تعقد في منتصف الشهر الحالي قمة تجمع الرؤساء الروسي والإيراني والتركي، ويأتي انعقاد القمة في سياق مسار أستانة الذي يبحث عن خاتمة للحرب الإرهابية على سورية، خاتمة سياسية متمثلة بإطلاق عمل اللجنة الدستورية، وخاتمة عسكرية تقود إلى فرض الدولة السورية والجيش السوري سيطرته عل كلّ شبر من الأراضي السورية.
وتأتي هذه الجولة في ظلّ أوضاع تتميّز بسمتين رئيسيتين، الأولى فشل تركيا الواضح في عدم الوفاء بالتزاماتها لجهة تنفيذ اتفاق سوتشي، على الرغم من المهل المتناسلة التي منحتها روسيا لتركيا. لكن من خلال تصريحات كبار المسوؤلين الروس يتضح أنّ صبر روسيا بدأ ينفذ ليس فقط لأنّ أنقرة لم توف بالتزاماتها، بل أيضاً بسبب تصاعد الاعتداءات التي تشنّها الجماعات الإرهابية على مواقع الجيش السوري على خطوط التماس، وعلى الأحياء والبلدات الآمنة القريبة من خطوط التماس، وبسب عودة الهجمات عبر الطائرات من دون طيار التي تستهدف مطار حميميم، حيث القاعدة الجوية التي يشغلها سلاح الجو الروسي.
بديهي أن ليس بمقدور روسيا، مهما كانت خلفيات وجهات نظرها وتفهّمها لمواقف أنقرة، ومهما كان حجم المصالح التي تربطها بتركيا غضّ النظر عما يجري على خطوط التماس وعجز تركيا عن فرض ما وقعت عليه على الجماعات الإرهابية. يمكن لروسيا أن تمنح المزيد من المهل لأنقرة طالما أنّ لحظة انطلاق عملية عسكرية كبرى في إدلب لم تحن لاعتبارات أخرى مرتبطة بقضايا ليس لها علاقة بموقف تركيا وجدّيتها في تنفيذ اتفاق سوتشي، ولكن ما أن تدنو هذه اللحظة السياسية فإنّ الجيش السوري بدعم من القوة الجوفضائية الروسية لن يتردّد في إطلاق العملية العسكرية، أقله لفرض تنفيذ اتفاق سوتشي، وبكلّ تأكيد هذه اللحظة السياسية ليست مرتبطة بقمة أستانة المقبلة، وإنْ كانت هذه القمة فرصة لتذكير الرئيس التركي بعدم قدرته على الوفاء بما التزم به، حتى لا يلوم أحداً عندما يحين موعد العملية العسكرية الكبرى لتحرير إدلب.
السمة الثانية، القرار الأميركي بالانسحاب من سورية وما يترافق معه من صراع داخل الإدارة الأميركية بين فريقين، الفريق الأول، يصرّ على البقاء من أجل تحقيق أهداف سياسية في مقدّمتها تقديم الدعم للمطالب «الإسرائيلية» في سورية، ومن أبرز هذه المطالب «منع تمركز عسكري إيراني» في سورية حتى لو تطلب ذلك حرباً يجب أن تكون الولايات المتحدة طرفاً فيها لدعم الكيان الصهيوني لأنها حرب ستكون مختلفة عن كلّ حروب تل أبيب السابقة ضدّ العرب. وفريق أميركي آخر يريد الانسحاب من سورية لأنّ الانسحاب يخرج القوات الأميركية من دائرة الاستهداف من قبل سورية وحلفائها في حال نشوب حرب بين الكيان الصهيوني وسورية وحلفائها. الانقسام داخل الإدارة الأميركية يربك أيّ استراتيجية بديلة، ويفرض مرحلة من الترقب والانتظار. مرحلة ترقب تسعى تركيا لتوظيفها لتعزيز نفوذها في سورية ولا سيما في منطقة شرق الفرات، وتحضر جيشها للقيام بعملية عسكرية واسعة في هذه المنطقة. وتسعى سورية وحلفاؤها لأن تكون نقطة انطلاق في مسار يهدف إلى استعادة كلّ المناطق السورية الخارجة عن سلطة الدولة بكلفة أقلّ من إطلاق معركة عسكرية واسعة الآن قد تقود إلى تداعيات تخنق الكثير من التفاعلات التي تصبّ في مصلحة سورية وحلفائها.
في ضوء كلّ ذلك لا يتوقع أن يصدر عن قمة أستانة الجديدة مواقف نهائية إزاء سلوك تركيا في سورية، ولا سيما عدم وفائها بما التزمت به ووقعت عليه في اتفاق سوتشي.
البناء
Views: 3