قنبلة اعلامية تستهدف التغطية على هزيمة اليمن. فقاعة جديدة الغاية منها إبقاء السعودية «دولة محورية». إطار جديد بديل عن «تحالف الحزم» الذي يراد طي صفحته على وجه السرعة.
قضية جديدة تشغل الداخل السعودي وترفع مكافحة الإرهاب شعاراً، في محاولة جديدة للتسويق لمحمد بن سلمان ملكاً مقبلاً بعد سحب هذا الملف الذي بنى عليه محمد بن نايف كل مجده لدى الولايات المتحدة
فؤاد ابراهيم – الاخبار| وفق قوانين الحرب، كان المفترض ظهور وزير الدفاع وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر صحافي وتلاوة بيان الإنتصار في عدوان دولته على اليمن، ولكن ما حصل كان مفاجئاً، فقد تأجّل إعلان وقف إطلاق النار في اليمن إثنتي عشرة ساعة للإفساح في المجال أمام طبخة جديدة جرى إعدادها وتقديمها والناس نيام. فقد بات من خصوصيات عهد الملك سلمان «تهريب» القرارات المصيرية في الساعات الأولى من الفجر..
وعلى غرار تحالف العدوان على اليمن، أُنشئ التحالف العسكري الإسلامي بسرعة قياسية، لا تتجاوز بحسب الأمير MBS، كما بات يعرّف في الاعلام الغربي، 72 ساعة، وضمّ 34 دولة، وأغلبها لم يتم إبلاغه إلا بعد الاعلان عن التحالف.
الإعلان عن التحالف يثير أسئلة حول التوقيت، والشكل، والوظيفة، والأهداف. في التوقيت، يأتي الإعلان عن التحالف عشية وقف إطلاق النار في اليمن، بما يجعل ربطه بالمسألة اليمنية حميمياً، إذ لم يكن سوى امتداد لمرحلة ما بعد العدوان، واحتواء لتداعياته على الداخل السعودي بدرجة أساسية.
في التوقيت أيضاً، يأتي التحالف الجديد بديلاً عن إعلان نتائج العدوان السعودي على اليمن. وعليه، يسعى التحالف إلى إجهاض الأسئلة الكامنة والمرشحة للإنفجار بعد فشل العدوان، وليصنع عنوان مشاغلة جديدا يلهي به الرأي العام الداخلي عن المساءلة والمحاسبة ولو في الفضاء الحر، وعلى وجه الخصوص على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الشكل، التحالف ليس أكثر من «الإعلان» عنه، وتكفي فيه المدّة القياسية التي أنجز فيها. بكلمات أخرى، إن أول ما يفتقر إليه التحالف هو الجديّة، قبل أي كلام عن الرؤية الاستراتيجية، والأهداف البعيدة. ثُغر التحالف كثيرة وواسعة، في الشكل والمضمون معاً. إعلان لبنان عدم علمه بالتحالف العسكري الاسلامي يفتح نافذة كبرى على بقية أسماء الدول التي ربما سمعت عن انضمامها في التحالف عن طريق الفضائيات السعودية الرسمية، تماماً كما كان حال التحالف العشري الذي قادته السعودية في عدوانها على اليمن، إذ أبلغت بعض الدول قبل ست ساعات من انطلاق الحملة الجوية، بل إن سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي السابق، لم يكن نفسه على علم بقرار الحرب قبل وقوعها.
لا ريب أن هزيمة السعودية في اليمن لها تداعيات إقليمية كبيرة، فهي لا تزال تصرّ على موقعها كدولة محورية، وان التحالف الجديد يمثل محاولة جديدة لإعادة انتاج السعودية ـ المحور. وسوف تبدأ القيادة السعودية، ولا سيما محمد بن سلمان بحملة علاقات عامة داخل الإقليم للترويج لمشروعه الجديد.
لا بد من لفت الانتباه الى محاولة السعودية الالتفاف على إخفاقها في إقناع حلفائها الغربيين في احتضان المركز الدولي لمكافحة الارهاب رغم استعدادها لتمويله، وقد خصّصت ميزانية سخيّة له. فقد تقدّمت الرياض بمقترح المركز في مناسبتين كانت فيهما هدفاً لحملة دولية غاضبة تصنّفها بكونها الدولة الراعية للإرهاب في العالم. المناسبة الأولى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حين توّج ولي العهد حينذاك الأمير عبد الله، الملك لاحقاً، حملة العلاقات العامة لتحسين صورة دولته في العالم بتنظيم مؤتمر لمكافحة الارهاب في الرياض في 5 شباط 2005، الذي دعا فيه لإقامة مركز لمكافحة الارهاب يكون مقرّه في الرياض، ولكن بعد استطلاع ميداني قام به فريق تابع للأمم المتحدة لمدينة الرياض وضواحيها، توصّل الى أن الأخيرة ليست المكان المناسب لمثل هذا المركز. ونقل مصدر مقرب من ابن الملك سلمان ورئيس هيئة الآثار حالياً، الأمير سلطان بن سلمان، أن تقرير الفريق تضمن نتائج صادمة خلاصتها أن ثمة بيئة حاضنة للإرهاب تحول دون نجاحه، فتأجّل بته الى عام 2011، حين أطلق مجدداً، وجرى اختيار المركز في مقر مجموعة العمل في الدائرة السياسية في الأمم المتحدة، على أن يرأسه سفير البعثة السعودية في الامم المتحدة عبد الله يحيى المعلمي، وأعلن الملك عبد الله حينذاك عن تبرّع شخصي بقيمة 100 مليون دولار.
التحالف هو إعلان غير مباشر عنالهزيمة في اليمن
على أي حال، لم يكتب للمركز النجاح وبقي مجرد مقترح لم يُترجَم على الأرض، ولكن عادت السعودية وأطلقت المقترح مجدّداً بعد هجمات باريس في 13 تشرين الثاني الماضي. ويعود السبب الحقيقي لإطلاق الدعوة تجدّد الحملة الدولية الغاضبة على ضلوع الأيديولوجيا الوهابية في التحريض على الارهاب، وسميت السعودية بالإسم بكونها دولة راعية للإرهاب ولابد من معاقبتها ومقاطعتها. كانت الرياض بحاجة الى ما يبقيها في خانة «الضحية»، ولا بد من إعادة إحياء مقترح المركز.
وخلال قمة العشرين في أنطاليا التركية في منتصف تشرين الثاني الماضي، أعاد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز طرح مقترح إنشاء مركز دولي لمكافحة الارهاب وتحت مظلة الأمم المتحدة كيما يحصل على موافقة الدول الكبرى، وأعلن سلمان عن تبرّع المملكة بمبلغ 110 ملايين دولار دعماً لتمويل المشروع.
وكما يبدو، فإن المقترح السعودي ولد ميّتاً كما سابقه، لقناعة حلفاء السعودية بأنها غير مؤهّلة للإضطلاع بدور من هذا القبيل، ولمعرفتهم بضلوعها في الارهاب، على الأقل من الناحية الإيديولوجية والمالية. وهذا ما يجعل التحالف الجديد بعنوانه المتجدّد، أي «الحرب على الارهاب» بمثابة تعويض ولآل سعود فيه مآرب أخرى.
في الأهداف، تعد السعودية المستفيد الأول وربما الوحيد من هذا التحالف، لأنها بحاجة الى «حماية معنوية» إزاء الهجمة التي تتعرض لها عالمياً منذ أن وصفت أول مرة بكونها «بؤرة الشر» بحسب تصريحات مسرّبة من جلسة مغلقة للبنتاغون في 6 آب 2002، فيما تصاعدت المطالبات بعد هجمات باريس في 13 تشرين الثاني الى كبح جماح السعودية، وتجريم الوهابية بكونها أيديولوجيا محرّضة على العنف.
بيد أن ثمة بعداً داخلياً لن يتسنى لمراقبين من الخارج فحصه بدقّة، بالنظر الى الرهان الكبير الذي وضعه الملك سلمان على حرب اليمن لناحية تسويق إبنه MBS كملك مقبل.
التحالف الجديد، هو دون ريب رهان جديد لابن سلمان، بعد فشل العدوان على اليمن. للتذكير فحسب، فإن ملف مكافحة الارهاب كان على مدى سنوات طويلة من اختصاصات وزارة الداخلية، ولطالما قدّم محمد بن نايف إنجازاته في مواجهة «القاعدة» عربوناً للأميركيين لدعم موقعه في معادلة العرش في المملكة. وعليه، فإن نقل ملف مكافحة الارهاب الى محمد بن سلمان يعني مصادرة لدور بن نايف، الذي يبدو أنه سوف يبقى شخصية معطّلة الى حين، ولا سيما بعدما أنيطت مهمات جديدة للولد المدلل، محمد بن سلمان، وآخرها إدارة المدن الاقتصادية.
في النتائج، سوف يحضر ملف التحالف العسكري الاسلامي بكثافة في الاعلام السعودي في المرحلة المقبلة، فيما يتوارى تدريجاً ملف تحالف «عاصفة الحزم» الذي يراد طي صفحته على وجه السرعة، بالرغم من الأعباء الثقيلة التي تركها العدوان على صورة المملكة، وهيبتها، واقتصادها، وأمنها، ومستقبلها.
المشاغلة الجديدة التي سوف يخلقها التحالف للداخل، يعزّز حالة القلق لدى النظام السعودي من المستقبل، ويسعى إلى تأجيل لحظات تفجّر أزمات الداخل: الاقتصادية، والأمنية، والسياسية. ما هو أشد خطورة، أن النظام السعودي قرّر أن يبقي حالة الحرب مفتوحة على الزمان والمكان، بما يجعل الداخل رهين تقلّبات ومفاجآت دائمة.
يمكن أن نخلص من قراءة التحالف الجديدة من زوايا متعدّدة الى أن السعودية باعتمادها سياسة الهروب الى الإمام باتت على استعداد للذهاب بعيداً في رهاناتها، بما يضمن مشاغلة الداخل، والالتفاف على الخارج، وتعزيز فرص وصول محمد بن سلمان الى العرش، وتصفية حسابات مع خصوم النظام في الداخل والخارج عبر استغلال شعار «الحرب على الإرهاب»، طالما هناك في الغرب من لا يزال يقايض دماء أبناء شعبه بالمال الأسود.
في الأخير، فإن التحالف هو إعلان غير مباشر عن الهزيمة في اليمن، فلو كان انتصاراً لأبقى المعتدون على تحالفهم القديم، وأكملوا ما روّجوا له في بداية العدوان بأن «عاصفة الحزم» ستمتد الى دمشق وبغداد وصولاً الى طهران.. الاستغاثات السعودية طيلة الشهور الثلاثة الماضية لوقف الحرب كانت كافية لوضع حد لهلوسات المراهقين السياسيين
Views: 1