نظريّاتٌ جديدة تتّهم الصين بالوقوف خلف انتِشار فيروس كورونا.. وبايدن يُوَظِّف أجهزة مُخابراته بالتّحقيق.. هل نحن أمام “فبركات” جديدة لتبرير حرب قادمة ضدّ الصين؟ ولماذا الآن وبعد عامٍ من إغلاق هذا المِلَف؟ وما الجديد؟
هُناك مثلٌ عربيّ دارج يقول “عندما تُفلِس الحُكومة، تعود إلى دفاترها القديمة”، وهذا المثل ربّما ينطبق حرفيًّا على إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن، وحملته الشّرسة الحاليّة ضدّ الصين، واتّهامها بأنّها تَقِف خلف تسريب وانتِشار فيروس الكورونا.
قبل عام اختفت هذه النظريّة، واعتقد الكثيرون أنّ الرئيس السّابق دونالد ترامب المعروف بسجلّه الحافل بالأكاذيب (أكثر من ألفيّ كذبة رصَدتها له صحيفة واشنطن بوست) هو الذي كان يتبنّاها ويَقِف خلفها، كجُزءٍ رئيسيّ من حربه الباردة على خصمه الصّيني الذي يُهَدِّد بالإطاحة ببلاده، أيّ أمريكا، من زعامتها للعالم، ولكنّ هذا الاعتِقاد يعود هذه الأيّام، بعد أن قرّر الرئيس بايدن، وبإيعازٍ من مُستشاره الصحّي، تبنّي هذه النظريّة مُجدَّدًا والسّير على نهج مُنافسه الجُمهوري ترامب.
في الأسابيع الأخيرة، أصرّ عُلماء بارزون أنّه لا يُمكن استِبعاد فرضيّة تسرّب هذا الفيروس (كورونا) من معامل ووهان الصينيّة، وطالبوا في رسالةٍ بعثوا بها إلى مجلّة (ساينس) العلميّة في وقتٍ سابق من هذا الشّهر إلى إجراء تحقيق مستقل، ومُعظم هؤلاء الخُبراء في علم الأوبئة (عددهم 18 عالمًا) ومن جامعاتٍ كُبرى في العالم الغربيّ مِثل هارفارد، وكامبردج، وستانفورد ويُؤكّدون في رسالتهم أنّهم باتوا يعتقدون بأنّ الفيروس على الأرجح تسرّب من مُختبر وليس من الخفافيش المُصابة مثلما كان سائدًا في السّابق، خاصّةً بعد الفشل في العُثور على أيّ من هذه الخفافيش رُغم عمليّة البحث المُكثّفة في هذا المِضمار.
تزامن هذه التّقارير مع تصاعد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، والمُستعرة أوارها حاليًّا، ونجاح الصين في السّيطرة على الفيروس، واستِعادة مُعدّلات نموّها الاقتصادي، وتطوير صناعاتها العسكريّة، هذا التّزامن قد يأتي في إطار مُحاولات الإدارة الأمريكيّة لشيطنة الخصم الصّيني، وتوظيف فيروس كورونا لتحشيد العالم ضدّه.
الرئيس بايدن يُريد تَسييس هذه المسألة، أيّ اتّهام الصين بالوقوف خلف هذا التّسريب للفيروس مُتَبنِّيًا نظريّة المُؤامرة التي روّج لها خصمه ترامب، وربّما لتحويل الأنظار عن اتّهامات مُضادّة مُوجَّهة للولايات المتحدة الأمريكيّة نفسها، ولهذا أصدر تعليماته لمُجمّع أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة (أكثر من 17 جِهازًا) بإجراءِ تحقيقٍ لمَعرفةِ أصل الفيروس.
لا نُعارض مُطلقًا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” إجراء تحقيقٍ علميٍّ مُعمّق لمعرفة الحقيقة، وحسم الجدل في هذه المسألة، شريطة أن يكون هذا التّحقيق مُحايِدًا وبإشراف منظّمة الصحّة العالميّة الدوليّة، ومن قِبَل خُبراء في علم الأوبئة من مُختلف أنحاء العالم، وإذا جاءت النّتائج بأدلّةٍ دامغةٍ للصين أو الولايات المتحدة، أو أيّ جهةٍ أُخرى، فإنّ هذا الطّرف المُدان يجب أن يُواجِه العِقاب الذي يستحقّ، أمّا تسييس هذه الكارثة الإنسانيّة، وإلصاقها بالصين دون أدلّة وتحقيقات مُحايدة، فأمْرٌ مرفوض، لأنّنا لا نَثِق بالولايات المتحدة بسبب تاريخها الأسود الحافِل بالتّزوير والتّضليل، وفبركة الأدلّة لخوض الحُروب، وآخِرها في العِراق.
“رأي اليوم”
Views: 2