خاص – فاطمة عمراني
مع إشراقة شمس اليوم الأول من عيد الفطر في كل عام، اعتاد الطفل أحمد، ذو الـ ” 8 سنوات”، بعد أن يرتدي ملابس العيد، أن يترقب استيقاظ والده ليستلم “العيدية” منه، ويذهب مُسرعاً ليصرفها على ألعاب الأطفال.
وبالرغم من انتظاره زيارات بعض أقاربه التي غالباً ما تتكلل بعيديات بسيطة، لم يفلح أحمد هذا العام بجمع أكثر من ألفي ليرة كعيدية، ويبدو أن المبلغ لن يزيد عن ذلك في الأيام القليلة المقبلة.
والده موظف بسيط، جده استشهد بقذيفة صاروخية، أما أقاربه فقد فرقتهم الحرب وأبعدتهم واحداً تلو الآخر، كما أن نزوحه إلى محافظة أخرى جعله يعيش وحيداً دون معارف أو جيران.
أما والد أحمد فيكتفي بـ “500 ليرة” كعيدية لكل طفل من أطفاله الثلاثة، بالرغم من ظروفه المعيشية الصعبة فقط ليرفع الإحراج عنه، فالعيديّة أصبحت الآن حملاً ثقيلاً على كاهل السوريين، يشاركها بذلك مصروف وضيافة العيد، في حين أن “الجيبة” لم تشفى بعد من مصاريف شهر رمضان.
الأطفال الصغار غالباً لا يعرفون هل قيمة المبلغ المالي المتمثل في العيدية كبير أم صغير، ولكن كل ما يدور في ذهنهم كم الحلوى والألعاب التي سيشترونها بهذا المبلغ.
وتتفاوت قيمة العيدية من مواطن لآخر، وترتبط بعدة عوامل؛ منها عدد أفراد الأسرة الذين يتلقونها، لكنها إلى اليوم عرف يلتزم به السوريين الذين يرون أنه لا يشترط أن يكون قيمة العيدية كبيرة، ولكن فرحة العيد بالنسبة للطفل تتلخص بالعيدية.
يقول يامن (15 عاماً) لـ “داماس بوست”: “أنا سعيدٌ بالعيدية التي تلقيتها هذا العيد من أمي وأبي، هي فقط ألف ليرة اشتريت بنصفها والباقي خبأته”. وقارن يامن العيد بين عام 2013 والعام الحالي، واصفًا أعياده في عام 2013 بأنها أكثر بركةً، مضيفاً: “كنت أجمع عيدية (محرزة) وأحصل على الكثير من النقود، كنت أصرفها كلها في شراء الألعاب أو إمضاء الوقت في مدينة الملاهي”.
من جهتها قالت سمر (12 عامًا)، “كنا نجمع قبل الأزمة من 100 إلى 200 ليرة كانت العيدية يومها لها قيمة، بـ 50 ليرة سورية كنا نملأ كيسًا كبيرًا من البطاطا (شيبس) ومأكولات العيد، حاليًا 50 ليرة لا تشتري شيئًا”.
وتضيف متحسرة: ” تلقيت هذا العام مبلغ 2000 ليرة عيدية صرفتها على بعض الحلويات فقط”.
يحيى (14 عاماً)، فتى حلبي حصل على العيدية أيضاً، لكنه لم يصرفها بنفس الطريقة التقليدية التي يصرفها جميع الأطفال بل وفرها للمواصلات، “غلاء الأسعار، إيجار البيت ودفع الفواتير، الحياة أصبحت تقتصر على تأمين الأكل والشرب، كنا قبل الأزمة نعيش في بيتنا بريف حلب ونصرف كما نشاء، أما الآن بعد أن نزحنا إلى دمشق فيجب أن نقتصد”.
يذكر أن “العيدية” لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على النقود والهدايا التى كانت توزعها الدولة خلال موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف، وقد اختلفت الأسماء التي أطلقت عليها على مدار العصور.
وكانت قيمتها تختلف بحسب المكانة الاجتماعية، فالبعض كانت تقدم لهم العيدية على هيئة دنانير ذهبية، فيما كان البعض الآخر يحصلون على دنانير من الفضة، أما الأمراء وكبار رجال الدولة فكانت تقدم لهم العيدية على هيئة طبق مملوء بالدنانير الذهبية بالإضافة إلى الحلوى والمأكولات الفاخرة، كهدية من الحاكم.
في الوقت الحالي، تدهورت قيمة العيدية لأدنى المستويات، حيث شهد الاقتصاد السوري معدلات تضخم عالية خلال سنوات الحرب أثرت على كل مناحي الحياة، وبحسب أحدث تقارير المكتب المركزي للإحصاء لقياس التضخم على مستوى معيشة الأفراد والأسر، بلغت نسبة التضخم لشهر أيار في عام 2018 نحو 788.8 %، باعتبار أن سنة الأساس هي 2010 وتقاس عليها سلة المستهلك وفق بيانات المركزي للإحصاء.
لكن بالرغم من أن أطفال سوريا قد ألِفوا شكل الصواريخ ولون الدماء ورائحة الموت والدمار، فلا عيد مر أمامهم ولا هم يذكرون بقايا أعيادهم، إلا أن عيديتهم تبقى ببساطتها راسخةً في ثقافة السوريين وتقليد لا بد منه حتى في ظل أسوأ الظروف.
Views: 3