الحديث في صناعة النّشر والكتاب، لا يمكن أن يكون بعيداً عن الظّروف الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد، وإن كان هناك من يرفض القول إنّ النّشر والكتاب ليس صناعة إنّما حاجة فكرية بعيدةٌ كلياً عن الرّبح، وإن كانت القراءة في الوطن العربي عموماً في تراجع من الأصل، فكيف بها في ظلّ كلّ الأزمات التي نعيشها منذ عشر سنوات والتي فرضتها الحرب على سورية، ومن ثمّ وباء كوفيد 19 والجمود الاقتصادي والاجتماعي والفكري الذي رافقه، يقول الدّكتور مصطفى الكفري: في كلّ العالم هناك أزمتان الأولى اقتصادية، والثانية بسبب كورونا، وأمّا نحن فلدينا ثلاث أزمات: الحرب علينا والاقتصاد وكورونا، نعم لقد تأثّرت صناعة الكتاب والنّشر بما يسمّى “الرّبيع العربي”، والأزمة الاقتصادية العامّة، وخرجت من ساحة دور النّشر دول كانت رمزاً في هذا المجال مثل اليمن والعراق وليبيا.. كما تراجعت عملية النّشر في دول كسورية والجزائر اللتين كانتا سوقين للنّاشر العربي وصناعة الكتاب.
ويضيف الكفري: كانت المطابع العربية تنتج مئات العناوين لسوقها المحلي وللسّوق العربية، وهذا بسبب الأزمة الاقتصادية أصبح من الماضي، كما أنّ العديد من الدّور أقفلت أبوابها، وقد تكون دور النّشر الكبيرة أكثر تضرراً بسبب تكلفتها التّشغيلية العالية، والأعباء المالية المترتبة عليها، وهناك وضع كارثي تعانيه هذه الدّور وصناعة الكتب إذا بقي الوضع هكذا سنكون في الوضع الأشد سوءاً، موضّحاً: لقد تأثرت الدّول العربية منذ عام 2008 واستمرت في تقليص الميزانيات، وبالتّالي خروج الموزعين والكتب من السّوق، وهذا أدّى إلى تفاقم مشكلة التّوزيع وتزوير الكتب والقرصنة على الإنترنت، في الحقيقة بداية العام الفائت كان معرض الكتاب في مصر الحدث الأكثر أهمية وكذلك معرض كتاب البيضاء حيث كانا متنفسين للنّاشرين العرب، لقد جعل وباء “كورونا” الكتاب في غيبوية وتسبب بتوقف سبعة معارض عربية كانت متنفساً للنّاشرين، ومصدر الدّخل الأساس لهم، حيث أدّت الإجراءات الاحترازية إلى توقّف النّشر وتوقّف هذه الصّناعة، كما تراجعت المبيعات بنسبة 80% وتعرّضت صناعة النّشر والكتاب لخسائر كبيرة، وهذا سيستمر إلى فترةٍ طويلةٍ حتّى يتعافى القطّاع من جديد.
ويشدد هيثم الحافظ رئيس اتّحاد النّاشرين السّوريين على أثر الحرب على سورية على صناعة النّشر وليس الكتاب فقط، موضّحاً: تبدأ صناعة النّشر من عند المؤلّف، وهي صناعة نعتزّ بها ونحاول تطويرها، نمرّ اليوم في ظروف صعبة بسبب الحرب الإرهابية على سورية والـ”كورونا” و، لكن نحن دائماً نقول مع أبطال النّاشرين سنحقق النّمو والتّطوير، مبيناً: نبحث دائماً عن محتوى جيّد، وهذه المشكلة ليست في سورية فقط، بل في الوطن العربي كلّه، ليس لدينا كتاب جديد في سورية، ربّما المشكلة أكثر تعقيداً، من يعطيني اسم كاتب سوري مشهور يعرفه مليون مواطن ؟ قد لا نجد أحداً.
ويضيف الحافظ: تطوير صناعة النّشر يجب أن تبدأ من صناعة الكتاب والتّعاون مع الإعلام والشّركات لرعاية حفل توقيع كتاب على المستوى العالي، وهذا ما نفتقده في سورية، هناك شركات ترعى أنواعاً من الرّياضة وغيرها لكن أن ترعى حفل توقيع كتاب فهذا من النّادر، يجب أن نعمل على إيجاد آلية جيدة لتوزيع الكتاب وتحقيق الأرباح لكي ينطلق العمل إلى عمل تجاري.
ويخالف الحافظ الدّكتور الكفري ويتساءل: هل يمكن أن يكون عمل النّاشر تجارياً؟ ويجيب: نعم يجب أن يكون كذلك وعندما يكون غير ذلك تسقط صناعة النّشر وتضعف، رؤية الدّكتور مصطفى فيها شيء من تسليط الضّوء على الواقع لكنّها نظرة تشاؤمية وأنا أخالفه، فنحن ورغم الحرب على سورية شاركنا كناشرين بكلّ المعارض، لكن الـ”كورونا” هو الذي أثّر علينا، منوهاً بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب للوصول إلى بروتوكول ينهي هذه الأزمة، مضيفاً: يجب أن يكون لدينا صناعة نشر جيدة وعشرات الكتّاب المتميزين الذين نستطيع بهم غزو الأسواق المحلية والعربية.. نحن لا نقلل من دور الكتّاب على العكس لدينا كتّاب مهمّين لكنّ الإعلام لم يساعدهم.. ونحن كناشرين ساهمنا بها وكذلك الكتّاب أنفسهم.
ويضيف الحافظ: الـ”كورونا” أثّرت كثيراً على صناعة النشر في الوطن العربي، أمّا في سورية، فكان تأثيرها أقل لسببين، الأول هو أنّ دور النّشر تعمل بإمكانية التّشغيل أقل من دور عربية، وربما أجنبية هناك دور نشر عربية انتهت، لكن لدينا لم تتعطل دور النّشر، واستطعنا تجاوز هذه الأزمة، والثّاني هو أنّ دور النّشر السورية التي تشتغل من مكاتب خارج سورية، وهذا موجود قبل الحرب، فالنّاشر السّوري في بيروت يشتغل وبقوة، وكذلك في مصر أكبر دار نشر سورية، وهو يعمل تحت مظلة الاتحاد، موضّحاً: نحن عمرنا صغير في اتّحاد النّاشرين الدوليين ومانزال بالسنة الخامسة عشرة، ومع ذلك كنّا نسير بشكل إيجابي ومانزال نحافظ على المركز الثّاني بعد مصر بالتوازي مع لبنان.
ويفرّق الأديب والمترجم حسام خضور بين مؤسستين تعملان في هذا المجال، يقول: ثمّة مؤسسات عامّة وأخرى خاصّة تعمل في هذا المجال، هذه الصناعة تعمل على إنتاج الكتاب في ثلاثة أشكال.. نحن في الهيئة السّورية العامّة للكتاب ننتج الكتاب الورقي والإلكتروني والمسجّل، وهذه الأشكال التي ارتقت إليها صناعة الكتاب محلياً وعالمياً، ولايزال الكتاب الورقي في الصّدارة، لكنّ هذه الصّدارة ستتراجع أمام الكتاب الإلكتروني.. فالكتاب الورقي أصبح يشكّل عبئاً على بيوتنا، والكتاب الإلكتروني يأخذ مكانة أكبر يوماً بعد يوم، ويحلّ مشكلات كثيرة، ومن يقول إنّ الكتاب الإلكتروني يؤذي العين، أقول إنّ الكتاب الورقي أكثر ضرراً للبصر، والاستثمار في مجال إنتاج الورق هدّام لأنّ الانطلاق من الشّجرة إلى المعامل التي تحوّل الشّجرة إلى ورق والأحبار والمكنات والمصانع والمستودعات كلّ هذا يستهلك ويستنزف استثمارات هائلة يمكن أن توظّف في مجالات أخرى إذا اعتمدنا الكتاب الإلكتروني.
وخلال مشاركته في الجلسة الـ32 من لقاء “شآم والقلم” الثّقافي الشّهري في “أبو رمانة” وضع خضور الحضور في صورة معاناة الهيئة من هذه الأزمات، يقول: نحن تأثّرنا لكن لم يقل إنتاجنا بل بقي وربّما تطوّر في العام الماضي تأثّرنا بسبب عدم وجود الورق ومواد الطّباعة وهذا سببه حصر استيراد الورق ومواد الطّباعة بمؤسسة واحدة، ومتجاهلاً تقنين الكهرباء والأزمة الاقتصادية يرى خضور أنه كان بإمكان وزارة التّربية أن تحوّل المحنة إلى فرصة واعتماد الـ”تاب” للدراسة لتخفف بذلك على الطالب حقيبته الكبيرة.
وبالحديث عن القرصنة التي ازدادت خلال الحرب على سورية، يقول الحافظ: الحرب جعلت القرصنة متاحة بشكل أكبر بسبب صعوبة ردعهم، ورغم تعاوننا مع وزارة الثّقافة وحماية حقوق المؤلّف لكن ماتزال القرصنة موجودة في سورية ونتمنى أن نتعاون ونلغي ثقافة الاستباحة من المنظور الاجتماعي.. مثلاً الكتاب موجود بألف ليرة وبمكان مقرصنة بـ500 لا نريد أن يأتي أحد ويقول إنّ شراء الكتاب المقرصن هو شطارة، بل يجب أن نقول له إنّك تخالف الأخلاق السّورية والعرف، وهذا بحاجة لعرف اجتماعي وأخلاقي قبل وجود الرّادع القانوني، منوهاً بأنّ صاحب القرار في هذه المسألة هو وزارة الثقافة والضابطة العدلية، يقول: نحن نعلم الوزارة فقط بما هو موجود في الأسواق، ولدينا تعاون كبير في هذا الخصوص، ونعمل بشكلٍ إيجابي، وهناك متابعات دائمة، لكن المشكلة كبيرة ونشير بالحل بها.
وفي مداخلة له، يوضّح الدّكتور محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب أنّ صناعة النّشر في المؤسسات الحكومية ليست ربحية وإنما تنموية، وهدفها تثقيف المجتمع، ونحن في الاتّحاد عندما أطلقنا مبادرة بيع الكتاب بمئتي ليرة جاءت بعض دور النّشر لتشتري منّا وهدفها البيع والرّبح، ورفضنا ذلك لأنّ هدفنا الوصول إلى طلاب الجامعات بالدّرجة الأولى، المفروض عندما نتحدث عن أبطال النشر، أن نتحدث عن ناشر قادر على التّضحية ودفع بعضاً من أمواله.
ويؤكّد الحوراني: هناك كتّاب حقيقيون ومهمون، لكنّهم لا يجدون ناشراً يعطيهم حقوقهم بل يعطونه 25 نسخة فقط من كتابه، وهناك بعض النّاشرين ممن يرسلون من يختصر الكتاب وبالتّالي يفقده أهميّته.. وهناك ناشرون يفعلون أكثر من ذلك حيث يسمحون لأحدهم بأن يكتب للآخرين مقابل المال.. أنا أتاني أحد النّاشرين وطلب منّي موافقة فورية لأحد المخطوطات، وربّما هكذا تعوّد في السّابق أمّا أنا فقد رفضت ذلك..
ويؤكّد الحوراني: علينا العمل على تنقية هذا الشّر ومعاقبة المرتزقة الذين أتوا.. يجب العمل بأخلاق ولاسيّما في المرحلة الخطرة من تاريخ سورية، منوهّاً بأنّ الشّعر هو أقل الأنواع الأدبية المطلوبة في المعارض.
ت: صالح علوان
Views: 7