نجحت الصين في تطوير لقاحات واعدة ضد فيروس كورونا، لكن يبدو أنها تريد توظيفها كي تعزز مكانتها في منطقة الخليج، فما مدى فرص نجاحها؟
موقع Al-Monitor الأميركي نشر تقريراً بعنوان: “الصين تتطلع إلى تعزيز مصالحها في الخليج اعتماداً على “دبلوماسية اللقاح”، ألقى الضوء على كيفية تحول لقاحات فيروس كورونا إلى أبرز أوجه التعاون بين الصين ودول الخليج.
دبلوماسية اللقاح سلاح الصين الجديد
مع تدفق الأخبار المبشرة مؤخراً بشأن نجاح لقاحات فيروس كورونا المختلفة، تشير تقارير حديثة إلى أن أحد لقاحات كورونا الذي طوّرته الصين هو ضمن اللقاحات الواعدة لمواجهة الفيروس. بناءً على ذلك، وإلى جانب الفوائد الصحية العامة البارزة التي يوفرها إنتاج لقاح فعال، تتطلع بكين في الوقت نفسه إلى استخدام استراتيجية “دبلوماسية اللقاح” لتعزيز نفوذها الدولي، لاسيما في دول الشرق الأوسط.
وتشير التقارير إلى أنه في حين أن عدداً من اللقاحات قيد التطوير في الصين، فإن أربعة منها دخلت بالفعل في مرحلة متقدمة من التجارب الإكلينيكية. ويمثل هذا العدد ما يقرب من ثلث لقاحات فيروس كورونا الرائدة التي دخلت المرحلة النهائية من التطوير على مستوى العالم.
من جهة أخرى، ومع انخفاض معدل الحالات الجديدة على نحو كبير محلياً، فإن أغلب الاختبارات الأوسع نطاقاً لتقدير فاعلية وأمان اللقاحات الصينية تُجرى في 18 دولة خارجية أخرى. ومن اللافت للنظر أن معظم هذه الدول لديها مصالح استراتيجية مع بكين أو جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI).
كما تشارك عديد من دول مجلس التعاون الخليجي، مثل السعودية والإمارات والبحرين، في هذه التجارب. وبناء على وعود بالحصول المبكر على جرعات اللقاح، أبرمت معظم تلك الحكومات المضيفة لبرامج الاختبار اتفاقيات تسمح بشراء اللقاح بكميات كبيرة، أو حازت حقوق تصنيع لإنتاجه وتوزيعه على نطاق واسع محلياً.
الصين أكبر شريك تجاري للخليج
وقد صرّح عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الوزاري الأخير الذي عُقد عبر الفيديو بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في وقت سابق من هذا الشهر، بأن اللقاحات أصبحت الآن التعاون الأبرز فيما يتعلق بالجهود المشتركة لمكافحة فيروس كورونا بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
وقال وانغ إن الصين ستعمل على تعزيز بناء “مجتمع صحة الإنسان” مع دول مجلس التعاون الخليجي، فيما أعرب عن تفاؤله بأن إعادة الإعمار الاقتصادي والمفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي والبناء المشترك لمشروعات مبادرة الحزام والطريق المهمة، ستُستأنف بعد التخلص من الجائحة، ويُذكر أنه في الوقت الحاضر، تعد الصين أكبر مستورد ومصدّر لدول مجلس التعاون الخليجي.
وفيما يتعلق باللقاح، تعمل شركة “بيوتك” China National Biotec Group الصينية بالشراكة مع شركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية “جي 42” (G42) ومقرها أبوظبي، على تطوير أحد اللقاحين اللذين طورتهما شركة الأدوية “سينوفارم”، وتجري الاختبارات في الإمارات والأردن ومصر والبحرين، وتقترب تلك الاختبارات من إتمام مراحلها الأخيرة.
وفي إطار تلك الاختبارات الجارية منذ فترة حتى الآن، تلقى نحو 44 ألف شخص جرعات اللقاح الصيني، ضمن مرحلة متقدمة من اختبارات التجارب الإكلينيكية التي تُجرى في البحرين والإمارات، وفقاً لتقارير صدرت مؤخراً.
وفقاً لما قاله أشيش كوشي، الرئيس التنفيذي لشركة “جي 42” للرعاية الصحية، “تُظهر النتائج الأولية أنها آمنة، وهناك ارتفاع عام في الأجسام المضادة لجميع المتطوعين. وفيما يتعلق بفاعليته النهائية، فهو ما زال في مرحلة الاختبارات، لكن الوقت وحده سيطلعنا على الصورة الكاملة”.
لذلك، فقد جرت الموافقة على لقاح “سينوفارم” للاستخدام في حالات الطوارئ للعاملين الصحيين في الإمارات منذ سبتمبر/أيلول. كما تلقى رئيس وزراء الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وغيره من كبار المسؤولين اللقاح في وقت سابق.
بعدها بفترة وجيزة، أعطت البحرين أيضاً موافقة طارئة على لقاح “سينوفارم”، وبدأ العاملون الصحيون بالخطوط الأمامية لمواجهة الوباء في تلقي التطعيم هذا الشهر. ومن الجدير بالذكر أن ولي عهد البحرين والوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين تلقوا أيضاً جرعات اللقاح.
وفي معرض موافقتها على استخدام اللقاح، قالت وزيرة الصحة البحرينية فائقة بنت سعيد الصالح، “أظهرت نتائج المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من التجارب الإكلينيكية أن اللقاح آمن وفعال”. وحتى الآن، لم تظهر أي آثار جانبية خطيرة خلال مرحلة الاختبار المتقدمة وقد تلقى نحو 7770 شخصاً الآن جرعة ثانية.
وفي الوقت نفسه، أبرمت وزارة الصحة السعودية اتفاقية مع شركة تطوير لقاحات صينية أخرى، هي شركة “سان سينو” CanSino، والتي بدأت تجارب المرحلة المتقدمة هناك أيضاً. أما آخر اللقاحات الأربعة الصينية، فهو لقاح طورته شركة اللقاحات “سينوفاك” Sinovac، التي يقع مقرها في بكين، وتُجري تجاربها على اللقاح في مناطق أخرى من العالم.
وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت تلك اللقاحات ستكون فعالة بنسبة 100%، لكن إذا ساعدت في إخراج دول مجلس التعاون الخليجي من عمليات الإغلاق التي تضر كثيراً باقتصادها، فمن المتوقع أن يزداد تأثير الصين في تلك الدول في المرحلة المقبلة.
لكن توجد عدة عوائق
أولها، أن الشركات الصينية أبرمت بالفعل اتفاقيات لتلك اللقاحات مع أكثر من 10 دول، ومع ذلك فإن تلك اللقاحات الصينية لا تزال بحاجة إلى موافقة منظمة الصحة العالمية، كما أنه لم يدخل أي منها إلى قائمة اللقاحات التي يدعمها “التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة” حتى الآن.
وكان كثير من الخبراء قد أعربوا عن مخاوف تتعلق بالسلامة، لاسيما أن اللقاح يجري تطويره بوتيرة سريعة للغاية. وتعليقاً على ذلك، قالت الدكتورة إليانور رايلي، أستاذة علم المناعة والأمراض المعدية في جامعة إدنبرة: “إذا طُرحت هذه اللقاحات للاستخدام قبل الموافقة الرسمية والترخيص، يجب أن يكون هناك تقدير واضح لنسبة المخاطر إلى المنافع”.
ومن الجدير بالذكر هنا أن إحدى الشركات التي تعمل مع مجلس التعاون الخليجي في تجارب اللقاح، وهي شركة “سينوفارم” كانت قد تورطت في فضيحة تتعلق بالترويج للقاح معيب في عام 2018.
ثانياً، قد تكون هناك خيارات أفضل تأتي من بلدان أخرى في الأيام المقبلة، لاسيما مع النتائج الواعدة من لقاحات شركات “فايزر” Pfizer و”موديرنا” Moderna و”أسترازينيكا” AstraZeneca، وإن كانت البلدان المشاركة في اختبارات المرحلة المتقدمة لتلك اللقاحات لديها بالفعل اتفاقيات شراء وتأمين كميات معينة مع بكين. وقد يفسر هذا سبب تعجل الصين لتكون من أوائل الدول التي تحصل على الموافقة لإنتاج لقاح.
وهكذا، بمجرد الوصول إلى أرقام الاختبار المرجوة، يمكن أن يكون لقاح “سينوفارم” مرشحاً متاحاً في وقت مبكر من شهر ديسمبر/كانون الأول. وبمجرد اكتمال مرحلة الاختبارات، ستمنح وزارة الصحة الصينية موافقتها على إنتاج اللقاح.
ثالثاً، لدى بكين الآن خيار انتقاء واختيار الدول التي تريد تزويدها باللقاح وبأي كمية، وفقاً لأهداف سياستها الخارجية.
فحتى الآن، أجرت شركة “سينوفاك” تجارب اختبارات في مراحل متقدمة في السعودية وروسيا والمكسيك وباكستان وصربيا وتركيا وبنغلاديش، لكن لديها خطط لبدء شحن اللقاح إلى إندونيسيا، في نوفمبر/تشرين الثاني، وحتى إفريقيا وتايلاند وفيتنام يمكن أن تتلقى شحنات مبكرة.
لكن في المقابل، تم إلغاء تجارب المرحلة الأخيرة للقاح شركة “سان سينو” في كندا، ربما بسبب تراجع ما في العلاقات الثنائية.
ورغم أن الصين انضمت مؤخراً إلى مبادرة “كو فاكس” COVAX، وهي مبادرة دولية أطلقتها منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات بالتساوي، فإن قائمة الحكومات التي وُعدت بكميات كبيرة من اللقاحات المنتجة مبكراً لا تزال تنمو، ولا شك في أن إبرام الصفقات مع دول معينة قد لا يكون أفضل طريقة لتوزيع اللقاح على نحو متساو.
أخيراً، على الرغم من تعهد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لجمعية الصحة العالمية، بأن لقاح كورونا الصيني سيكون مخصصاً “للمصلحة العامة العالمية” ومتاحاً للجميع، فقد تكون هناك قيود على الإنتاج.
إذ يشير كلاوس ستور، الذي قاد وحدة التعامل مع الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية لمدة 15 عاماً، أن “عدد الجرعات المتاحة في الصين سيكون قليلاً جداً للسماح للتصدير، ما لم يجرِ اتخاذ قرار سياسي بشحن اللقاحات إلى الخارج رغم الاحتياج إليها في الصين”.
في الأيام المقبلة، يمكن أن يكون لـ”دبلوماسية اللقاح” تأثير أكبر من أي تأثير بلَغته دبلوماسية الصين المتعلقة بأزمة فيروس كورونا برمتها، وهو ما يذهب إليه آدم ني، مدير مركز China Policy Centre في العاصمة الأسترالية كانبرا، الذي يقول إنه “من المرجح جداً أن تستخدم بكين اللقاح لأغراض استراتيجية، وعلى رأسها تحسين سمعتها التي تضررت في جميع أنحاء العالم على إثر الوباء”.
Views: 1