تحمل الطفلة أمينة ذات العشرة أعوام بين ذراعيها الناعمتين طبقاً خشبياً صغيراً تضع فيه بعض البسكويت والمسك وعلب محارم صغيرة وتجوب شوارع العاصمة دمشق .. أمينة في الصف الرابع الابتدائي تقول: إنها لم تعد تذهب للمدرسة، والدها توفى، والدتها مريضة وشبه عاجزة، وأخويها أيضاً يعملان في بيع البسكويت وغيرها لتأمين ما يسد رمق العائلة .. بينما سامر ـ 13 سنة ـ يعمل في تصليح السيارات هو أيضاً خارج المدرسة حيث أكدّ أنه مضطر للعمل لمساعدة أسرته التي تعاني ظروف مادية قاسية جداً بعد أن تهجر وعائلته من بيته بسبب الإرهاب واضطرارهم للإيجار في منطقة سكن عشوائي، لافتاً أنه تنقل للعمل في مهن عديدة في سبيل تأمين قوته اليومي.
الحرب على سورية تسببت بفقدان الكثير من العائلات لعملها ومصادر رزقها إضافة إلى التهجير فكانت من أهم الأسباب التي دفعت بالكثير من الأطفال للعمل في مهن مختلفة بهدف مساعدة أسرهم في تأمين لقمة العيش .
شروط قانون العمل
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن عمالة الأطفال ..
معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل راكان الإبراهيم أكدّ أنّ الأحكام الناظمة لعمل الأحداث في قانون العمل رقم (17) لعام 2010 والقرار الوزاري رقم (12) لعام 2010 المتضمن نظام تشغيل الأحداث، حيث نظم الفصل الثاني من قانون العمل تشغيل الأحداث في المواد ( 113وحتى 118 ) منه فقد حظرت هذه المواد من القانون تشغيل الحدث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمرهم أيهما أكبر، مع الإشارة إلى أن تشغيل الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من عمرهم ليس متاح في جميع الصناعات والمهن حيث حظر القرار الوزاري رقم 12 لعام 2010 الناظم لتشغيل الأحداث عدم تشغيلهم بعدد من الأعمال والصناعات والمهن التي تؤثر على تركيبهم الجسماني والنفسي كالعمل تحت سطح الأرض في المناجم، والعمل على الأفران المعدة لصهر المواد المعدنية، واستخلاص التوتياء وتكرير وتصفية البترول وغيرها …، لافتاً أن القانون منع صاحب العمل من تشغيل الحدث لأكثر من ست ساعات يومياً أو تكليفه بالعمل الإضافي أو تشغيله بالعمل الليلي، إضافة إلى أنه ألزم صاحب العمل قبل تشغيل أي حدث بأن يطلب من وليه أو الوصي عليه المستندات التالية ( إخراج قيد مدني – شهادة صحية صادرة عن طبيب مختص تثبت مقدرته الصحية على القيام بالعمل الموكل إليه – موافقة الولي أو الوصي الخطية على العمل في المنشأة )، وكذلك منح الحدث إجازة سنوية مدتها ثلاثون يوماً بغض النظر عن مدة خدمة الحدث لدى صاحب العمل، كاشفاً أنّ مجموع الغرامات المفروضة بحق أصحاب العمل المخالفين لأحكام المواد المذكورة أعلاه هذا العام بلغت 51 مليوناً و 68 ألف ليرة، بينما بلغ إجمالي غرامات عمالة الأطفال منذ عام 2010 لحد الآن حوالي نصف مليار ليرة .
دعم الطفل نفسياً واجتماعياً
وبيّن الإبراهيم أنّ الوزارة اتخذت العديد من الإجراءات أهمها تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لـ250 طفلاً متورطين في عمل الأطفال أو معرضين لحظر ذلك، وكذلك دمج عمل الأطفال في مناهج منصة الخدمات المتعددة والأنشطة التعليمية ذات الصلة المقدمة لـ400 طفل باستخدام تقنية دعم حق الأطفال من خلال التعليم والفنون ووسائل الإعلام والمواد الأخرى إضافة إلى توفير التدريب المهني والمهارات الحياتية لـ100 طفل من المراهقين وذويهم، مشيراً أنه تم الوصول إلى 655 طفلاً لدعمهم وإخراجهم من أسوأ أشكال عمل الأطفال، منوهاً ببناء قدرات 28 من مقدمي الرعاية في 16 مركزاً مجتمعياً من خلال توفير برنامج تعليمي ( SCREAM ) لأكثر من 500 طفل، علماً أنه تم الانتهاء من مرحلة التدريب النظري بالتعاون مع منظمة المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية وحالياً الوزارة بصدد المرحلة العملية حيث تم وضع المستفيدين في المنشآت من أجل تدريبهم على مهن بمجالات مختلفة ( كهرباء وخياطة ).
المفهوم السلبي والإيجابي
للاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين رأيهم في تأثير هذه الظاهرة على صحة الأطفال النفسية والجسدية والاجتماعية.
بدوره الاختصاصي النفسي والاجتماعي الدكتور حسام الشحاذة بين أنه من الضروري توضيح مفهوم هذه الظاهرة، والتي غالباً ما يشار إليها بطريقتين أحدها كمفهوم سلبي والثانية إيجابي..
المفهوم السلبي يشير إلى نوع من العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل ويهدد صحته النفسية والجسدية والاجتماعية في حاضره أو مستقبله وتعوق معايشته لكافة مراحل الطفولة واحتياجاتها. واستغلاله في عمالة رخيصة وبديلة عن عمالة البالغين.
بينما المفهوم الإيجابي يتضمن كافة الأعمال التطوعية أو المأجورة التي يقوم بها الطفل، والتي تناسب عمره وقدراته ولها آثار إيجابية على نموه العقلي والجسمي والذهني ويتعلم من خلالها تحمل المسؤولية والتعاون والمنافسة بإشراف: المعلم، ولي الأمر، معلم حرفة.
واقع اقتصادي واجتماعي سيئ
وأوضح الشحاذة أن أسباب ظاهرة عمل الأطفال يعود إلى نتاج واقع اقتصادي واجتماعي سيئ تعيشه الأسرة وتدفع بالطفل دون اختيار منه للعمل في مهن لا تناسب خصائص الطفولة بسبب غياب معيل الأسرة ( الأب – الأم – الأخ البالغ ) نتيجة الوفاة أو العجز الجسدي أو الهجرة أو التفكك الأسري، مؤكداً أنّ الحرب على سورية أدت إلى تفاقم حجم هذه الظاهرة وانتشارها بنسب ليس من السهل تجاهلها، كحالة التهجير من المنزل وما رافقها من سوء الحالة الاقتصادية للأسر المهجرة بسبب تخريب البنية التحتية للمؤسسات التعليمية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة وزيادة نسب التسرب الدراسي والأمية بين الأسر ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المتدني .
يقول الشحاذة: إنه على الرغم من أهمية الجهود المبذولة من كافة القطاعات الحكومية والخاصة والمنظمات الشعبية لا زالت الخطط والبرامج الموضوعة لحماية حقوق الأطفال خجولة، فالحلول الموضوعة من قبل الجهات المعنية حلول آنية ( وجبات غذائية، تأمين سكن مؤقت، رعاية صحية ) دون السعي إلى وضع خطط وبرامج على المدى المتوسط والطويل، ودون وضع آليات لمراقبة الحالات التي تم علاجها أو التي عولجت وارتدت إلى العمالة المبكرة، مشيراً إلى أنّ البعض يعتقد أن عمالة الأطفال يقف خلفها العامل الاقتصادي والحرب على سورية فقط، ويغيب عن الفكر أن هذه الظاهرة تنتشر بين الأسر التي يشيع فيها الجهل والأمية، ففي دراسة أجريت على مستوى جامعة دمشق عام 2007 وعرضت في مؤتمر الباحثين الشباب تبين فيها أن الأسر التي يكون فيها أولياء الأمور من فئة الأميين لديهم استعداد نفسي وانفعالي للموافقة على تسرب الطفل من المدرسة والانخراط في العمالة المبكرة في مهن لا تليق بخصائص الطفولة من النواحي النفسية والانفعالية والعقلية والمعرفية .
مخاطر
تعتبر ظواهر ( الأميّة – التسرب المدرسي – عمالة الأطفال – جنوح الأحداث ..) مخاطر مجتمعية على اعتبار أن هؤلاء الأطفال قد ينمو لديهم اتجاهات سلبية وقد يفكر بعضهم بممارسة السلوك العدواني نحو الذات أو تجاه الآخرين، ما يمهد الطريق لنمو الميول والاتجاهات المضادة للمجتمع، وقد يتم استغلال هؤلاء الأطفال في نشاطات غير قانونية ومشبوهة حسب د. الشحاذة، حيث يمكن أن يشكلوا في المستقبل قنبلة بشرية موقوتة للجنوح نحو الجريمة أو تعاطي المخدرات أو العنف.
وختم بالقول: إنّ النداء موجه للجهات المعنية لبحث عوامل ومسببات هذه الظاهرة ومعالجتها بشكل شمولي وحقيقي ( أي البحث في المسببات والعوامل المعرفية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية .. ) ذات الأثر القريب وبعيد المدى في التأثير على هذه الظاهرة .
Views: 11