لماذا نعتقد أنّ اعتِذار الحريري “المَدروس” اختصر الطّريق للانهِيار الشّامل والحرب الأهليّة بالتّالي؟ وكيف ستكون هذه الحرب مُختلفة عن جميع سابِقاتها؟ وهل ستنتهي بالقضاء على “حزب الله” وترسانته الصّاروخيّة؟
بعد مُشاورات مُكثّفة مع حُلفائه في أوروبا وأمريكا والوطن والعربي، وجُمود وتعطيل حُكومي استمرّ تسعة أشهر، حسم السيّد سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبَق أمره، وقرّر الاعتِذار رسميًّا عن تشكيل الحُكومة، وإعلان المُواجهة السياسيّة وربّما الأمنيّة مع الرئيس اللّبناني ميشال عون وحليفه “حزب الله” مُحَمِّلًا الجانبين مسؤوليّة الأزمة الحاليّة في لبنان، وما يُمكِن أن يتَرتّب عليها من تطوّراتٍ لاحقًا.
كُل ما يُقال من أعذار وتبريرات لانفِجار الأزمة، مِثل إصرار الرئيس عون على الثُّلُث المُعَطَّل (عدد الوزراء المطلوب للتَّحكُّم بقرارات الحُكومة)، أو تسمية الوزراء المسيحيين، أو رفض تبديل التّوزيع الطّائفي للوِزارات، أو هُروب السيّد الحريري إلى الانتِخابات البرلمانيّة في أيّار (مايو) القادم، كُل هذه الأعذار وغيرها تأتي للتَّهرُّب من السّبب الحقيقي، وهو “رأس” “حزب الله” وترسانته الصّاروخيّة لمصلحة إسرائيل وتحقيق طُموحاتها في التّنعّم بالأمن والاستِقرار، وانتِزاع الحصّة الأكبر من احتِياطات الغاز والنّفط اللبنانيّة في البَحر المتوسّط من خلال فرض خرائطها لتَرسيم الحُدود المُشتركة.
السيّد الحريري عندما قرّر الذّهاب إلى قصر بعبدا يوم أمس الخميس كان عاقد العزم على أنّه سيَكون اللّقاء الأخير مع الرئيس عون، لأنّه كان يَحمِل تشكيلة وزاريّة من 24 وزيرًا يعلم جيّدًا أنّها لن تحظَى بالقُبول، وكان الرئيس عون صادقًا وأكثر وضوحًا عندما رفضها فورًا، ودُونَ التَّمهُّل 24 ساعة لدِراستها مثلما طلَب منه الرئيس الحريري.
هذا الاعتِذار “الحريري” قرّب لبنان أكثر من أيّ وَقتٍ مضى للانهِيار الشّامل، السّياسي والاقتِصادي والاجتِماعي، والحرب الأهليّة بالتّالي، ولدى لبنان تاريخًا حافِلًا في هذا المِضمار، مع تسليمنا بأنّ الحرب القادمة إذا اشتعل فتيلها ستكون مُختلفة، لأنّها لن تكون انعِكاسًا لخِلاف ديني (إسلامي مسيحي) ولا عقائدي (يمين يسار) ولا عِرقي (لبناني فِلسطيني)، ولا طائفي (سنّي شيعي) إنّما بين تيّارين لُبنانيين تتوافَر فيهما مُعظم هذه المُواصفات، ولعَلّ تحريض السيّد الحريري للبنانيين، وأنصاره وحُلفاءه تحديدًا، ضدّ “حزب الله” والرئيس عون، وتحميلهما المسؤوليّة، هو الدّليل الأوضح في هذا الاتّجاه.
مِن الصّعب علينا أن نتَوقّع حُدوث مُشاورات مُثْمِرَة بين الرئيس والكُتَل البرلمانيّة للبحث عن رئيس حُكومة سنّي بديل، لأنّ السيّد الحريري تعهّد بعَرقلتها وعدم المُشاركة فيها، أو تسمية أيّ مشرح، حتّى لو جرَت فلن تُكَلَّل بالنّجاح لأنّ نتائجها ستُواجَه بالرّفض والمُقاطعة مثلما هو حال حُكومة حسان دياب الحاليّة، فالقرار الأمريكي الإسرائيلي الفرنسي بإشعال فتيل الحرب الأهليّة قد صدر فيما يبدو ومن يقول غير ذلك لا يَعرِف لبنان، ولا يَعرِف المُثَلَّث المذكور آنفًا ونواياه الحقيقيّة تُجاه هذا البلد والمِنطقة.
سِعر الدّولار مُقابل اللّيرة ارتَفع إلى 32 ألفًا، وربّما يَصِل خلال أيّام معدودة إلى أربعين ألفًا، والخدمات العامّة من صحّة ومُواصلات وكهرباء وماء وصلت إلى قاع الانهِيار، وأكثر من ثُلُثَيّ الشّعب اللبناني بات تحت خطّ الجُوع، وإذا كان الذين يقفون خلف هذا المُخطّط الأمريكي الإسرائيلي من الدّاخل اللبناني يعتقدون أنّه سيُفَجِّر ثورة اجتماعيّة ضدّ “حزب الله” فَهُم مُخطئون، لأنّها لم تنجح مثيلاتها في إيران على مدى 40 عامًا من الحِصار، وحواليّ 13 عامًا في العِراق، و15 عامًا في قِطاع غزّة، لكن من المُرَجَّح أن تنجح في تفجير حرب أهليّة كمُقدّمة لحَربٍ إقليميّةٍ كُبرى، وسيكون الحِلف الإسرائيلي الأمريكي ومُمثّلوه اللبنانيّون الخاسِر الأكبر.
السيّد سعد الحريري كان أداةً، بعلمه أو بُدونه، لمُضاعفة حدّة الأزمات لتسريع انفِجارها، بتَحريضّ خارجيّ وتواطؤ داخلي، وبِما يُؤدّي في نهاية المطاف تفجير لبنان والمِنطقة بإغراقها في حُروب تستمر لسَنوات، وفق مُخطّط مدروس، ومن لم ينتصر في أفغانستان وانهَزم في العِراق، وفشل في سورية، لن يكون حاله أفضل في لبنان، واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
Views: 1