في مشفى المجتهد .. ملجأ الفقراء
يعمل الأطباء بأبسط المستهلكات الطبية و مئات الخدمات العلاجية يومياً.. أعطال متكررة في الأجهزة والإدارة تبرر: بسبب الضغط الهائل
بادية الونوس
مشاعر مختلطة تشعر بها لدى دخولك مشفى المجتهد, تارة بالألم والوجع لما آلت إليه الظروف بسبب الحرب على سورية والحصار الأمريكي الجائر, وأخرى بالفخر والاعتزاز لما قام به الجيش الأبيض من خدمات جليلة بإمكانات جد متواضعة, أي حسب تعبير أحد الأطباء (من لا شيء قدمنا أشياء), كأن يضطر الطبيب في بعض الظروف للعمل بأكياس نايلون بدلاً من (الكفوف) المطاطية, أو أن يعمل من دون ارتداء الكمامات في ذروة انتشار فيروس (كورونا), بمعنى؛ يعمل الكادر الطبي بأبسط الإمكانات اللازمة وغياب أبسط المستهلكات الطبية التي تعد من بدهيات العمل, وحدها وجوه البسطاء وذوو المرضى تؤكد المؤكد وهو أنهم هم من دفعوا الفاتورة في كل الظروف التي مرت بها البلد جراء الحرب, في هذا الموضوع نسلط الضوء على واقع العمل في مستشفى المجتهد من جهة الخدمات المقدمة، العراقيل والصعوبات، والمطلوب لتقديم الخدمة الطبية بجودة أفضل.
وقفة مع الوجع
أمام باب الإسعاف ينتظر عدد من المراجعين مع ذويهم, ولأن الوجع يوحّد قلوب الناس، تجد وراء ملامح كل وجه قصة وجع أعيتها الأمراض والظروف الضاغطة ومعاناة تحمّل الحرب الظالمة, في وقفة مع ذوي المرضى، أكدوا أن التعامل جيد، بينما الخدمات دون المقبول، حيث تنقصها الإجراءات الطبية التي يفترض أن تتوفر في مشفى مركزي.
أجهزة معطلة!
من منطقة الكسوة جاء حسين يقول: أدخلت والدتي إلى قسم الصدرية لإجراء عمل جراحي, لأن المشفى الحكومي هو ملجأ الفقراء, وبأسعار رمزية لا تقارن بالقطاع الخاص خاصة (الخمس نجوم), فضلاً عن وجود أطباء من خيرة الأساتذة, لكن هل يعقل أن مشفى حكومياً بحجم المجتهد أجهزته الطبية معطلة ولأوقات طويلة مثل جهاز تنظير الصدرية والطبقي محوري وغيره؟ إضافة إلى عدم توافر إجراء التحاليل الطبية المطلوبة, الأمر الذي يجبر المريض إلى التوجه إلى المخابر الخاصة؟
ضالة كل الفقراء
(منذ ساعات أنتظر أختي التي أسعفتها من جراء نوبة رمل) تقول سلام من (حران العواميد), سلام التي ترى هذا المشفى ضالة كل الفقراء حتى لو انتظروا طويلاً لأن أعداد المراجعين كثر، لكن المهم علاج المريض في النهاية، ولا ننكر أن التعامل جيد من قبل الجميع.
أبو سامر يقول: سقط ولدي عن الدرج وأدى ذلك إلى كسور فضلاً عن أنه يعاني من نقص أوكسجين في الدماغ, وتم إجراء اللازم له, وهو في حالة مستقرة.
معطل أو انتظار!
سهام تريد إجراء صورة طبقي محوري للرأس وتقول: راجعت أكثر من مرة وفي كل مرة يكون الجهاز معطلاً, وفي حال كان في الخدمة يحتاج تسجيل دور, والانتظار لأشهر, وفي هذه الحالة إما الانتظار وإما التوجه للمشافي الخاصة التي يصل فيها سعر صورة الطبقي محوري إلى 90 ألف ليرة دون انتظار أكثر من يومين, متسائلة: كيف يؤمن المستشفى الخاص أجهزة وصيانة دورية بينما في القطاع العام يبقى معطّلاً فترات طويلة؟!
د.محمد أبو ريش رئيس قسم الإسعاف قدّم لنا عرضاً عن آلية العمل في القسم بدءاً من استقبال المريض في قسم الفرز المستحدث مؤخراً لتوفير العناء والوقت على المريض في البحث والتوجه للقسم المطلوب قائلاً: لدينا 100 طبيب في قسم الإسعاف يعملون على مدار الساعة ومئات من المراجعين يومياً للقسم منوهاً بأن عدد الحوادث اليومية تصل نحو 200 حالة والداخلية 180 حالة والعينية تصل نحو 30 حالة في حين تصل حالات الإنعاش نحو 12 حالة .
نقص في المعدات بسبب الضغط
يشير د. أبو ريش إلى أن أبرز المشاكل التي تعرقل العمل هي نقص المواد حتى أحياناً يكون النقص حاداً في أبسط المستهلكات الطبية كما حدث أمس (قلبنا الدنيا على إبرة كورتيزون).
تعطّل الأجهزة المستمر يؤدي إلى عرقلة العمل كأن يحدث أن يتعطل جهازا الطبقي محوري والإيكو وهذا يعود إلى الضغط الهائل على المستشفى, وتوضيحاً منه على استفسارنا لماذا لا يحدث ذلك في القطاع الخاص، أجاب د. أبو ريش: إن القطاع الخاص لا يواجه الضغط الذي يواجهه المشفى الحكومي الذي يقدم خدمة تصوير الطبقي محوري بسعر رمزي جداً, بينما القطاع الخاص تصل صورة الطبقي أحياناً نحو 90 ألف ليرة. هذه الفروقات في الأسعار بين القطاعين تؤدي إلى الضغط الكبير من جهة عدد المراجعين وتنتج عن ذلك الأعطال المتكررة.
ومن خلال جولتنا ولقاء المرضى تبين وجود نقص حاد في مادة الجبس الأمر الذي يجبر ذوي المريض على شرائها من خارج المشفى والسؤال: أين تذهب الكميات المخصصة؟، فحسبما أكده بعض العاملين في المشفى، منذ شهر لا توجد مادة الجبس!
يبين د. أبو ريش في رده عن توافر مادة الجبس للكسور أن الكميات تم توزيعها، موضحاً أن قسم الإسعاف بحاجة يومياً إلى كميات ومستهلكات كبيرة بينما الكميات المتاحة والمتوافرة محدودة.
نقص وعراقيل
من أهم عراقيل العمل حسب د. أبو ريش الإحالات الطبية التي تأتي إلى المستشفى من مختلف الجهات العامة الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً على سير العمل.
د. سامر يحياوي رئيس قسم العناية المشددة الإسعافية الذي استعرض آلية العمل في القسم من خلال تحويل المريض لهذا القسم, وبعد استقرار حالته يأخذ العلاج، وقال: إن عدد الأطباء في العناية الإسعافية ثمانية أطباء متواجدين على مدار الساعة, ولكن يعاني القسم من نقص في أطباء الداخلية والطوارئ حيث لا يتجاوز عدد أطباء الطوارئ ثمانية أطباء في حين الحاجة الفعلية 100 طبيب, داعياً الجهات المعنية وخاصة وزارة الصحة إلى الاهتمام بطب الطوارئ.
من لا شيء
أحد الأطباء قال: نحن من لاشيء نقدم أشياء، وهناك نقص حاد في أبسط الأدوات فأحياناً يضطر الطبيب إلى العمل بأكياس النايلون لعدم توافر(الكفوف) المطاطية, أيضاً هناك نقص في الكمامات وغيرها.
د. علي الخليف جراحة عامة يتفق مع زملائه فيما يخص الضغط الكبير على المشفى، حيث يجرى يومياً من 3 إلى 8 عمليات جراحية، مشيراً إلى توافر العناية والخبرات الجيدة.
النظافة بشكل جزئي
من بعض الملاحظات خلال جولتنا أن النظافة دون الحد المطلوب، وأكدت مسؤولة شركة الورشة الصباحية بعبارة مقتضبة أن الورشة تعمل على مدار الساعة.
من جهته، يؤكد د. ميشيل سلوم معاون مدير عام المستشفى أنه بالرغم من النقص الكبير في الكادر الطبي والتمريضي, إلا أن المشفى قدم ويقدم خدماته لدمشق ولريفها وللمحافظات الجنوبية ولكل المراجعين، وهذا ما يشكل ضغطاً كبيراً على المستشفى وحتى على نوعية الخدمات المقدمة.
ولم يخفِ د. سلوم وجود النقص الحاصل في عدد الأطباء، وكذلك الكادر التمريضي وفنيو التخدير، إذ يصل عدد الأطباء نحو 1053 طبيباً من مختلف الاختصاصات منهم 600 طبيب مقيم يعملون على مدار الساعة.
وأضاف د. سلوم: الأجهزة قديمة، أي لها صلاحية فنية محددة ونتيجة الضغط الحاصل في عدد المراجعين تتكرر الأعطال, ثم تتوقف عن العمل، مبيناً أنه خلال الربع الأول وصل عدد المرضى لجهاز الطبقي محوري نحو 2020 مريضاً, أي حوالي 700 مريض لكل شهر خلال الربع الأول من هذا العام, وأضاف أن الإصلاح مكلف جداً وليس بالأمر السهل لأسباب عديد منها العقوبات الجائرة المفروضة على البلد وكثيراً ما نعتمد على القسم الفني في الإصلاحات لتخفيف الأعباء, ولكن ما يحدث أن بعض القطع غير متوافرة وتأمينها أو حتى شراء أجهزة جديدة يحتاج مناقصات وتكاليف الإصلاح مرتفعة جداً, والأهم من ذلك التزام الإدارات بتعليمات الاستجرار من البنك المركزي أسوة ببقية المشافي مؤكداً أن الكادر يعمل بالأجهزة بالعناية القصوى حتى لا ندخل بمرحلة العجز عن تقديم الخدمة الطبية.
سياحة طبية
قبل الحرب على سورية كانت التحاليل والمستلزمات الطبية أكثر وفرة وأقل سعراً، بينما في الوقت الحاضر نجد الكثير من التجار لا يرغبون بالدخول في مناقصات بسبب الحصار الاقتصادي, وتالياً صعوبة تأمين هذه المواد والأدوية أو عدم القدرة على التماشي وفق الأسعار الرائجة لسعر الصرف فضلاً عن نقص المواد في السوق المحلية.
إضافة إلى كل الخدمات المقدمة أيضاً يقدم مستشفى المجتهد خدمات علاجية للمراجعين من الأشقاء العرب ولاسيما اللبنانيين, بسبب الثقة بالعلاج وبالخبرات المشهود لها والكفاءات الموجودة لدينا، حيث يتم تقديم كل التسهيلات لهم علماً أن هذه الخدمات تبقى أقل من الأجور المقدمة في بلادهم.
النظافة
من ملاحظات بعض المراجعين أن النظافة ليست على ما يرام، وأوضح د. سلوم أن النظافة تتم بصيغة عقود ويعود عدم التزام شركات النظافة بكامل الشروط إلى تدني المردود المادي إضافة إلى الضغط الهائل من المراجعين يومياً وعلى مدار الساعة فضلاً عن ارتفاع أسعار مواد التنظيف وغيرها.
صعوبات
يختم د. سلوم: إن من أهم الصعوبات التي يعانيها المشفى نقص الكادر الطبي الفني والتمريضي ويتم ترميم النقص الحاصل بالتنسيق مع مديرية الصحة إضافة إلى الإبقاء على من بلغ سن التقاعد من فنيين وتمريض إذا ما استدعت الحاجة لذلك.
عدسة: صالح علوان
Views: 9