قوام رشيق، (كاريزما) عالية، شعر ذهبي ومقدرات صوتية استثنائية، هي خلطة نجاح نادرة اجتمعت في فنانة غدت أيقونة بجمالها الساحر وشياكتها الراقية، صورة فنية متكاملة قابلتها أخلاق عالية اتسمت بها خلال مسيرة فنية على مدى عقود لم تشن فيها حرباً على أحد ولا تكلمت بسوء أو ضغينة على زميل أو فنان آخر رغم كل الظروف.. شمس لبنان الشارقة في قلوب السوريين رغم الغياب، الشحرورة صباح.
الحديث عن جانيت جرجس فغالي المعروفة فنياً باسم صباح، والمولودة في ١٠ تشرين الثاني 1927، من الناحية الفنية يطول سواء تعلق بأرشيفها المؤلف من ٣٥٠٠ أغنية أو مسرحياتها أو أفلامها السينمائية، لكن ماذا عن علاقاتها بأبرز رموز جيلها، أسماء مرحلة الفن الأصيل وكيف تصرفت في المواقف المحرجة التي جمعتها ببعضهم؟
“أيام اللولو” .. حكاية وخلاف
تسببت الأغنية الشعبية الشهيرة “أيام اللولو” بخلاف فني كبير عام ١٩٨٦ بين ثلاثة من أهم الفنانين الذين أسسوا لفن راقٍ وأعمال خالدة، هم: الشحرورة صباح، سمراء البادية سميرة توفيق، والفنان “إيلي شويري”.
بدأ الخلاف عندما علمت الفنانة سميرة توفيق عن طريق ضابط الإيقاع في فرقتها الموسيقية أن أغنية (أيام اللولو) التي تستعد لتسجيلها في الاستديو، سبق وأن سجلتها صباح وصورتها في الإذاعة.
غضبت توفيق واعتبرت خلال لقاء إذاعي معها أنها تعرضت للاستغلال، ووصفت مؤلف وملحن الأغنية إيلي شويري “بالانتهازي” خاصة أنه أكد لها بأن الأغنية صنعت من أجل صوتها عندما عرضها عليها في منزلها، مبينة أنها دفعت له مباشرة قسم من أتعاب الأغنية.
صباح كانت أقل انفعالاً من سمراء البادية ولم تعطِ أهمية كبيرة للإشكال الحاصل، وقالت بأنها حصلت على الأغنية ودفعت مقابلها المادي منذ عدة سنوات، إلا أن استقرارها في مصر دفعها إلى تأجيل إصدارها، مسجلة عتباً على شويري الذي أعطى الأغنية مرة ثانية لتوفيق دون إخطارها بذلك.
من جهته، لم ينفِ الفنان إيلي شويري أنه باع الأغنية لصباح أولاً، إلا أن تأخرها في إصدارها دفعه إلى عرضها من جديد على توفيق التي أبدت إعجابها الشديد بها وأخذتها.
ونوه شويري من جهة ثانية إلى أن كل من صباح وتوفيق كانتا على علم مسبق بأن الأغنية بيعت لكلتيهما، رافضاً أن يكون كبش فداء بين ما أسماه “حساسيات فنية” بين الفنانتين.
بعد مرور أكتر من ١٤ عاماً على خلاف أغنية “أيام اللولو” اجتمعت الفنانة “صباح” مع “سميرة توفيق” في برنامج تلفزيوني خاص، وتطرقتا خلاله إلى الخلاف، حيث قالت صباح أن الأغنية كانت أجمل بصوت سميرة، الأمر الذي يدل على أخلاقها الفنية وإنسانيتها العالية.
علاقتها مع عمالقة الغناء العربي
رغم المنافسة الكبيرة التي جمعت بين صباح وفيروز، قطبي الأغنية اللبنانية، إلا أن الوسط الفني والإعلامي لم يشهد أي خلاف أو حرب خفية بينهما، بل حرصت صباح على حضور عدة مهرجات أقامتها فيروز في لبنان، وعبّرت في آخر مقابلة تلفزيونية أجرتها قبل وفاتها أنها تقدر فيروز كثيراً خاصة أن الأخيرة تواصل الاتصال بها والاطمئنان عليها.
وجمعت علاقة صداقة قوية أقرب إلى الأخوة والصلة العائلية بين كل من صباح ووديع الصافي، الأمر الذي انعكس على أعمالهما المشتركة في عدة مسرحيات، أبرزها: “موسم العز” و”تضلوا بخير”، كما أن أقرباء صباح أكدوا أنها دخلت في حالة حزن شديدة عندما علمت بوفاته.
وعن صداقة صباح بالموسيقار السوري فريد الأطرش، الذي لطالما وصفته ب”الأمير”، فتعود إلى مصر عندما كان جارها ويسمعها جميع ألحانه من النافذة، بعد أن منحها عدداً منها، أبرزها: “حبيبة أمها”.
أما علاقة صباح بكوكب الشرق أم كلثوم، فبدأت بمزحة بينهما عندما التقيتا في خمسينات القرن الماضي وكانت صباح وصلت حديثاً إلى مصر، فسألتها أم كلثوم عن رأيها بالطقس في مدينة القاهرة، لتجيبها أنه جميل جداً لولا الناموس أي (البرغش)، وهنا استطردت أم كلثوم قائلة: “ليه عندكو في لبنان مفيش ناموس؟” (قصدت الشرف)، لترد عليها صباح بسرعة بديهة: نحنا الناموس طلع من عنا.
يذكر أن الشحرورة صباح توفيت في ٢٦ تشرين الثاني عام ٢٠١٤ في غرفتها بأحد فنادق العاصمة اللبنانية، بيروت، بعد أن ملأت الدنيا طرباً وجمالاً وفناً خالداً لا يحجبه الغياب.
Views: 3