، نملأ وعاء الزمن والواقع بالخيال، الطفولة واشراقاتها العفوية البريئة، والصبا واندفاعه الجامح باتجاه مكتشفات العقل على دروب الحياة، وجنون العاطفة قبل اختبار لغاتها الإنسانية، والشباب وبدايات التوازن لإنجاز معادلات المستقبل المقترحة على ثقافتنا وطموحنا، والكهولة وما نستشعره من غنى دواخلنا وقدرتنا على تعميم الحكمة على خطابنا الإنساني الشامل!
هكذا عبر بنا الزمن، وهكذا عبرنا فيه، على مدى سبعة عقود ظللها سلامنا وألفتنا وعيشنا الواحد الذي كنا نظن أنه غير قابل للاهتزاز، كنا سوريين وعرباً بامتياز نحمل على جباهنا علامات مجد قديم، ونختزن في ذاكرتنا سير الآباء والأجداد الذين انبتوا بدمائهم في ترابنا شجر الحرية الأخضر، الذي تعرفنا في ظلاله على طبيعة علاقتنا بالزمن والحياة، ونسجنا من خيوط هذه العلاقة صورة واقعنا المتآخي والمتفاعل على الدوام لتطويع الصعاب والوصول بنا إلى الشواطئ الآمنة، لم نكن ندرك أو نقبل أن نصدق أن عللنا ظلت صامتة فينا طوال هذا الوقت، كنا نرقب بإشفاق تلك الشعوب والأمم التي سقطت في بحر الأزمات، ودفعت فيها ضرائب غالية بسبب علل كامنة في تكوينها وتشكيلها الاجتماعي، لكننا لم نكن لنلتفت ببصيرتنا إلى شروخ مموهة في نسيجنا الاجتماعي، قد نسقط معها ذات يوم في بحر الأزمة، كنا نعتقد بنية حسنة أن عافيتنا مكتملة، وأن نعمة الاستقرار التي نتلذذ بطعمها، لا تخفي تحت قشرتها أي نوع من الأسئلة، فالبحيرات الراكدة لا يعكر هدوء سطحها حتى حبات المطر، دون أن يقيها ذلك من النضوب في زمن الجفاف الطويل!
ها نحن نودع محطة في الزمن، ونحن في بحر الأزمة أو وسط مخاطر الحرب، أو في قبضة المحنة العارية، نستذكر زمننا القديم وكأننا كبرنا مئة عام، فلا شيء اليوم فينا يشبهنا بالأمس، وجوهنا تبدلت، ولغتنا اختصرت الكثير من مفرداتها، وأيامنا تغلي في مرجل الصراع الدموي فتلتهب بها قلوبنا، لكننا اليوم صرنا أكثر جدية في طرح الأسئلة، وأكثر حرصاً على الإجابات الشافية لأن مصيرنا ووجودنا باتا على المحك.
مفردات الروح
مما لاشك فيه ان هذه المجموعة واظنها الاخيرة للشاعر كانت علامة فارقة فيما صدر من مجموعات شعرية من حيث الحنين والامل وعبق الذكريات المعتقة من حيث الرؤى الغافية والمتفجرة في كل حرف يقول:
مرجانُ تيهي في رِحابِ الارضِِ
لم نَكْسُرْ زجاجَ الروحِ
انتِ الانَ في سَفَرٍ
و قلبي في زَحامِ الريحِ
ما بدَّلتُ من دمهِ
سَلِيني عن دروبِ العاشقينَ
شَهِدتُ مَن وصَلوا الى عَدْنٍ
و مَن ضلُّوا و تاهوا.
مِن رؤيايَ يندى الصبحُ في عينيكِ
مِن رؤيايَ يندى من لماكِ الخمرُ
أقداحاً مِنَ الياقوتِ
هاتي ساعدَيكِ على مُتُونِ الموجِ
كي يرتدَّ لي قلبي
يرحل الشاعر ولم تمتد يدان من حلم اليه، لم ير الا غماما اسود يحدق بنا من كل حدب وصوب، لكنه كان يرى الفجر الانقى قادما يحمل معه امانينا العذاب ولو رسمت بدماء الاف الاف من يصنعون مجدا
Views: 3