قبل خمسة عشر عاماً تفاعل الاقتصاد بمرونة مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. مليارات الدولارات خرجت فوراً من النظام المصرفي، وشهدت الودائع ارتفاعاً في نسبة الدولرة، كما سجل هروب رساميل واستثمارات عربية وأجنبية. أما اليوم فان استجابة الاقتصاد لاعلان الحقيقة، التي من المتوقع ألا تقل نتائجها خطورة عن الاغتيال بحد ذاته، فهي جامدة.
يقال في الأمثال الشعبية إن “المبلول لا يخشـى المطر”، وهذا ببساطة واقع الاقتصاد. فالباقي فعلياً من ايداعات بقيمة 149 مليار دولار لا يتجاوز 1 مليار في أحسن الاحوال. والودائع وان كانت مدولرة بنسبة 75 في المئة فهي محجوزة ويستحيل تحريكها.. والاستثمارات معدومة والسياحة غائبة. وحده سعر الصرف قد يستجيب صعوداً بنسبة محدودة، ذلك ان العناصر الموضوعية التي تؤثر عليه تعتبر أقوى من الخضات السياسية والأمنية.
الخبير الاقتصادي لويس حبيقة رأى ان “تأثّر الاقتصاد بقرار المحكمة الدولية يرتبط بنوعية الحكم النهائي الصادر. فالحكم الذي أدان المتهمين الخمسة من دون التطرق إلى علاقة مباشرة لـ”حزب الله” أو الدولة السورية ستكون نتائجه محدودة. ذلك انه قد سبق للاقتصاد وامتص الصدمات الناجمة عن عملية الاتهام خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، والتي تدرجت من العقوبات على الافراد والجمعيات وصولاً إلى الضغط على المؤسسات واقفال المصارف المتعاملة مع المُدرجين على لوائح العقوبات. وكما لا يمكن المعاقبة مرتين على ارتكاب الجرم عينه فان الاقتصاد لن يتأثر مرتين بتأكيد الاتهام نفسه”.
ما يعيشه الاقتصاد اللبناني من أزمات متلاحقة، كان آخرها ارتفاع كلفة الخسائر من جريمة انفجار المرفأ الى أكثر من 15 مليار دولار، عطّل ردّ الفعل الطبيعي تجاه الخضات. فـ”الوضع الاقتصادي والمالي وصل الى درجة من التعقيد والانهيار، بحيث ان اي صدمة جديدة كالنطق بالحكم لن يكون لها تأثير كبير على هذا الوضع”، يقول الإقتصادي أيمن حداد. “أما اذا كان هناك تداعيات تمس بالاستقرار، وعلى فترة طويلة، فهذا سيعقد الامور اكثر، ويؤخّر اجتراح وتنفيذ الحلول كالاستعانة بصندوق النقد وجذب الاستثمارات الخارجية”. وهذا ما ينطبق أيضاً على سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. فعلى الرغم من خضوع سعر الصرف في ظل وجود القيود المصرفية للعرض والطلب وضخ اموال المساعدات بعد انفجار المرفأ، فان “هذا السعر يمكن ان يتأثر سلباً بعامل الثقة في حال تدهورت الاوضاع السياسية والامنية لفترة طويلة”، يقول حداد. وبرأيه فان “التداعيات الاقتصادية والسياسية سترتبط بشكل أكبر بما يدور من مباحثات حول تشكيل الحكومة والتسويات الكبرى”.
من جهتها تعتبر الباحثة الاقتصادية ليال منصور انه “لن يكون هناك أسوأ من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان. فقبل انفجار المرفأ بأسبوع برزت تقارير دولية تحذّر من أن اللبنانيين معرضين للموت من الجوع وان معاناتهم لن تقف عند حدود المجاعة فقط”. وبرأي منصور فان “البلد بمختلف قطاعاته الانتاجية والخدماتية مجمد ومرفأه مهدم ومصارفه مقفلة. وهذه اسباب أكثر من كافية لجعل كل المصائب محدودة النتائج أمام ما يجري”.
مختلف الآراء تجمع على ان التعقيدات الاقتصادية الداخلية ستخفف من وطأة قرار المحكمة الدولية على الاقتصاد، و”النتائج ستبقى محدودة جداً إذا لم تترافق مع خضات ميدانية على ارض الواقع”، يقول الخبير المالي سامر سلامة. “ففي حال تطورت الاوضاع إلى مشاكل متنقلة وصدامات تؤدي إلى الاقفال القسري وتعطيل النشاط الاقتصادي لفترة زمنية طويلة نسبياً، عندها تتغير المعادلة وتزيد عناصر الضغط السلبية على الاقتصاد”.
Views: 6