دخل العالم في مرحلة ما بعد «كورونا»! وهذا لا يعني أن الفيروس «قد ولىّ إلى غير رجعة»، بل دخلنا في المرحلة التالية ما بعد المرحلة القاسية والمتشددة وأحياناً المتسرعة التي نتجت عن عدم المعرفة بما يمكن أن يفعله الفيروس المستجد، حيث لا خبرة لأكثر الخبراء معرفة في عالم الفيروسات بهذا الضيف الجديد، الذي لا يزال تأثيره مجهولاً ولا يزال محطة للاختلاف بين الخبراء والأطباء.
لقد بدأت التدابير القاسية تتراخى وتنهار بعد أن مُنع الاختلاط وحتى الخروج لفترات طويلة في محاولة لكسب خبرة أكبر بما يحصل للعالم الذي أصيب بـ«عدو خفي» يعلم عن قدراته القليل. لقد قيل إنه ينتقل بالهواء والرذاذ ويبقى على الأسطح لأيام عدة وينتظر على ورق الشجر.
وفي بعض الدول فرضت الكمامة كشرط أساسي للخروج والتخالط، بينما اعتبرت الكمامة خطرة في دول أخرى، توضع فقط من قبل المرضى والعاملين في القطاع الصحي.
إذاً، لقد شهد العالم حالة من الهستيريا ومن الجهل والخوف لدى الحكومات من دون استثناء وعند الشعوب أيضاً. وبسب هذا الجهل، فرضت الحكومات على نفسها الإجراءات القاسية وعلى مواطنيها لكي لا تتعرض للسقوط ولتظهر حرصها على مواطنيها والسلامة العامة.
وأما اليوم، فقد برزت إلى المقدمة وإلى سلم الأولوية الآثار الاقتصادية وكل ما يرتبط بتأثر قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة، ليس فقط في أوروبا، بل في الشرق الأوسط واستراليا وآسيا وأميركا الشمالية والجنوبية.
فهناك علماء شككوا في نظريات بعضهم البعض وانطلق النقاش والصراع بين العلماء أنفسهم. واتفق العلماء على أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات، كل الحكومات، انعكست سلباً على الناس الذين كان لا بد أن يخافوا ليلتزموا الإجراءات.
من هنا بدأ بث الخوف بناء على عدم توفر معلومات كافية عن الفيروس. ولكن الحكومات اصطدمت اليوم بواقع العقلنة وبدأت المعلومات تقول إنه يجب الخروج على العالم فلا لقاح متوافر ولا «مناعة القطيع» ممكنة لأن جزءاً قليلاً من الشعوب (نحو 7 في المئة) أصيبوا بينما يحتاج هذا التدبير (مناعة القطيع) لإصابة 60 إلى 70 في المئة من مجموع السكان.
أما النقطة الأخرى التي بقيت تحير العلماء وكيفية التعاطي مستقبلاً مع الواقع المستجد، فهي المناعة. فما يستطيع العالم تأكيده أن لا لقاح متوافر اليوم ولن يكون متوفراً هذه السنة. بينما تذهب منظمة الصحة العالمية للاعتقاد بأن اللقاح يمكن ألا يتواجد حتى سنتين كأقرب تاريخ… هذا إذا وجد. إلا أن العالم لن يتحمل البقاء مغلقاً على نفسه إلى أن يصبح العلاج متوافراً.
لقد توقفت المواصلات بين المدن وبين الدول وحتى بين العائلات أنفسها مما أبعد الناس عن بعضها البعض، وتالياً فإن الإجراءات القاسية لا يمكن أن تدوم إلى فترة طويلة لأن آثار التدابير كان لها آثار نفسية وعائلية وصحية حتى بين من لم يصابوا بمرض «كوفيد – 19».
ففي بداية العام الحالي، عندما انطلق الفيروس، من مدينة ووهان الصينية، وانتشر بسرعة في العالم، أعاد إلى الذاكرة «الطاعون» و«الإنفلونزا الإسبانية» و«الموت الأسود»، الأمراض التي حصدت عشرات الملايين من الأرواح في القرون الماضية.
وتذكرنا فيروسات الإيدز وإنفلونزا الطيور وجنون البقر وغيرها، التي لم يتوفر لها علاج إلى اليوم، لبث الخوف ولاستبعاد المنطق لأنه لم يكن أي رئيس دولة أو حكومة مستعداً لتحمل مسؤولية النتائج إذا ما أتت بشكل دراماتيكي حقيقي وحصد الفيروس المستجد، الملايين من الأرواح.
وتدارك الجميع أن النظام الصحي الذي طالما تغنى به مسؤولو القارة الأوروبية والغرب بشكل عام، قد فشل، وأصيب بذعر هو أيضاً لقلة الأماكن في المستشفيات وعدم وفرة أجهزة التنفس وغرف العناية الفائقة. حتى أن الوثائق التي وقعها رؤساء سابقون قللوا من المصاريف الطبية بدأت تطفو على السطح ليشعر هؤلاء بأن قراراتهم قد تكون مسؤولة عن نتائج مميتة على البشر بسبب عهد الفيروسات الذي أصبح يعيش بيننا.
أما اليوم، فقد بدأ العالم يعتاد على فكرة وجود الفيروس كرفيق دائم لهذه السنة والسنة المقبلة. فلا يمكن عزل الإنسان عن أخيه الإنسان لأن هذه ضد مبادئ البشر. فخرجت أوروبا عن عزلتها التي فرضتها على نفسها ليتلاقى السكان في الحدائق والشوارع لرفضهم الزنزانة المنزلية من دون أن يبالي هؤلاء بالغرامات التي تفرض عليهم لاحترام التباعد المفروض.
لا إجابات شافية بأن الفيروس بدأ يتلاشى أو أن موسم الصيف سيذهب به من دون إنذار. فالعلماء ما زالوا مختلفين على ماذا يخبئ المستقبل. ولكن العالم اتفق على أن المشاكل الاقتصادية أصبحت أكبر بكثير من أن يفكر الناس بالفيروس لأن الأزمات الاجتماعية وإفلاس الشركات أصبح الهم الأكبر الذي يطغى على كل شيء.
لا تاريخ محدداً لفتح الحدود الأوروبية كلها، بل اقتراحات حذرة. ومن غير المعلوم نتائج العدوى يوم يفتح العالم مطاراته لتعود عجلة الحياة إلى طبيعتها.
من الواضح أن الدول ستغض النظر عن «كورونا» ليصبح الحديث عنه أقل تأثيراً واهتماماً. وتالياً فإن على الأحياء التكيف مع الفيروس كما تكيفوا ويتكيفون مع «السارس» و«ميرس»… وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
Views: 10