الكاتب: عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
خريف عام 2016 نشرت صحف ووسائل إعلام خلاصة دراسة لجمعية مصارف لبنان حول مدى صمود سعر صرف الليرة، وإلى متى يمكن أن يستمر، وأنّه إذا استمرّ الوضع الحالي، فإنّ القدرة على تثبيت سعر الصرف ستنهار بعد سنتين، ما يعني ذلك تضاعف سعر الصرف إلى 2659 ليرة عام 2018 و5638 ليرة عام 2020، في ظل تراكم عجز ميزان المدفوعات واستمرار الأزمات في لبنان والشرق الأوسط.
هذه التحذيرات المالية والمصرفية التي أشارت إلى احتمال وجود مخاطر تهدّد الوضع النقدي في لبنان، وهي نادراً ما تنشر علناً، كانت بمثابة ناقوس خطر تمّ قرعه باكرا، بعدما تبين أنّه بين عامي 2011 و2015 تراكم العجز حتى وصل إلى 8.7 مليارات دولار، وأنّ أسباب هذا العجز تكمن باعتماد لبنان بشكل رئيسي على التدفقات الرأسمالية الخارجية التي تأثّرت بعوامل عديدة، أبرزها الأزمة السورية، والأزمة الإقتصادية في بلدان يعمل فيها لبنانيون مغتربون، وضعف قدرتهم على التحويل إلى لبنان.
فُهم من الدراسة أنّ سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار لن يستمر على حاله زمناً طويلاً، لكنّه تأجّل قليلاً نتيجة هندسات مالية قام بها مصرف لبنان، وطرحت علامات إستفهام وشكوك واسعة حولها وحول السياسة المالية التي يتّبعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأيضاً حول المستفيدين الفعليين منها، هل الليرة والمواطنين، أم المصارف وبعض الطبقة السياسية الحاكمة؟ ذلك أنّ توفير البنك المركزي 8 مليارات دولار بفعل هذه الهندسات، جعل من تكلفة تثبيت سعر صرف الليرة باهظاً، إذ حققت منها المصارف أرباحاً هائلة زادت على ملياري دولار، ما جعلها المستفيد الرئيسي من وراء هذه الهندسات، وكشفت أنّ التحسينات على بند الموجودات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان تجميلية وليست بنيوية.
هذا يعني أنّ مظاهر الأزمة المالية الحالية والإنهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية كان يفترض حصولها عام 2018 وليس الآن، لكنّ الهندسات المالية المذكورة أخّرتها إنّما من غير أن تعالجها فعلياً، لا بل إنّ البعض يرى أنّ هذه الهندسات زادت من حجم الأزمة وتكلفتها على الليرة وعلى الإقتصاد اللبناني، وأن ما كان يمكن أن تدفعه الخزينة العامة نتيجة عجز ميزان المدفوعات قبل عامين، كان سيكون أقل ممّا تدفعه اليوم وستدفعه غداً.
وفاقم الوضع سوءاً الشائعات التي تسربت من أماكن مختلفة وانتشرت كالنار في الهشيم، وهي تتحدث عن إنهيار كبير وسريع لليرة اللبنانية خلال الشهور المقبلة، وأنّه لن ينتهي شهر أيّار إلا ويكون سعرف صرف الليرة مقابل الدولار قد وصل إلى أكثر من خمسة آلاف، وأنّ أشهر الصيف المقبلة ستكون حارّة جدّاً، وستشهد إنهياراً أكبر وغير مسبوق لليرة، بعدما فقدت الكثير من قوتها ومناعتها، وبعدما فشلت السّياسة المالية لمصرف لبنان والمصارف والحكومة والطبقة السياسية الحاكمة في استدراك الوضع وإيقاف النزيف الحاصل، لا بل إنّ هذه الجهات تعتبر المتسبّب الرئيسي في ما وصل إليه الوضع من إنهيار كارثي.
ما يحصل اليوم كان متوقعاً قبل أربع سنوات تقريباً، خصوصاً بعدما تجاوز سعر صرف الدولار مقابل الليرة الـ4 آلاف ليرة، والذي يشهده ويعانيه اللبنانيون حالياً هو ترجمة هذه المخاوف غير المسبوقة على أرض الواقع، وسط مخاوف من إنفجار الأوضاع في لبنان على كل الصّعد، وتحديداً المالية والإقتصادية والمعيشية، وصولاً إلى الأمنية، بعد ارتفاع صرخات الجوع والفقر والبطالة، وصمّ السلطات السياسية والإقتصادية آذانها وكأنّ ما يحصل لا يعنيها ولا هي تسبّبت فيه وإوصلت البلاد والعباد إليه.
Views: 3