مساع كثيرة وجهد كبير بذلته المؤسسة العامّة للسينما لتفعيل الحراك السينمائي وتشجيع الجمهور على حضور مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بدورته الخامسة، لعلّ أبرزها إزاحة بعض الحجج من طريقه ومنها المادية التي طالما تحدّثنا عنها في مناسبات سابقة وكانت تقف عائقاً أمام البعض وتشكّل مسوغاً لدى البعض الآخر، لكن في هذه الدورة ومع مجانية العروض صار بإمكان كل راغب بحضور الأفلام التي يختارها من القائمة المحددة وفي أي يوم من أيام المهرجان وفي أي صالة عرض يحبّذ، سواء أكانت ضمن تظاهرة الأفلام الطويلة التي خصصت لأفلام الألفية الثالثة الفائزة بجوائز عالمية أم أفلام الهواة أم المحترفين الذين شاركوا في مسابقة الأفلام العربية التي لم تأتِ بجديد -والحديث هنا عن أربعة نماذج- من حيث الرّؤية البصرية والدّرامية، لكنّها تناولت بالعموم الهمَّ الوطني والوجع المجتمعي على اختلاف البلاد التي أتت منها.
أما الفيلم الأول «حكايا من مراكز الإيواء»، فتوثيقي للمخرج غسان شميط إنتاج المؤسسة العامة للسّينما، وخلال مايقارب السّاعة من الزمن عرض شميط لما عاناه أهلنا على أيدي إرهابيين لم يعرفوا الرّحمة ولا الإنسانية، من قتل وفقد وتهجير من أرضهم ومسير ألم وجوع وعطش وبرد وحر، في الليل والنهار، لحماية من تبقى من أفراد أسرهم وصولاً إلى مراكز الإيواء التي جمعتهم بآلام غيرهم من مناطق أخرى، أو وصولاً إلى الموت الذي خطط له الإرهابيون بغدرهم وحقدهم.
لايشعر المشاهد للأفلام العربية بالغربة لكونها تتحدث عن مجتمع لا يختلف كثيراً عن مجتمعنا، كالشيخوخة والوحدة التي تحدّث عنها فيلم «ونس» من مصر، تأليف وإخراج أحمد نادر الذي حلّق بخياله وجعل حكايته مشابهة لحكاية فيلم «حبيبتي» الذي لعبت بطولته فاتن حمامة ومحمود ياسين، وعلى مبدأ سينما داخل سينما، يبدأ نادر فيلمه بمشهد رومانسي يجمع بطلي «حبيبتي» لتتتالى بعده أحداث وتفاصيل بطلي «ونس» الفنانين رجاء حسين وعبد الرحمن أبو زهرة، وذكريات تنهش بجسد وروح العجوز الأرملة لحين رحيلها.
وعن الفكرة ذاتها، دارت عدسة «مصور بغداد» وبكل كبسة زر كان يروي ويوثق قصة جديدة من حياة أسرة عراقية عانت الفقد في هذه الحرب المجنونة، الفيلم صامت من تمثيل آلاء نجم وإياد الطائي ولبوة صالح ومهند ستار وأمير الحنين سيناريو وإخراج مجد حميد، إنتاج 2017.
أما المخرج محمد البلوشي، فانطلق من عبارته «أنت تحلم.. اقتل نفسك.. عشان تصحى» التي كررها أكثر من مرة في فيلمه «أثر رجعي»، معتمداً على صورة وحركة بطل الفيلم شاكر البلوشي بالتشارك مع أغنية أم كلثوم «أنت فين والحب فين» الخلفية الثابتة دائماً مع ظهور خلفية موسيقية تغوص وتطفو حسب الحالة الشعورية والفكرية التي اشتغل عليها البلوشي ومثله يفعل الكثير من السينمائيين العرب عموماً والسوريين خصوصاً على اختلاف مستوياتهم وإمكاناتهم وقدراتهم وحاجاتهم، والأمل والهدف دائماً النهوض بمجتمعاتنا، لذلك: لاتحزنوا.. فإنّ السّينما معنا!!، ويبقى لهم ولنا شرف المحاولة دائماً.
Views: 0