الحرب كارثة أيّان حلّت، بكلّ وجوهها وأجيالها، وبمختلف أشكالها وتداعياتها، لكنّ الحروب التي تجتاح العالم اليوم هي أشدّ وطأة، ليس لأنها تُدار عن بُعد فحسب، وليس بسبب تعدد جبهاتها وخطورة أسلحتها العسكرية والإعلامية والنفسية، بل لأن المواجهة في هذه الحروب تكون بين مكوّنات داخلية، تسود فيها الانقسامات المختلفة، ويزداد الحقن العرقي والطائفي، وتتصاعد حدة الخطابات المطالبة بشعارات تكون في أغلبها ضائعة بين الحق والباطل، حروب تقوم على تدمير الدولة والعقل وضياع الهوية وهدم ثقافة وحضارة المجتمعات، لتعمّ العبثية والانفلات الأمني، وتسيطر الفوضى على المشهد كاملاً، إن لم تتحول إلى مواجهة مباشرة، لها تداعياتها ونتائجها الخطيرة.
الحروب الجديدة باتت اللعنة المقبلة التي تهدد أغلب الدول، والتي مهما اختلفت أسبابها البعيدة والقريبة، إلا أنها تكون أشد تصعيداً في الدول السيادية التي تمتلك قرارها وتسير وفق رؤيتها الذاتية دون أي تبعية، وما يجري في بوليفيا اليوم ليس بمعزل عن ذلك، فالتقلّب السياسي المفاجئ والخطير الذي شهدته البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، والتظاهرات التي عمت دون أسباب موجبة، وما رافقها من أعمال عنف وتدمير، لعبت فيها وسائل الإعلام التواصلية دور السلاح التحريضي والنفسي، كان كفيلاً بدفع الرئيس إيفو موراليس للاستقالة، يأتي ذلك في سياق الدور الأمريكي بتصفية كل الزعماء الرافضين للانصياع للسياسة الأمريكية، وهذا الانقلاب الذي خُطط له تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يلتقي مع غاياتها في السيطرة على البلاد وثرواتها ومقدّراتها، وفي ظل الحكومة الجديدة، التي اعترفت بها، تستطيع تحقيق ذلك، وهو الأمر الذي كان مستحيلاً في عهد الرئيس موراليس.
الوضع العربي ليس أفضل حالاً، ولا يُسمح له، فلطالما كانت هذه المنطقة مشتعلة بالحروب، بل أريد لها أن تكون كذلك، فما يجري اليوم في لبنان، رغم أنه بدا عفوياً في بدايته، إلا أنه بدأ يأخذ منحى آخر أشد خطورة، والمؤامرات التي تحاك لهذا البلد تحت مسمى الحراك المطلبي المحق باتت واضحة أكثر من كل المطالب ومن كل الحقوق، والأيادي الخفية التي تستغل هذا الحراك كشفت نفسها من خلال الخدمات التي تقدم في الاحتجاحات والتي تكلف ملايين الدولارات، وأياً كان من يقود هذا الحراك ويدعمه، الأحزاب السياسية أم السفارات، فإن لهذا الدعم ثمنه الذي لم يُدفع بعد.
أمّا العراق، فمازالت خلاياه المجهولة تدفع الشارع نحو العنف والتخريب، وتحرض المتظاهرين على استفزاز الأجهزة الأمنية، أو استدراجها إلى المواجهة المباشرة، وهذه الخلايا موجهة بشكل مباشر من السفارات الأمريكية والبريطانية والقنصلية السعودية.
العراق ولبنان ومصر وليبيا، السيناريو نفسه والفوضى المدمرة ذاتها، والمفارقة هنا أن الأنظمة السياسية المشهود لها بالتبعية هي في منأى عن هذه الحروب، رغم أنها أبعد ما تكون عن الديمقراطية والحرية، بل إنها موسومة بالاستبداد وكبت الحريات.
وفي عمق المشهد، ورغم كل التحديات، تصل سورية للصفحة الأخيرة من هذه الحرب التي تواطأت فيها أغلب دول العالم ضدها بالتسليح والتمويل والتجييش وفتح الحدود وإطالة الأمد، لتثبت أنها الرقم الصعب في معادلة الحروب الجديدة، في الوقت الذي يزداد التخوّف من امتداد نيران هذه الحروب لتجتاح العالم، وسط ضياع شبه تام للسلام وللحريات بمفهومها الحقيقي المشرق البعيد عن كل هذه العتمة.
هديل فيزو
Views: 1