قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة خاطفة إلى نيقوسيا، فيما تتحدث وسائل الإعلام عن اتفاق يتم التحضير له سرا لإنشاء قاعدة بحرية روسية ثانية في المتوسط. ونقلت صحيفة "إزفيستيا" الروسية عن ماريوس فوتيوم رئيس المركز الأرثوذكسي القبرصي لحقوق الإنسان قوله في وقت سابق إنه توجه شخصيا ولفيف من الناشطين في المركز الأرثوذوكسي إلى الرئيس القبرصي إيوانيس كاسوليديس بطلب إتاحة التصويت في الجزيرة على استقبال قبرص لقاعدة عسكرية روسية على أراضيها. ومنه، واستنادا إلى الأحداث الأخيرة في العالم والتوتر الذي يخيم على العلاقات بين موسكو وأنقرة، يرجح المراقبون أن يكون قرار إنشاء موسكو قاعدة بحرية في قبرص قد اتخذ، وأن الحاجز الأخير الذي كان يعوق التنفيذ أزيل بعد حادث إسقاط تركيا قاذفة "سو-24" الروسية مؤخرا. ومما يعزز هذه التكهنات، الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى نيقوسيا ولقاؤه الرئيس القبرصي كاسوليدس، والتكتم التام على مادة المباحثات وفحواها. وبالعودة إلى فبراير/شباط الماضي، فقد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مباحثات مع نظيره القبرصي عن شكره لنيقوسيا، وأشار إلى أنه لا توجد أي عوائق تحول دون التعاون بين البلدين على الصعيد العسكري، وأن خير دليل على ذلك إتاحة الجانب القبرصي الإمكانية لدخول السفن الحربية الروسية التي تكافح الإرهاب والقرصنة إلى موانئه. وأشار المراقبون حينها إلى تذبذب في موقف الرئيس القبرصي إزاء قرار استضافة بلاده قاعدة روسية، وأرجعوه إلى الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها نيقوسيا من الاتحاد الأوروبي الذي التحقت به قبل عشر سنوات، فضلا عن الوجود العسكري البريطاني على أراضيها، ناهيك عن العلاقات الجيدة التي كانت تربط بين موسكو وأنقرة في تلك الفترة، وعدم رغبة موسكو في إزعاج الأخيرة والإضرار بالعلاقات معها. استنادا إلى ذلك، فإن إقدام روسيا على نشر بحارتها وإنشاء قاعدة لها في قبرص ونصب الصواريخ لحمايتها جوا، يتسق بالكامل مع التطورات الأخيرة، وسيندرج في إطار الرد على حلف الأطلسي الذي أعلن اليوم إطلاق خطة انضمام جمهورية الجبل الأسود البلقانية إلى عضويته في إطار سياسة التوسع، الأمر الذي تعارضه موسكو بشدة، إذ سارع الكرملين إلى الإعلان أن روسيا سوف ترد على هذه الخطوة لا محالة. أهمية اقتناص روسيا التصويت في قبرص على استضافة قاعدتها البحرية، تكمن في أن الاستفتاء بدأ قبل حادث إسقاط أنقرة الطائرة الحربية الروسية، فضلا عن أنه يستفتي آراء القبارصة حول ما إذا كانوا يؤيدون وجودا عسكريا روسيا على أراضيهم لحمايتها من خطر "داعش" وسواه من التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة. تأييد القبارصة للقاعدة الروسية حسب مختلف استطلاعات الرأي، لا سيما وأن أصابع الاتهام تشير إلى رابط وثيق بين أنقرة وهذه العناصر، والاتهامات التي تشير إلى توظيفها الإسلاميين والمسلحين لتحقيق مشاريعها الجيوسياسية، تأييد مفهوم ومبرر، فقبرص منقسمة إلى شطرين تركي بأغلبية مسلمة، ويوناني بأغلبية مسيحية أرثوذوكسية. وفي خضم الانقسامات التي يشهدها العالم وحالات الشقاق التي تحاول مختلف التحالفات تعميقها خدمة لمصالحها، تأتي مسألة دعم القبارصة المسيحيين الأرثوذوكس في الجزيرة بالنسبة لروسيا مسوغا إضافيا لمواجهة المد التركي، إذ طالما تركز أنقرة على تقديم نفسها شفيعا للمسلمين، فضلا عن الصلة الإثنية التي تربطها بالقبارصة الأتراك من سكان الجزيرة. وبين الأدلة التي تعزز احتمال نشر قوات روسية في قبرص، أن نيقوسيا ليست عضوا في الناتو، الأمر الذي يتيح لروسيا استغلال ذلك، وإنشاء قاعدة لها هناك في إطار تحقيق غاية مستترة تتمثل في حماية مكامن الغاز الطبيعي جنوب قبرص، وتوسيع الحضور الروسي في شرق المتوسط وتقديم غطاء منيع لنشاط شركات النفط والغاز الروسية في المنطقة. وعليه ومما تقدم، فإلى أين ستستمر موسكو في خطواتها الجوابية في التعامل مع أنقرة، وفي رد الصاع صاعين على خلفية حادث إسقاط الأخيرة طائرة حربية روسية، وهل درست الإدارة التركية العواقب قبل إقدامها على استهداف الطائرة وخططت لذلك كما تؤكد موسكو؟ وهل ستتحول قبرص إلى مركز دفاع متقدم تزرعه موسكو في شرق المتوسط شوكة قاسية في حلق الأتراك والناتو وانتقاما من الأطلسي على سياسة التوسع التي لم يقلع عنها شرقا؟ صفوان أبو حلا
Views: 1