لماذا رفعت الصين حجم ميزانيّتها العسكريّة هذا العام؟ وهل تتوقّع حربًا تشنّها أمريكا من أفغانستان.. ومتى وكيف؟ وما هي الأسلحة الصينيّة الستّة المُتطَوِّرة التي تَقُضُّ مضاجع إدارة بايدن هذه الأيّام؟ وهل سيُصبِح “يوان” العُملة العالميّة الجديدة في أقل من عشر سنوات؟
قليلون في العواصم الشّرق أوسطيّة، والعربيّة على وجه الخُصوص، توقّفوا عند الزّيارة التي قام بها وفد حركة طالبان إلى الصين، والتَّعهُّد خِلالها للقِيادة الصينيّة بأنّهم سيَقِفون في خندقها، ولن يسمَحوا لأمريكا تحويل بلادهم إلى منصّة لزعزعة استِقرار الصين، وعبر بوّابة الأقليّة التّركمستانيّة المُسلمة، أيّ الأيغور، فالكثير من الدّلائل تُؤشِّر حاليًّا إلى أنّ جبهة الحرب المُقبلة، سواءً المُباشرة أو بالإنابة، ستَكون على الأرض الأفغانيّة في تِكرارٍ مُعَدَّلٍ لنظيرتها الروسيّة الأمريكيّة في الثّمانينات من القرن الماضي.
فعندما دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل يومين إلى “ضرورة التّركيز بصُورةٍ كبيرة على تطوير قُدرات جيش التّحرير الشعبي الصيني لإعداده لصِراعٍ عسكريٍّ طويل في ظِل التّهديدات المُتنامية التي تُواجهها البِلاد، فإنّه كان يَقصِد التّحضيرات الأمريكيّة المُتواصلة حاليًّا لتفعيل هذه الجبهة الأفغانيّة إلى جانبِ جبهاتٍ أُخرى.
إدارة الرئيس بايدن تُؤمِن بأنّ المُواجهة مع الصين هي قمّة أولويّات أمنها القومي، وتتبنّى الاستراتيجيّة نفسها التي وضعتها إدارة ترامب الجُمهوريّة السّابقة، مع فارق أساسي، يتلخّص في أنّ بايدن لا يُريد أن يُحَمِّل بلاده هذا العبء وحدها، وتكوين تحالف من الحُلفاء “كواد” يَضُم الهند وأستراليا واليايان وكوريا الجنوبيّة وربّما اليابان أيضًا، وتكون حِلف “ناتو” مُصَغَّر قاعدته شرق آسيا.
أفغانستان تستمدّ أهميّتها من حُدودها المُشتركة مع إقليم تركمانستان الشرقيّة (الأيغور) وهي لسان بعرض 75 كم غرب الصين، يتَمتّع بجُغرافيا جبليّة وَعِرَة جدًّا، تُشبِه منطقة “تورا بورا” التي استَخدمها المُجاهدون الأفغان والعرب وتنظيم “القاعدة” بعدها لاستِنزاف القوّات السوفييتيّة، وتأمَل واشنطن أن تُحَوِّلها لنُقطة انطِلاق جديدة للنّسخة الثّانية القادمة من المُجاهدين العرب والمُسلمين ضدّ الصين حسب المعلومات الأمريكيّة المُسَرَّبة حول ملامح الحرب القادمة، وهذا لا يَنفِي أنّ بحر الصين الجنوبي الذي تزوره حاملات الطّائرات الأمريكيّة بكَثافةٍ هذه الأيّام (آخِرها حاملة رونالد ريغان) ويُشَكِّل نُقطة احتِكاك قد لا يكون الجبهة الأُخرى، والأهم، للصِّراع القادم.
القِيادة الصينيّة تسعى حاليًّا لتشكيل تحالف رباعي أو خُماسي، لمُواجهة تحالف “تاد” الأمريكي، يَضُم إلى جانبها كُل من روسيا وإيران وكوريا الشماليّة إلى جانب باكستان “الأُم الروحيّة”، أو القابلة الأصليّة لحركة طالبان التي من المُتَوقَّع أن يكون لها دور كبير إلى جانب الصين في أيّ حرب مُقبلة في ظِل تنامي التّقارب الهندي مع أمريكا وإسرائيل.
يحتل الجيش الصيني المكانة الثّالثة بعد نظيريه الأمريكي والروسي على قائمة أكثر الجُيوش قُوّةً في العالم، وبات مُزَوَّدًا بـ 350 رأسًا نوويًّا، و48 غوّاصة، وآلاف المروحيّات والطّائرات المُسيّرة (درونز) والصّواريخ من مُختلف الأبعاد والأحجام، وأكثر ما يُقلِق واشنطن هذه الأيّام 6 أُمور أساسيّة حسب تقارير وردت في مجلّات أمريكيّة مُتخَصِّصة في الشّؤون العسكريّة”:
-
الأوّل: تطوير أسراب من الطّائرات بُدون طيّار (مُسيّرة) خاصّة الانتحاريّة منها، تُنَسِّق مع بعضها البعض دُون تدخّل بشري، وحسب سير المعارك.
-
الثّاني: إنفاق الصين مِليارات الدّولارات لتطوير صواريخ تفوق سُرعتها سُرعة الصّوت بأكثَر من 20 ضِعفًا، وبِما يُمَكِّنها من إصابة أهداف على بُعد مِئات الأميال في ثَوانٍ معدودة.
-
الثّالث: إنتاج مادّة “الجرامين” الأقوى 200 مرّة من مادّة الفُولاذ، ويجري استِخدامها حاليًّا لطلاء الصّواريخ الباليستيّة والدبّابات والمُدرَّعات، والدّروع الواقية للجُنود والمروحيّات العملاقة “Z10” والطّائرات الحربيّة القاذفة والمُقاتلة.
-
الرّابع: زيادة القِيادة الصينيّة المُوازنة العسكريّة بنسبة 6.8 بالمئة هذا العام ليَصِل حجمها إلى 1.4 ترليون يوان (217 مليار دولار)، ومن المُتَوقَّع رفعها بالنّسبة نفسها أو أكثر في الأعوام القليلة المُقبلة، ممّا يجعل الإنفاق العسكري الصيني يحتلّ المرتبة الثّانية في العالم بعد أمريكا.
-
الخامس: النّموذج الصيني المُسَمَّى “ديكتاتوريّة التّكنولوجيا” أيّ استِخدام التّكنولوجيا الحديثة في التَّجسُّس، وجمع المعلومات، والسّيطرة على السكّان، وتسعى واشنطن حاليًّا بكُلّ الطّرق والوسائل منع انتِشار هذا النّموذج الذي يَعكِس التّفوّق الصيني في ميدان الذّكاء الاصطِناعي.
-
السّادس: إعطاء العُقوبات الأمريكيّة على الواردات، والشّركات الصينيّة نتائج عكسيّة، من حيث دفع الصين للاعتِماد على النّفس، وتصنيع البدائل للبضائع الأمريكيّة محليًّا، والاعتِماد على النّفس، على غِرار ما فعلت إيران في مُواجهة هذه العُقوبات طِوال الثّلاثين عامًا الماضية.
الصين هي القُوّة العالميّة الصّاعدة وبسُرعة الصّوت، فبعد أن حقّقت قفَزات طويلة في ميادين النّمو الاقتِصادي، وبِما يُمَكِّنها من الإطاحة بعرش الولايات المتحدة ودولارها من المرتبة الأُولى في غُضون عشرة سنوات على الأكثر، ها هِي تَدخُل ميدان الإنتاج الحربي، وهو ما عبّر عنه الرئيس الصيني في خِطابه الأخير، أيّ إنتاج حديث ومُتَطوّر جدًّا سيَجعل منها، أيّ الصين، ليس فقط القُوّة العُظمى الأقوى عسكريًّا، وإنّما على قمّة قائمة الدُّول المُصَدِّرة للسّلاح أيضًا.
اتّجاه شركات استثماريّة غربيّة عديدة لشِراء العُملة الصينيّة (يوان) وسنَداتها هذه الأيّام، والإقبال الكبير في الغرب على تعلّم اللغة الصينيّة، وتَزايُد أعداد أقسام التّاريخ والحضارة الصينيّة في الجامعات الغربيّة كلّها تُؤكِّد ملامح خريطة القُوّة في العالم في الأعوام المُقبلة.
أنا شخصيًّا نصَحت أولادي أن يتَعلّموا اللغة الصينيّة، وأحدهم قَبِلَ النّصيحة واقتَنع بها، والثّاني في الطّريق، وأفتخر بأنّ دار نشر جامعة بكين نشرت كتابي “القاعدة.. التّنظيم السِّرّي”، “The secret History of Al – Qaida” باللّغة الصينيّة قبل خمسة أعوام.. والحمد الله.
Views: 7