لم يحمل كل من الموفدين الفرنسي والبريطاني مبادرة جاهزة لاخراج لبنان من أزمته المتفاقمة، لكنهما جاءا في مهمة استطلاعية لمعرفة ما يمكن ان تقدم او تساهم به كل من باريس ولندن في حل هذه الازمة.
ونقل الموفدان رسالة شفوية تعكس ايضاً الموقف الاوروبي بشكل عام وتعبّر عن رغبة متجددة بمساعدة لبنان في هذه الظروف الصعبة، مع التشديد بالدرجة الأولى على الاسراع بتشكيل حكومة جديدة لأنها تشكل الباب الضروري لوقف التدهور الحاصل.
وتقول مصادر مطلعة أن الموفدين الفرنسي والبريطاني شدّدا على أولوية انصراف الحكومة الجديدة الى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي باصلاحات جدّية تشمل مكافحة الفساد ووقف الهدر وتحسين اداء ادارات الدولة.
وتضيف المصادر بأن الموقف الاوروبي، أكان من خلال نتائج زيارة هذين الموفدين او من خلال ما نقله وينقله السفراء الاوروبيون الى المسؤولين اللبنانيين، يتميّز عن الموقف الاميركي بالشكل والمضمون لا سيما في موضوع الحكومة.
فالأوروبيون يبدون تفّهما للوضع والتوازنات السياسية في لبنان، وهم يحرصون على توافق اللبنانيين بكل فئاتهم ومكوّناتهم، وبالتالي لا يعارضون فكرة تشكيل حكومة «تكنوسياسية» تأخذ بعين الاعتبار الوضع الناشىء بعد 17 تشرين الاول. والوضع الاقتصادي والمالي، بمعنى ان تتشكل الحكومة من إختصاصيين مستقلين يمثلون الحراك الشعبي والكتل النيابية في اطار دستوري يأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظام البرلماني الديموقراطي والمعطيات المستجدة.
ووفقا للمصادر المطلعة فان الاوروبيين يبدون قلقاً شديداً من التطورات الاخيرة وذهاب لبنان الى انفجار كبير ما ينذر بانعكاسات قد تتجاوز حدوده، مشددين في هذا المجال على تفادي الانزلاق الى صدام في الشارع ما سيؤدي حتماً الى اغراق البلد في الفوضى.
وينصح الاوروبيون حسب المصادر، اللبنانيين بان يأخذوا على عاتقهم عملية تشكيل الحكومة اللبنانية وفق الصيغة التي تترجم تطلعات اللبنانيين كما عبروا عنها في حراكهم، وتعكس ايضا التوافق بين الاطراف السياسية الممثلة في مجلس النواب.
وعلى عكس ما تشتهي واشنطن وربما اطراف لبنانية جاء بيان مجلس الامن الدولي اول امس حول لبنان مشابها للموقف الاوروبي، فدعا الى الحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات اللبنانية. وطلب من «جميع الاطراف الفاعلة اجراء حوار وطني مكثف والحفاظ على الطابع السلمي للمظاهرات عن طريق تجنب العنف واحترام الحق في الاحتجاج من خلال التجمع بشكل سلمي».
واكد بيان مجلس الامن الذي اقر بالاجماع على «اهمية ان تشكل في وقت سريع حكومة جديدة قادرة على الاستجابة لتطلعات الشعب اللبناني واستعادة استقرار البلاد ضمن الاطار الستوري».
وترى المصادر ان هذه الفقرة المتعلقة بتشكيل الحكومة تدل على امرين اثنين: اولا ان تكون مستجيبة لتطلعات الشعب، وثانيا ان تكون ضمن الاطار الدستوري اي ان يؤخذ بعين الاعتبار انها بحاجة الى ان تنال ثقة مجلس النواب، وهذا يفترض حكما موافقة الاغلبية النيابية والكتل المشكلة منها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يشكل بيان مجلس الامن غطاء دولياً لولادة حكومة «تكنوسياسية» في وقت قريب؟
التطورات المتلاحقة في الثماني والاربعين ساعة الماضية تعزز الاعتقاد بان الوضع لم يعد يحتمل التأجيل والمماطلة خصوصاً بعد بيان الرئيس الحريري واعلانه التمسك بقاعدة «ليس انا، بل احد آخر».
وهذا يفترض ليس التسريع في عملية التكليف فحسب بل ايضا انجاز التأليف في اسرع وقت ممكن.
طبعا هذا الاعتقاد يبقى مرهونا بالتطورات في الساعات والايام القليلة المقبلة، وما ستحمله من تطورات اكان على المستوى السياسي ام على الارض.
وبرأي مراجع بارزة ان خروج الحكومة لا يعني ابدا المجيء بحكومة من طرف واحد، خصوصاً ان الاطراف الاخرى مصرة على المجيء بحكومة انقاذية تأخذ بعين الاعتبار توافق الجميع.
Views: 6