البلاد. محمد عواد الرفاعي
من منا لا يعرف أن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، ولكن كيف إذا تحولت هذه المؤسسة المهمة إلى ساحة لممارسة مختلف أنواع العنف نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين، والعنف الأسري ضد الأطفال هو تصرف سيئ واعتداء عليهم، سواء أكان جسديا مثل الضرب أم جنسيا، أو حتى اعتداء نفسي كسوء المعاملة والإهمال إن ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية، تنعكس أضرارها ليس على الأسرة وحدها وإنما تتعدى ذلك لتشمل المجتمع بأكمله لكون الأسرة هي ركيزة المجتمع وأهم بنية فيه قد تكون الخلافات الزوجية وقلة الوعي لدى الآباء والأمهات حول طرق التعامل مع الأطفال. والمشاكل الاقتصادية والمادية وزيادة حالات البطالة في المجتمع، من أسباب العنف ضد الأطفال، وهي أسباب قد تكون واضحة، وقد تكون عكس ذلك ولا تشكل مبرراً للعنف، فقد يزداد الأذى نتيجة الغيرة بين الإخوة الناتجة عن التفريق في المعاملة من قبل الآباء أو الأمهات أو كليهما. الإدمان على بعض المشروبات، زواج أحد الزوجين مرة أخرى قد يُسبب الأذى النفسي والمعنوي وأحياناً الجسدي للأبناء. وتؤكد سهيربهازيد إجازة في علم التربية: أن التحصيل الدراسي للطلبة له ارتباط وثيق بظاهرة العنف والمشكلات الأسرية، ويظهر ذلك في التأخر الدراسي والرسوب المتكرر والهروب من المدرسة أو المنزل، كما يؤثر العنف الأسري في القدرات العقلية للطفل وتدهورها تبعاً لأساليب العنف الجسدي والعاطفي والجنسي الممارس تجاهه ومع استمرار هذه الظاهرة نصل إلى شخصيات لديها الكثير من النزاعات الإجرامية. مضيفة: إن من آثار العنف الأسري على الأطفال أنه يُسبب فقدان الثقة بالنفس لدى الطفل، وبالتالي يتكون لديه شعور بالخوف والتردد في القيام بأي عمل. وينعكس العنف الذي يتعرض له الطفل في داخل المنزل على سلوكياته وتصرفاته خارج المنزل وخصوصاً في المدرسة أو الشارع ويقوم بتفريغ هذا العنف من خلال سلوكيات سيئة مثل تخريب الممتلكات العامة أو غيرها.
متابعة لهذه الحالات أيضاً تحدثت الأستاذة راما سبيني الحاصلة على دراسات عليا في علم المجتمع: هناك ملاحظات في محيط المجتمع المدرسي ومتابعات من خلال معلمة الصف والاختصاصية الاجتماعية ومؤشرات معينة قد يكون منها الخجل، عدم تقبل اللمس من الآخر، الانطواء، التعلق الشديد بأحد الطلاب أو المعلمات الخوف، الشديد بالإضافة لتكرار الغياب والهروب من الحصص وغيرها، وأيضاً التغيرات المفاجئة مثل حدة الانفعال في مواقف لاتتنا سب معها وغالباً نجد تعاطي بعض الأقراص المخدرة، كلها مرتبطة بظاهرة العنف الأسري.
والعنف النفسي للطفل والذي تكون آثاره مستمرة على المدى البعيد، وتكمن خطورته حسب رأيها أن آثاره غير مرئية وواضحة، وبالتالي عملية اكتشافها تكون صعبة وتمتد تأثيراته السلبية إلى مراحل بعيدة المدى وخاصة إذا تعرض الطفل إلى العنف الأسري في السنوات الأولى من نموه.
وعن آثار العنف النفسي أشار الأستاذ كمال حصباني الحاصل على دراسات عليا في علم النفس: «على أن هذه الآثار تظهر عند الطفل في قدراته الإدراكية والعقلية وتفاعله في المدرسة ومع الآخرين، كما تظهر عنده مشكلات لغوية وعدم الطلاقة في الكلام ويفقد ثقته بنفسه غالباً، ويصبح الطفل غير قادر على التفريغ والتعبير عن ذاته ويعاني من حالة الانطواء ويفضل العزلة كما يكتسب سلوكيات عدوانية ويمارس أنواع العنف مع الآخرين أو مع إخوانه داخل الأسرة أيضاً يؤدي العنف الأسري إلى زيادة شعور الطفل بالإحباط، وضعف في شخصيته، وبالتالي يؤثر سلباً في إنجازاته وحياته المستقبلية وجميع مناحي الحياة.
يشير الدكتور علي قويدر الاختصاصي في طب الأطفال: «نلاحظ ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال المعرضين للعنف مثل التبول اللاإرادي، وقضم الأظفار، واضطرابات تناول الطعام، وبعض حالات الانزواء والانطوائية عن المجتمع والناس، وقد يُصاحب ذلك نوبات كبيرة من الغضب لديهم. وقد يسبب العنف في حالات نادرة الضرر الجسدي أو العاهة المستدامة إذا العنف الأسري مشكلة اجتماعية لها امتدادات بالغة الخطورة لانعكاس آثارها السلبية على الأجيال المستقبلية، وتعود حالات العنف الأسري الحاصلة في المجتمع المحلي إلى تعدد الثقافات والجنسيات والانفتاح الزائد والبعيد عن الهوية المحلية ما أدى إلى ظهور أخلاقيات جديدة لا تتناسب مع أخلاقيات هذا المجتمع، وأيضاً المتطلبات العصرية أدت إلى ظهور مشكلات واسعة. وبينت أن معظم حالات العنف الأسري تنتج بسبب تراكم مشكلات أسرية من أسبابها عدم التهيئة الصحيحة للزواج والفوارق بين الطرفين من ناحية المستوى الثقافي والتعليمي والمستوى المادي وغيرها، وبالتالي عدم الاتفاق بين الطرفين يؤدي إلى صراعات متواصلة تنتهي أغلبها بالانفصال ويكون ضحيتها الأطفال.
وللحد من العنف الأسري ضد الأطفال يجب علينا زيادة الوعي عند الزوجين حول كيفية تربية الأطفال، وتأديبهم دون الحاجة للعنف، وزيادة الترابط والعلاقة مع الأبناء، أيضاً زيادة الوعي الديني والأخلاقي والتربوي في المجتمعات المختلفة، محاولة تقليل حالات الحمل غير المرغوب فيه،عدم التفرقة في المعاملة بين الأبناء، الابتعاد عن تعاطي المخدرات، تحسين الروابط الاجتماعية والعلاقات لما لها من دور في تحسين المزاج والإطلاع والوعي، تشديد العقوبات على ممارسي العنف الأسري ضد الأطفال من خلال تطبيق القوانين الردعية مهم جداً لوقف استمرار ممارسة العنف الأسري وذلك عندما لا تنفع وسائل التوعية والإرشادية. أخيرا تستدعي قضية العنف الأسري عمل دراسات بحثية واسعة في هذا المجال ومتابعة الإحصاءات لتقييم حجم هذه القضية، بالإضافة إلى أهمية إنشاء مراكز متخصصة لمساعدة المعنفين وخاصة الأطفال وإعادة تأهيلهم في الجانب النفسي لضمان استقرار حياتهم المجتمعية ونموهم مستقبلاً
Views: 15