محمد حجازي
إنه الثالث من شباط/ فبراير من كل سنة، تاريخ نحيي فيه ذكرى رحيل الفنانة الكبيرة “أم كلثوم” (للعام 45 على التوالي) التي يترسخ حضورها في الذاكرة الجماعية العربية كلما تقادم الزمن، لتظل رمزاً لكل المعاني السامية في مجالات الفن والعاطفة والوطن، وحاجة جماهيرية ملحة لنيل قسط وافر من متعة الإصغاء إلى أداء يضج بالحياة والطاقة والصدق.
“الست” اللقب الذي حملته طويلاً، نوديت به في كل مكان غنت فيه أو تواجدت في نطاقه “إنه الأحب إلى قلبي” هكذا أعلنت السيدة التي تمتلك كاريسما لم يصمد أمام سطوتها أحد، لكنها على المقلب الآخرتتمتع بخفة ظل وسرعة بديهة موصوفتين، ولها مع السياسيين (من مستوى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر) كما مع الفنانين (يتقدمهم الموسسيقار محمد عبد الوهاب) الكثير من المواقف التي ترتجل فيها تعليقات ساخرة، ومنها ما قالته مرة لصحفي لبناني كبير رداً على سؤاله عن سبب عدم غنائها أي لحن للموسيقار “محمد الموجي” بعد أغنية “إسأل روحك”: “كلمات الأغنية نفسها هي الجواب” ويقول مطلعها “إسأل روحك إسأل قلبك قبل ما تسأل إيه غيّرني”، كما كانت صورة الوفاء والتواضع معها لافتة جداً حتى مع الناس العاديين، وحدث أن أحد أكثر معجبيها إهتماماً بحضور كل حفلاتها التي أحيتها في مصر ( وعرف بترداده عبارة عظمة على عظمة يا ست) تغيّب عن إحداها فسألت عنه وعرفت أنه مريض جداً فإستحصلت على عنوان منزله وزارته للإطمئنان عليه.
ولأنها نادراً ما علّقت في لقاءاتها على تعاونها مع شعراء وملحنين بعينهم، فإن كل ما عرف عن تعليقاتها وردة فعلها جاء بالتواتر عن لسانها أو حتى عن أجوائها، مثلما حصل مع موضوع عدم تعاونها مع الموسيقار “فريد الأطرش” فقد نقل عنها موقفان الأول فني ويقول بأنها تقدر ألحانه وخصوصيته لكنها تعتقد أنها لا تلائمها، والثاني شخصي مرتبط بما عُرف عن عدم إنسجامها مع شقيقته الأميرة النجمة “أسمهان” مما إنعكس جفاء على علاقتهما، وليس علينا أن نعتبر الأمر يحمل صفة العنصرية، لأنها لم تتعاون مع الموسيقار “عبد الوهاب” إلاّ بعدما جمعهما الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” وتمنى عليهما التعاون فنياً خدمة لكل الجمهور العربي، وكان على حق لأننا فزنا منهما بعدد من الروائع (ليلة حب، أغداً ألقاك، ودارت الأيام، أصبح عندي الآن بندقية، هذه ليلتي، فكروني، إنت الحب، أمل حياتي، وإنت عمري).
وهذا العرض يستدعي المرور على أبرز من غنت من ألحانهم، لما لها معهم من تواصل وتعليقات، مثل “بليغ حمدي” (الحب كله) الذي راهنت على موهبته بقوة “ده جن موسيقى”، و”الموجي” (للصبر حدود) الذي لم تطل فترة العلاقة به وقيل إنه لم يقبل بكثرة ملاحظاتها وطلباتها في كل مرة تستمع إلى لحن له، و “عبد الوهاب” (إنت عمري) الوحيد الذي كانت لا تناقشه لأنه موسوس مثلها تماماً لذا فهو لم يُبق أي مجال لإنتقادها ما يُنجزه، والموسيقار “سيد مكاوي” (يا مسهرني) الذي إعترفت بأنه أظرف رجل في مصر وكانت تستفزه لكي تستمع إلى ردة فعله الطريفة غالباً، والموسيقار “رياض السنباطي” الذي ضحك عندما قالت له “بحس إنك بتشتغل اللحن بالمسطرة وما حدّش يقدر يزيح لا زيادة شيء ولا حذف شيء”، كما الفنان الكبير “زكريا أحمد” (هوه صحيح الهوى غلاب) وعنه قالت “ما يعرفش حاجة في الدنيا غير الموسيقى.. وهو يضحك على طرفة مش ولا بد، لكن ما بيتكلمش”.
المصدر : الميادين نت
Views: 4