في 29 تشرين الثاني الماضي، خلص الاجتماع المالي في بعبدا الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، وضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، الى توصية برفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، في إجراء هدفه طمأنة صغار المودعين خصوصا في ظل الازمة التي تمر بها المصارف والتي استدعت اجراءات صارمة بثت الذعر في نفوس المودعين.
وعلى رغم تأكيد الاجتماع المذكور ان حسابات المودعين بخير ولن يمس بها، إلا ان لجنة المال والموازنة أقرت في اجتماعها أول من أمس رفع الضمان على الودائع من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، بما “يؤثّر ايجاباً على صغار المودعين ويحميهم” وفق ما قال رئيس اللجنة ابرهيم كنعان اثر الاجتماع، حيث تصبح الودائع لدى المصارف مضمونة بقيمة 75 مليون ليرة في حال الإفلاس، علما ان التجارب السابقة في تاريخ لبنان المصرفي أثبتت ان الودائع غير معرضة للخطر، بدليل أنه حصل أكثر من تعثر أو عمليات بيع اضطرارية للمصارف ولم يخسر أي مودع ولو قرشا واحدا من وديعته، إذ كان مصرف لبنان يتولى مهمة ضمان الانتقال السلس للودائع من بنك الى آخر مع حفظ حقوق المودعين بالكامل.
ويبدو واضحا أن الهدف غير المعلن من رفع سقف الضمان هو استعادة ثقة المودعين، وثنيهم عن التهافت على المصارف وطلب استرجاع ودائعهم (Bank run) مما قد يؤدي إلى تعثرها أو في أسوأ الحالات إفلاسها، خصوصا أن غالبية المودعين هم من الذين يعتمدون على مدخراتهم لجبه الأزمة. فالإحصاءات تبين أنّ 92% من المودعين في المصارف يملكون فقط 15% من مجمل الودائع، فيما تقدر المبالغ المودعة في حساباتهم دون مبلغ الـ100 ألف دولار.
ويشمل ضمان الودائع جميع الحسابات في المصارف اللبنانية بالعملة اللبنانية أو الأجنبية، في حين يغطي الضمان حاليا الودائع بالعملة اللبنانية وفوائدها حتى مبلغ 5 ملايين ليرة. أما الودائع بالعملات الأجنبية فهي مغطاة بما يعادل 5 ملايين ليرة بحسب سعر صرف العملة الأجنبية بتاريخ إعلان توقف المصرف عن الدفع أو قرار وضع اليد عليه. وهذا السقف هو نفسه مهما بلغت القيمة الاجمالية لمجموع الودائع لدى المصرف الواحد وفروعه. ويعتبر حسابا واحدا مجموع حسابات كل مودع في مصرف واحد أعلن توقفه عن الدفع أو وضعت اليد عليه، أيا كانت طبيعة الحساب فرديا كان أم مشتركا.
ينص القانون رقم 110 /1991 على أنّ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تضمن ودائع المصارف المتوقفة عن الدفع أو التي ستوضع اليد عليها، لغاية مبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية فقط أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، أما قانون إنشاء المؤسسة الوطنية لضمان الودائع فينص على انّ غاية المؤسسة “ان تضمن لدى المصارف العاملة في لبنان حسابات الودائع بالعملة اللبنانية مهما كان نوع هذه الودائع أو أجلها. وهي مؤسسة مختلطة تسهم فيها الدولة وجميع المصارف العاملة في لبنان، من خلال رسم تدفعه المصارف قيمته 0,5 الى 1,5 في الألف عن كل وديعة بالليرة اللبنانية، على ان تساهم الدولة بمبلغ يعادل مجموع مساهمات المصارف”.
ولرفع مبلغ التأمين من 5 ملايين الى 75 مليون ليرة، يتوجب على المصارف أن ترفع مساهمتها لمؤسسة ضمان الودائع من 0,5 بالالف عن كل وديعة الى 7.5 بالالف، علما أن مساهمة الدولة توازي اجمالي مساهمات المصارف، لكنها تتخلف كما الحال في مساهمتها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن الدفع منذ العام 2010، لذا يبقى الاتكال على المصارف في زيادة مساهمتها في المؤسسة، وهو امر مشكوك فيه في ظل الاعباء التي تتكبدها في هذه الفترة تحديدا، مع الاشارة الى أنها رفعت رأس مالها أخيرا بعد طلب مصرف لبنان زيادة رؤوس أموالها بنسبة 20% اعتبارا من نهاية السنة الجارية وحتى نهاية 2020.
كيف سيحتسب المبلغ؟
ما ان أقرت زيادة المبلغ للمؤسسة حتى أثير الكثير من الأسئلة عن كيفية احتساب هذا المبلغ ولأي ودائع؟ “النهار” سألت الخبير الاقتصادي شربل قرداحي عن الآلية التي سيتم اعتمادها، ومن المستفيد تحديدا؟ فأوضح أن هذا القرار يحقق الاستقرار والطمأنينة لصغار المودعين حيال جنى عمرهم وحماية مدخرات الطبقة المتوسطة وتمكينها من مقاومة الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، مؤكدا أنه سيتم تشريع هذه الزيادة في أول جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب.
وفي التفاصيل يوضح قرداحي، “اذا افترضنا أن المودع لديه 100 مليون ليرة في المصرف الذي أشهر افلاسه، فإن المؤسسة تعيد له 75 مليون ليرة من وديعته، أما بقية المبلغ البالغة 25 مليون ليرة فيمكنه أن يسترجعها من المصرف بحسب الاصول المتبقية لديه (اي للمصرف). أما اذا كان المبلغ أقل من 75 مليونا فإنه يحصل عليه كاملا. وفي حال كان المودع لديه أكثر من حساب بالعملات المحلية والصعبة في البنك عينه، فإنه يتم احتسابها جميعا ويعطى على أساس قيمة المبلغ المجموع”.
وفيما قدر قرداحي رأس مال مؤسسة ضمان الودائع بنحو 800 مليون دولار، أوضحت مصادر أخرى أن موجوداتها تقدر حاليا بنحو 3 مليارات دولار، تستثمر جزءا منها في سندات الخزينة، وجزءا آخر يتم ايداعه في مصرف لبنان.
صناديق لتأمين الودائع
تعتمد غالبية الدول على صناديق تأمين على الودائع، يتم تأسيسها بمساهمة المصارف واحتياطات المصارف المركزية، وتكون مهمتها ضمان أموال المودعين كاملة في حال الإفلاس. ويشكل رفع سقف الضمان إحدى أهم وسائل الإنقاذ التي استخدمتها حكومات دول أخرى خلال مواجهتها أزمات مالية حادة.
متى تأسست مؤسسة ضمان الودائع؟
تأسست المؤسسة الوطنية لضمان الودائع التي يرأسها حاليا خاطر بو حبيب سنة 1967 بموجب “قانون تعديل وإكمال التشريع المتعلّق بالمصارف وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية” رقم 28/67 لضمان الودائع لدى المصارف العاملة في لبنان، بالعملة اللبنانية، وهي عبارة عن شركة مساهمة تعاونية.
Views: 1