صوتها أيقونة سحر.. ألحان أغانيها معلقات جمال ترفع منسوب حب الطبيعة والضيعة في القلب، أما حين تستفيض مشاعرك انسجاماً مع أغانيها الحسان التي تستوقفك طويلاً لأنها من دون تملق ولازيف، فيها لغز يطرب السامعين ويدخلهم في متعة النشوى سكارى وليسوا بسكارى.. في وقت تستولي الحيرة فيه على خبراء النظم وأهل الشعر من إبداعها وروعتها وتجاوزها البلاغة المألوفة والمنكهات المعروفة..
لقد سقطوا لا إرادياً في الدهشة مع فيض الانبهار بشلالات أغانيها الرخيمة الأنيقة.. ووهج حضورها الكبير، مع الاستغراق التام معها حتى نسيان ملايين المستمعين لما حولهم ذهولاً مع توليفة أغانيها الخارقات لملاحم الغناء العربي والغربي معاً…
من هنا كان للبعض أسئلة عن كاتب أغانيها العظيمة وعن ملحن موسيقاها التي تفوق سيمفونيات بيتهوفن وموسيقا موزارت وباخ..
لكن في المقابل الجميع يعرف أن الرحابنة هم من صنعوا أكاديمية فن لبناني تجاوزوا فيها كل مفاصل الألحان المألوفة وقفزوا بمهارة الفرسان فوق منصات الطرب الأصيل.. وكلنا يعرف أن المطربة العملاقة فيروز، سفيرة الحب وأسطورة الطرب الهانئ الذي يبهرنا بسلاسة ورقة، مازالت رفيقة قهوتنا في الصباح وفي العصر وعند استقبال الضيوف، ومشروب روّاد المقاهي من الجيل الشاب الجديد..
وفي المجمل، إن فيروز ظاهرة لا تتكرر، فهي لا تلجأ إلى المقابلات والإعلان عن نفسها.. إنها طفرة نادرة ومطربة ساحرة الصوت، بهية الحضور، شديدة التأثير..
لكن ما أدهش الكثير تلك الكلمات التي تخرج من حنجرتها برّاقة كالذهب.. شهية هنية قريبة من الأذن والقلب لتحدث زوابع من طرب عاصف يخطف ألباب السامعين.. لذلك راحوا يبحثون عن كتاب أغانيها، وقد غنت للشاعر سعيد عقل وجبران خليل وللأخوين رحباني..
لكن في بحثي عن كاتب أغنيتها الرقيقة حتى التماهي مع لحظات الوجد والهيام وهي أغنية (لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب.. فرحت أحضنها بالخافق التعب.. أيد تلوح من غيب وتغمرني بالدفء بالضوء بالأقمار بالشهب..
ما للعصافير تدنو ثم تسألني.. أهملت شعرك راحت عقدة القصب
وصولاً إلى:
حيرى أنا يا أنا أنهد متعبة.. خلف الستائر في إعياء مرتقب)..
والحقيقة أنني وجدت نفسي قد ضللت السبيل إلى معرفة من كاتب هذه الأغنية.. فهناك مجموعة من المثقّفين (محاميين) ترى أن هذه الأغنية كتبها شاب لبناني صغير صاحب دين باعها للرحبانة بـ25ل.ل وطلب إليهم عدم ذكر اسمه مع قصيدة أخرى ليبقى هو في الظل حتى مات..
من هنا كرجت حكاية اللّبْس حول مؤلفي بعض أغانيها، فراح البعض إلى القول أنها مقتبسة من الكتاب المقدس، العهد القديم، المزامير.. وأن أغنية (أنا لحبيي وحبيبي إلي) مستوحاة من موزارت.. والبعض يربط أغانيها بالموشحات الأندلسية..
ليبقى القول: إن الرحابنة لهم كل الفضل والخلق الإبداعي العظيم في صياغة تاريخ فيروز ومشوارها الغنائي الراقي الأنيق، فقد قدموا للذائقة العربية فناً يفوق الفن شعراً ولحناً وصوتاً.
Views: 1