1
حين أعود إليكِ وقد لا أعود لا أريد منكِ عناقاً ولا قبلة فقط حدثيني عن السنوات الغابرة مَن لوّث جسدكِ بالقبلات المبتذلة مَن باسم نكاح فاسد أنجّب منكِ طفلة ؟ أحقاً تُشبهكِ هل عيناها مثلك تضحكان كلؤلوة تبكيان كبنفسجة هل تحمل نفس الشامة على خدّكِ مَن مثلي الآن يُقبّل تلك الشامة فيُشعل منها الفجر ويطفئه ؟ مَن مثلي كان يلف الشمس على إصبعكِ كخاتمٍ مرصع بنظرتك الفاتنة مَن مثلي يعبيء ضحكاتكِ الدافئة في معطفهِ ويمضي يوزعها على الفقراء في الليالي الباردة الجامدة أحقاً تشبهكِ ؟ ما أقسى الماضي حين نراه في أعين طفلة
2
الوجع هو أن ألتقيكِ بعد أحد عشر عام على سُلم باص أهبط ، وأنتِ تصعدين تتصافح أنفاسنا والنظرات تتعانق ملامحنا في اللحظات الآخيرة أقول أحبكِ .. فيتجمد في حنجرتي الكلام أحبكِ وتدفعني أياد المسافرين أحبكِ ويُغلق باب الباص أحبكِ فيا أيها السائق الطيب القلب لا تتحرك رجاء فقلبي تحت العجلات أحبكِ ويدي حمامة مذبوحة تنزف على زجاج الباب أحبك وتخذلني نظرات الركاب من النوافذ وصارت أبواق المركبات المغادرة صخور لم تزل تطحن داخلي العظام
3
تعالي نتحدث عن الماضي كعجوزين في دار للمسنين ومن ثم نبتسم أحدثكِ عن الأقمار التي كانت تتدحرج من وجنتيك وانت تفتحين نافذتك في المساء عن ابتسامتكِ التي كانت تفتح ثقباً في السماء تصعد منه صرخات فقراء المدينة عن الأطفال في السوق حين أفلتوا يد أمهاتهم وتشبثوا بيدك،وكأنك بابا نويل أحدثكِ عن أحذيتك , جواربك البيضاء , بكلة شعرك , فساتينك القصيرة , معجزاتك البريئة يا صغيرة ,
أحدثكِ ، بينما أنت تفركين تجاعيد كفيك بأناملكِ وتكمم مآقيك دموعك الساخنة فأهمس لكِ ممسكاً يدكِ ما هذه التجاعيد الا ورودٌ حزينة وإنّ تغيّرات العمر على وجهكِ ماهي الا قداسة جليلة وإنّ قلبينا مازالا أخضرين رغم أحزاننا العديدة
تعالي نكذب كثيرا وأقول لك من جديد ، سأبني لك قصرا يليق بأميرة وتقولين أحلم فيه بطفلة منك جميلة , تعالي الآن نبكي كعاشقين لن يلتقيا أبدا بالسحر أو بالحيلة
4
أنا دنسُ المسافةِ بين عاشقين يهترئان شوقاً , أنا الّلصُ الّذي يسرقُ أحلامَ الفقراء ليخرجوا ولو مرّة عن صمتِهم , أنا الغريبُ المضيّعُ في كلِّ وادٍ لا أمّ لي ولا أب لي من الزّوجاتِ أربعُ ومليون عاشقة , انا الموجوعُ بشعرِ أمل دنقل فقلتُ " لا " لكلِّ شيء لا : للمرأةِ الّتي أحبُّها , لا : للطّبيبِ الّذي قالَ بحزمٍ ستقتلُك سيجارتُك , لا : للوطن حين قالَ ينبغي أن تعود , لا : لمديري وهو يلوّحُ لي بالإستقالة , لا : للأحبّةِ وهم ينزلقونَ من يدي الى المقابر , أنا حبرُ رسالةِ حبٍّ لزوجةِ عاملِ نظافةٍ بنجلاديشيّ يعملُ في شوارعِ الخليجِ اليابسة لأنّه لا يملكُ ثمنَ المكالمة , أنا الرّصاصةُ الّتي انطلقتْ ولم تقتلْ أحداً , أنا المسمارُ الّذي يحفرُ به السّجين قبواً في الأرضِ ليهربَ منه ويحضرَ فرحَ ابنتِه , أنا الدّمعةُ الهاربة من عينِ عاشقٍ يحضرُ زفافَ حبيبتِه , أنا لاشيءَ .. لا شيءَ تماماً
5
مَن قال لكَ أنّي حزينٌ سيّدي كلُّ ما في الأمرِ أنّي كلّما نمتُ يأتيني أطفالٌ ذو ملامح عربيّةٍ لا سنيّة ولا شيعيّة ويطعنوني بالبكاء , من قال لك أنّي أحبُّ هذه البلاد فقط كلّما رسمتُ في دفتر طفلتي شجرةً خضراء منعت السلطات عنّا الماء فأضحت يابسةً صفراء والعصافيرُ المتساقطةُ منها تصدحُ بلادي بلادي ، من قال لك أنّي وحيدٌ أنا عربيٌّ يا سيّدي حقاً أُقتلُ وحيداً في كلِّ مكانٍ ولكن ,, ألا يكفيكَ أن يُشيّعني عبرَ التّلفازِ الملايينُ من المشاهدين الأموات ويسكبونَ فوق جثّتي العبراتِ ويمنحونَ أمّي بعضَ الدولاراتِ