يبدو من عجلة الاتصالات الروسية مع أطراف المعارضة السورية والاميركيين والقوى المؤثرة بالشأن السوري، ان موسكو تريد التوصل الى حل سياسي قبل ٣ تشرين الثاني/نوفمبر المقبل خشية رحيل دونالد ترامب الذي كان على الأرجح أفضل شريك دولي لها رغم كل ظواهر الخلافات التي تسببت بها إدارات ولوبيات أميركية رافضة التقارب. وهي في أسوأ الأحوال ترغب بإعادة اطلاق مسار الحل بقوة قبل ذاك التاريخ، فهل كل ما تبحثه موسكو يناسب دمشق وحليفها الثاني أيران؟
ماذا في الوقائع أولا :
· لقاء نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في الدوحة مع الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب، فتح باب التكهنات واسعا، وذهب بعضها الى حد القول” ان هذه الشخصية الإسلامية المعتدلة” قد تلعب دورا في التركيبة السياسية السورية المقبلة. لكن بوغدانوف والخطيب تمنّعا عن الإفصاح وركزا على القرار ٢٢٥٤ . هذا القرار الذي كان بالأصل مشروعا أميركيا صوت عليه الأعضاء ال ١٥ في مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٥، ويلحظ تشكيل “: هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر، واجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد تحت اشراف الأمم المتحدة”.
واضح اذا ان روسيا تسرّع الخطى لإقناع المعارضة بالمشاركة في حل سياسي والعودة الى المفاوضات، كما انها تجدد مغازلة واشنطن المتمسكة بهذا القرار وفق ما رأينا مثلا من لحظه في قانون قيصر وتغازل دولا عربية عديدة وتركيا.
· أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف ان موسكو مستعدة للحوار مع واشنطن حول سوريا، وذلك فيما تجري اتصالات حثيثة بين سريغي فيرشينين المكلف بالملف السوري في الخارجية الروسية وجيمس جيفري المبعوث الأميركي الخاص لسوريا، مع الإشارة الى ان جيفري كان قد قال في أحاديث سابقة مؤخرا وبينها واحد مع الجالية السورية في أميركا قال فيه :” لقد قدّمنا للرئيس الأسد طريقة للخروج من الأزمة الحالية، اذا كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض”، وهو قال صراحة ان بلاده تريد رؤية عملية سياسية قد لا تؤدي الى تغيير النظام وانما تطالب بتغيير سلوكه، مشيرا خصوصا الى الوجود الإيراني . هذا يشير بوضوح الى ان ترامب وبوتين راغبان فعلا باستمرار التنسيق حول سورية خصوصا اذا ما كان مشروع خروج القوات الأميركية من الأراضي السورية ما يزال على طاولة الرئيس الأميركي رغم التردد الذي فرضته الضغوط الداخلية عليه.
· أما على الصعيد الميداني، فان التظاهرات والاعتقالات التي حصلت في منطقة السويداء السورية، أعقبها بعد أيام غارات إسرائيلية على مناطق واسعة امتدت من محافظة السويداء وحمص الى دير الزور، في أول إشارة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يتولى فيها بني غانتس وزارة الحرب على تكثيف استهداف “القوات ومصانع ومستودعات الصواريخ الإيرانية” وفق ما تقول الرواية الإسرائيلية. بينما السلطات السورية أعلنت استشهاد جنديين سوريين وأربعة اشخاص آخرين . وترافق ذلك مع كلام عن عودة نُذر داعش الى مناطق حدودية عراقية سورية.
ماذا في التحليل ثانيا:
لو اكتفينا بهذه المسائل كي لا نطيل الشرح، واضفنا اليها تدهور الوضع الاقتصادي وسعر العملة وتضييق الخناق على ايران وسورية ولبنان وشمول قانون “قيصر” الشركات الروسية، نفهم أن من مصلحة موسكو في الوقت الراهن تقليل حجم الخسائر، والتوجه نحو حل سياسي. يفترض هذا الحل من وجهة النظر الروسية عدم معارضة إعادة ترشح الرئيس السوري بشار الأسد الى الرئاسة ( ربما لفترة واحدة) واشراك شخصيات معارضة مقبولة بالسلطة، والاتفاق على اللجنة الدستورية وإدخال جزء من المعارضة الى البرلمان.
أوضح الروسي أكثر من مرة في الأيام الماضية ان لا خلاف مع القيادة السورية وان موسكو تدعم دمشق ، وذهب ممثل الرئيس بوتين في سوريا الى حد القول بأن قانون قيصر هو ” إرهاب اقتصادي”، وقالت موسكو كما طهران انهما ستساعدان سورية على مواجهة الوضع الحالي. يأتي كل ذلك استنادا الى خشية موسكو من ان ينتفض الشارع بما فيه الموالي ضد السلطة وحلفائها بسبب الفقر والجوع . يأتي كذلك بعد نعي المعارض نفسها للدعم الدولي الغربي لها، يكفي ان نقرأ ادبيات المعارضة في الشهرين الماضيين لنفهم انها يئست من الغرب الاطلسي ومضطرة للتعاون مع روسيا رغم الحذر
لذلك فان موسكو تجد نفسها امام حلين لا ثالث لهما :
· أما العودة الى منطق الحرب في ادلب واستكمال استعادة كل الأراضي السورية بما فيها تلك التي تملك ثروات النفط والزراعة، ما يعني اشتباك خطير مع الاميركيين والأتراك والكرد، وهو أمر لا تريده ولا تحتمله في الوقت الراهن.
· أو السعي لتسريع خطوات الحل السياسي بالاتفاق مع واشنطن وتركيا والكرد ودمشق وطهران والمعارضة، بحيث تضمن قبولا اميركيا لسرمدية دورها في سوريا عبّر عنه بوضوح جايمس جيفري، وتضمن تقوية دعائم العلاقة مع تركيا وجذب المعارضة والكرد اليها كجسر الحل المنطقي، وتحافظ على الدولة السورية ولو مبتورة الشرق في الوقت الراهن.
الواضح انها تميل الى الحل الثاني رغم تحفظات القيادة السورية الراغبة كما طهران باستعادة كل الأراضي بالتفاوض او بالقوة. لكن السؤال المصيري الفعلي هو حول مستقبل الدولة السورية بشكل عام : فبغض النظر عن طبيعة الحل السياسي ومشاركة المعارضة في شيء من السلطة، يبقى السؤال حول الأراضي التي تحتلها تركيا، هل تعيدها روسيا الى الدولة السورية، وهل هي راغبة وقادرة على ذلك، ام اننا امام توسيع ظاهرة اسكندرون حتى اشعار آخر ؟ ربما هنا بيت القصيد ، لكن موسكو لم تقل يوما انها تقبل بأقل من عودة كل الأراضي السورية ووحدتها . كما ان روسيا تسعى للانخراط في مشروع شرق أوسطي أكبر من سورية يشمل كل الدول العربية وتركيا واسرائيل، والا ماذا يفسر هذه اللقاءات المكثفة التي يعقدها الروس من مصر الى قطر والخليج فحركة حماس وايران واسرائيل؟
ماذا في التمني ثالثا :
أما الحل المثالي فهو ان يعود السوريون جميعا الى بعضهم، ويتفاوضوا، وينسوا الجراح رغم عمقها، ويقرروا الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، ويحرروا وطنهم من كل التداخلات ( كي لا نقول التدخلات) ويستعيدوا أرضهم وثرواتهم ويؤسسون لسورية القوية، ويتشاركون إعادة بناء الانسان قبل الحجر.
…. هل هذا حلم طوباوي؟ ربما ، لكن سورية الغالية على كل عربي صادق، تستحق أكثر من الحلم.
الكاتب
سامي كليب رئيس التحرير – 5stars
Views: 9