يطل جبل قاسيون على مدينة دمشق محتضنا المدينة مسبغا حمايته ويبادل سكان المدينة الجبل الحب والحنان فهو عنوان مدينتهم يتغنون بجماله ومنعته وينسجون حوله القصص والأساطير ويزورونه في المساء ليطلوا منه على منظر لا أجمل ولا أروع لدمشق حيث تبدو المدينة بكامل زينتها. ويعتبر الجبل مقصدا لعشاق السهر والهروب من قيظ الحر في فصل الصيف لذلك أقيمت على ذروته الاستراحات والمصاطب ليتمكن الزائر من رؤية دمشق عبر قاسيون بمشاهد بانورامية البلاد التقت مع عدد من رواد جبل قاسيون ليحدثونا عن هذه المحطة الدمشقية الهامة هشام من عائلة دمشقية . قال كنا كل أسبوع نأتي لقاسيون و يحلو لنا السهر على .
منحدرات قاسيون ونخرج في المساء حاملين معنا الطعام وعدة السيران من نرجيلة وطاولة زهر وإبريق الشاي لنجلس على حافة الجبل في مواجهة المدينة مستمتعين بالهواء العليل والمنظر البديع لأنوار المدينة. كما يشتد الزحام على الطرف المواجه للجبل حيث تكثر أكشاك بيع الفول وعرانيس الذرة المشوية والفستق الحلبي ليتحول الجبل إلى منتزه شعبي لا نغادره إلا في وقت متأخر من الليل أما أبو سمير جار لقاسيون يبلغ من العمر 80 عاما يقطن في منطقة الصالحية وهو مختار فيها يقول. كانت دمشق توسعت في العقود الثلاثة الأخيرة وامتد العمار إلى سفوح الجبل لتتصل المدينة مع قرية الصالحية والمهاجرين وأصبحت البيوت تبدو كأنها معلقة فوق بعضها البعض حتى لتكاد تبلغ قمته. ويذكر المؤرخون الأوائل أن أهل دمشق سكنوا هذا الجبل قبل أن يسكنوا دمشق وهاهم اليوم يرجعون إليه بعد مرور قرون طويلة وتعود تسمية حي المهاجرين بهذا الأسم إلى أيام العثمانيين عندما أنزلت السلطة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر في سفح جبل قاسيون في الطرف الغربي منه النازحين من مسلمي كريت ممن هاجروا من الأراضي التي باتت خاضعة للسيادة اليونانية. جبل قاسيون بما فيه الربوة والصالحية كان مصيفا للملوك والأمراء بنوا فيه قصورهم وملاعبهم وسكنه خلفاء بني أمية وبني العباس بعدهم وعلى قمته بنى الخليفة المأمون مرصده الفلكي الشهير لرصد الكواكب والنجوم وفي نهاية حي المهاجرين وفي الطريق القديم الذي كان يصل دمشق ببيروت بنى الأمير سيار الشجاعي قبة السيار التي لاتزال قائمة حتى اليوم.
ولايزال قاسيون يحتفظ بمكانة مقدسة عند أهل دمشق لما فيه من الأماكن المقدسة والأثرية إذ تذكر الأساطير أنه في سفح الجبل سكن أبو البشر آدم عليه السلام ويعتقد أنها قرب التربة البدرية وفي أعلاه قتل أخاه هابيل وتقول الأسطورة أن قابيل قتل هابيل فبكى الجبل لهذه الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر وفتح فاه يريد أن يبتلع القاتل .
وفي الزاوية الشرقية الشمالية للجبل بارتفاع نحو متر فتحة تمثل فما كبيرا يظهر في اللسان والأضراس والأسنان بتفاصيل متقنة وأمامها على الأرض صخرة عليها خط أحمر يمثل لون الدم وفي سقف المغارة شق صغير ينقط منه الماء ويحوي الجبل الكثير من المغائر منها الطبيعي ومنها ما شقه الإنسان مثل مغارة الجوعية التي يعود سبب تسميتها إلى أربعين نبيا اختبئوا فيها خوفا من الكفار ولم يكن معهم إلا رغيف واحد فلم يزل كل واحد منهم يؤثر رفيقه على نفسه حتى ماتوا جميعا من الجوع.
أما مغارة الأربعين فقد سميت بالأربعين لأن فوقها مسجدا فيه أربعون محرابا وهي تقوم في محل مرتفع حتى يكاد الإنسان بلغ قمة الجبل….
مراسل البلاد-عبد الرحمن جاويش
Views: 11