بات آخر هم اللبنانيين ما يجري من سجالات عقيمة بين أركان الحكم، موالين ومعارضين، فما يؤرق مضاجع الناس يتمثل اليوم في وضعهم الإقتصادي والإجتماعي الذي دخل مستوى كارثياً.
وبينما تنشغل الطبقة السياسية في تحصيل المكاسب، وفي ظل تعثر وزاري متزايد لـ«حكومة الثورة»، يبدو اللبناني مهموماً في واقعه المتدرج نزولاً حاداً من دون بوادر معالجة جديّة ليسأل عن مصير قاتم لا بوادر قريبة لجلائه.
فقر، بطالة، غلاء أسعار من دون حسيب أو رقيب، أزمة دولار، كلها مسببات ليأس اللبناني الذي أضيف «كورونا» على لائحة مصائبه حتى بات تفصيلاً أمام عوزه وحاجته!
عجاقة: البطالة التقنية
ولعل المؤسف في الأمر في هذه المرحلة أن اللبنانيين قد دخلوا في ما يسمى بـ«الفقر المدقع»، حسب توصيف البروفسور جاسم عجاقة لـ«اللواء» الذي يلفت الانتباه الى ان هذا الأمر الذي يسير ارتفاعا هو الأخطر اليوم. ويشير الى أن خطورة هذا النوع من الفقر هو عبر تعريفه: عدم التمكن ماديا من الحصول على الاكتفاء من الغذاء يوميا قياسا الى السعرات الحرارية للإنسان! وفي ظل الارتفاع الفاحش للاسعار يقدم الخبير الاقتصادي مثالا مؤسفا على هذا الصعيد بارتفاع سعر ربطة الخبز التي تعد مثالا صارخاً على هذا الأمر كون الخبز هو الغذاء الأساسي للفقير. لذا، يشير عجاقة الى أن السياسيين سيدفعون ثمن هذا الخطأ الذي سيكون له ردات فعل كبيرة.
ويلفت النظر الى ان لا أرقام رسمية ودقيقة لنسبة هذا النوع من الفقر «لكن حسب تقديري وصلنا الى رقم الـ16 في المئة علما أن البنك الدولي يقول إننا وصلنا الى حدود الـ20 والـ22 في المئة». وخطورة الأمر لا تكمن في هذه النسبة بقدر عددها التصاعدي، ففي شهر أيلول من العام الماضي كانت النسبة 8 في المئة، واليوم باتت الضعف! علما أنه في أيلول كان هناك من يقدم الطعام للمحتاجين وخاصة خلال التحركات الاحتجاجية، الأمر الذي لم يعد قائما اليوم. وهو يشير الى أن اللبنانيين مستمرون في تقطيع الأزمة عبر الأموال التي يدّخرونها في المنازل، ولكن السؤال يتمثل في مستقبل تلك العائلات بعد نفاد أموالها.
ويجب إضافة هذه الارقام الى نسبة الفقر التقليدي المتعارف عليها والتي تعني أن اللبناني يكفي فقط حاجاته الجسمانية قياسا الى السعرات الحرارية من دون التمكن من الحاجات الأخرى. وقد بلغت نسبة هذا الفقر، وهي خارج نسبة الفقر المدقع، أكثر من 50 في المئة، علما أن أية عائلة هي في حاجة الى مبلغ مليونين ونصف مليون ليرة لبنانية كحد أدنى يوميا.
وعلى صعيد البطالة، لا أرقام رسمية محددة وموثوقة لهذه الآفة المتفاقمة. لكن عجاقة يتحدث هنا عن «البطالة التقنية» والتي تحدث عندما تقوم المؤسسات والشركات بصرف موظفين فيها نتيجة ظروف البلاد. ويُقدر البطالة الحالية بأكثر من 50 في المئة، إلا انه يشير الى ان «البطالة التقنية» قد تصل الى اكثر من ذلك خاصة وأن شركات كثيرة كانت أوقفت اعمالها مع ازمة «كورونا» ولا زالت مقفلة حتى الساعة ولم تعد الى فتح أبوابها.
اليوم، ينتظر الجميع بعض الخرق مع فتح المطار ودخول العملة الصعبة، ويقول عجاقة: عندما نفتح المطار سيأتي المغتربون لزيارة أهلهم وسيصرفون الاموال عبر العملة الصعبة. وفي الفرضيات، قد يدخل نحو مليون لبناني في الصيف قد يدخلون نحو مليار دولار الى البلد اذا ما صرف كل منهم فقط ألف دولار أو اكثر، ما سيكون له انعكاسه على سعر صرف الدولار انخفاضا.
كيف نخرج من هذه الدوامة؟
يشدد عجاقة على أن الموضوع سياسي بامتياز والخروج من الواقع الحالي يتطلب أولا إستقرارا سياسيا في البلد. وقد انفجر الوضع بسبب أن الأسس الاقتصادية في لبنان ليست جيدة، لكن العوامل السياسية تمنع التصحيح المالي فلا «حلحلة سحرية من دون ذلك». ويضيف أن المسألة ليست سهلة على الإطلاق خاصة في الظرف الحال وفي ظل المواجهة الجارية حالياً مع الولايات المتحدة الاميركية مما يُعقد الأمور أكثر.
ويشير عجاقة الى أن مشكلة جديدة ستضاف على اللبنانيين مع الموجة المقبلة لـ«كورونا» التي يتحدث عنها العالم. ويقول: وباء «كورونا» يعد عاملاً تفقيرياً للشعوب المختلفة، وقد نفقر أكثر مع هذا الوباء إذا عاد بقوة، ولو أن هذا الامر لا يزال في إطار التكهنات.
تغيير منهجية الحكومة
لكن عجاقة يلفت النظر الى أن الأزمة الكبرى تبقى في الاقتصاد، ولا قدرة للحكومة عبر منهجيتها المتبعة لحل الأمور والأمثلة على ذلك كثيرة كغلاء الأسعار والأزمة الغذائية المتفاقمة. هنا يتوقف عند سماح الحكومة بما يسمى بالـ«Replacement Cost»، أي بيع التجار منتوجاتهم بسعر السوق بعد شرائها بالسعر الرسمي، «وهذا الأمر ممنوع بحسب المرسوم الاشتراعي 73 على 83». لذا، لا تبدو الحكومة في أفضل حال وبات عليها تغيير منهجيتها الحالية التي لا تلبي الظروف وليست على مستوى التحديات، حسب عجاقة.
Views: 8