سليمان جمعة-لبنان
لم تعد مسألة الحداثة تقتصر على كونها قضية،انها تتجاوز لتصبح اشكالية على مستوى الرؤية والابداع والتلقي؛كذلك على مستوى الاستجابة رفضا او قبولا.ذلك ان الحداثة كمفهوم قد انفصلت تماما عن مفهوم التجديد او المغاصرة.الجميع يرضون بالتجديد ويقبلون المعاصرة لكنهن يختلفون حول الحداثة؛من هنا تتميز وان لم تتحدد.فهي فوق الآنية ،وهذا يطلقهامن حدود الوقت الذي هو جزئي ومرحلي ويجعلها زمنيةاي كلية وشمولية…فيتساوى فيها الماضي والمستقبل.فانتقال المفهوم من كونه رؤية ذاتية ..اجتهادية في الغالب الى كونه مصطلحاً،من شروطه ان يكون مقبولا من كل المشتغلين في الحقل المعرفي الذي ينتمي اليه المصطلح ،فهو يتعدد بتعدد المتحاورين فيه .فهو موقف للفرد المتحدث اكتر منه تصورا معرفيا….
البعض يضع الحداثة كرديف للتغريب او اللاعروبة اي هي انقلاب في المضامين وتمرد في الموضوع..ويراها البعض الآخر مرادفا اصطلاحيا للابداع وتحول في الشكل وفي الاداء..لذا فالحداثة اشكالية فكرية لانها لم تستقل بعد عن هيمنة الفرد ،فما زلنا نقول حداثة فلان او حداتة الخمسينيات …الخ.نربطها بالوقت بينما هي مستقلة عنه ونربطها بالفرد بينما هي من المفروض ان تكون مفهوما جماعيا او زمانيا …
ولما لم يتحقق هذا المستوى الادراكيلمفهوم الحداثة اصبحنا في مواجهة معها …
الجميع يسعون الي تحديد موقفهم من ثنائية الموروث والعصر ..قبل ان يطرحوا تعريفهم الخاص للحداتة مما يعني وجود علاقة عضوية بين الموروث بمرجعياته المختلفة والمتناقضة احيانا وبين العصر …فيقوم متحدث بعملية انتقاء بما يتوافق وتطلعاته ويبتسر بعض ما يوافقه من العصر مما يتوافق معه كذلك ويقوم بالمزج بين هذه العناصر فيقع تصادم هذا الاجتهاد مع المتلقي الذي ربما نهل من موروت يختلف او يتناقض معه .. من هنا ينشأ الاختلاف …هذا يعني اننا لن نصل الى اتفاق حول مفهوم الحداتة ما دمنا ندور حول مصادر مختلفة الا اذا سعينا الى تصفية الخلاف في هذه المصادر…
-نجمع علي مشروعية الاخذ من الموروث بل على ضرورة الأخذ …لان الموروث قوة لاشعورية مثلما هو قوة شعورية ؛فان رفضنا الشعوري يبقى اللاشعوري مغروسا في داخلنا .–ان في الموروت سمات جوهرية هي له بمتابة الروح للجسد .متلا القيم الدلالية والفنية في الشعر الجاهلي لو سلبت منه لضاعت هويته…
—اذا كانت الفصحى سمة تابتة،فان بجانبها صفات متحولة وقتية متلا نظام السجع وهو نظام ايقاعي ساد لفترة ثم عاد وثم توارى… حدث دلك دون المساس بالجوهر من نظم نحوية وصرفية وصوتية ..فبقيت الفصحى لغة النشر من الجاهلي الى اليوم .
الحداتة معادلة ابداعية بين الثابت والمتغيير ..بين الزماني والوقتي فهي تسعى دائما الى صقل الموروث لتفرز الجوهري منه فترفعه الى الزماني بعد ان تزيح كل ما هو وقتي لانه متغيير ومرحلي وهو ضرورة ظرفية يزول بزوال ظرفها…وهذا ما يسهم في تطور الموروت ولا يكبله .ويكبلنا …وفي مقابل هذا الوقتي المزاح تأتي الحداتةلتقدم مرحليا معطيات تتفق مع علاقة المرحلة بالجوهري…فالحداثة اذا روية واعية لإقامة علاقات دائمة التجدد بين الظرف الانساني وبين الجوهري الموروث .وذلك من اجل استمرار العلاقة الابداعية للانسان مع لغته التي سيكون صانعا لها من خلال ما يضيفه اليها بديلا عن المتغيرات المنقرضة .كما ان اللغة صانعة له من خلال هيمنتها عليه بواسطة التوابت الجوهرية …فالقصيدة الحديتة تحمل صفات ثابتة هي اللغة ولكنها تخلت عن بعض المتغيرات واحلت بدلا عنها مبتكرات ابداعية غير اصطلاحية متل نظام الايقاع بدءا بالتفعيلة المرسلة الى الايقاع المنساب في قصيدة النثر ..
من هنا تتميز الحداثة عن المعاصرة والتجديد..لان ما هو جديد اليوم سيكون قديما غدا .. ولكن الحداثة لا تقدُم …
الحداتة حينئذ هي الفعل الواعي أخذا بالجوهري الثابت وتبديلا للمتغير المتحول ..انها صلة استكشاف ابدية في ابرز اغوار الحقائق الانسانية ..أقصد اللغة .وذلك من اجل كشف الحقائق العظمى لتصبح ثوابت وثم السعي الى تأسيس العلاقة معها على أصول متفاعلة مع طوح الانسان وهمومه المتجددة والتي تتحقق دائما في اللغة ومن خلالها وبواسطتها.وكما يصدق هذا على اللغة ابداعا فانه يصدق على فلسفة علاقتنا بالموروث والعصر ..
سليمان جمعة …مداخلة في منتدى الربيع الادبي .
Views: 0