يسرى ديب
بعدما هدأت الأوضاع، لاحظ مدير مكتب الشهداء في حمص بسام محفوظ، أن هناك مراجعين للمكتب من أعمام أبناء الشهداء يقومون بالوصاية الشرعية على الأطفال، وعند السؤال تبين أن الأم غير موجودة أيضاً، إما بسبب الوفاة أو لأنها تركتهم لأسباب مختلفة.
من هنا بدأت فكرة دراسة واقع أطفال الشهداء في حمص، بالتنسيق مع الوحدات الإدارية في المحافظة، لتكون الخلاصة أن هناك 41 أسرة فيها 86 طفلاً يتيم الأبوين.
وأن هناك 240 أسرة فيها 480 طفلاً تركتهم والدتهم، تتراوح أعمارهم بين 2- 16 سنة، وهؤلاء يعيشون عند الجد أو الجدة أو العم.
وبيّن محفوظ أنهم بدؤوا بالمتابعة الميدانية لواقع هؤلاء الأطفال وزيارتهم في أماكن سكنهم، وخصصوا لهم يوماً مفتوحاً يستمعون فيه إلى مشاكلهم، ليتاح لهم التعبير عما يعانون، ويشعرونهم بالاهتمام والمتابعة، وعملوا مجموعات على “الواتس” تمت إضافتهم إليها ليكونوا معهم بشكل دائم، وليشعروا بأن الدولة ترعاهم وتقف إلى جانبهم.
ويتمنى محفوظ تعميم الفكرة في بقية المحافظات لتقديم المزيد من المتابعة لهذه الشريحة، فالجد والجدة يحبون أولاد الشهيد، لكنهم لا يستطيعون تربيتهم، والأعباء كبيرة جداً على الأعمام مع أولادهم خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، لذلك لن يتمكن الطرفان (بيت الجد، والأعمام) من تقديم الرعاية المطلوبة، ومن هنا عملوا للوصول إلى كل أيتام الأبوين، ومساعدتهم في تحصيلهم العلمي وتقديم المطلوب، خشية أن يكون العم لا يستطيع متابعة أحوال أبناء أخيه الشهيد, أو أن يقوم بإخراجهم من المدارس ودفعهم إلى سوق العمل أو تزويج الفتيات بعمر صغير.
ماتوا بالسرطان
وأكد محفوظ أن من الحالات التي تابعها ميدانياً عند زيارته لأخ شهيد حجم العبء الكبير الواقع على العم الذي يحتضن أولاد أخيه الخمسة، إضافة إلى أولاده الخمسة أيضاً، وبينهم طفل معوق، ووصف الحال بأنه حمل كبير على الرجل رغم الرعاية والعاطفة التي يقدمها هو وزوجته للأولاد العشرة.
عمل مكتب الشهداء على مؤازرتهم وتقديم الدعم الممكن لهذه الأسرة، وظلوا على تواصل دائم معهم، خاصة مع بداية كل عام دراسي، حيث يقدمون للأولاد كل حاجتهم من قرطاسية ودورات تعليمية وكتب مدرسية ..الخ، لكيلا يقع العبء كله على عاتق أخ الشهيد.
وروى محفوظ قصة طريفة أخرى تابعوها من خلال زياراتهم الميدانية لرجل لم يكن لديه أولاد رغم مرور سنوات على زواجه.
بعد مرور وقت قصير على زواجه الثاني، أحضروا له أولاد أخيه الشهيد بعد وفاة أمهم، وحملت زوجتيه الأولى والثانية، وفي ظرف عامين امتلأ بيته بالأطفال.
ومن الخلاصات التي توصلوا إليها عند متابعتهم لواقع أيتام الأب والأم أن سبب وفاة الزوجات هو الإصابة بالسرطان والوفاة بعد عام على استشهاد الزوج، ويعتقد أنه قد يكون للأمر علاقة بالصدمة التي تعيشها الزوجة عند استشهاد زوجها.
مشاريع مساعدة
وبين محفوظ أن عدد الشهداء في حمص يصل إلى 12 ألف شهيد من الجيش والمدنيين والقوات الرديفة، وطالب بتقديم المساعدات لأسر الشهداء من القوات الرديفة، أسوة بشهداء الجيش العربي السوري، أو على الأقل تقديم مشاريع مولدة للدخل ريثما يصدر قرار اعتبارهم ومعاملتهم كشهداء ، وتنظيم عقود موسمية لأسرهم كحد أدنى.
وبين أن في قائمة طلبات أسر وزوجات الشهداء التي تراجع المكتب الحصول على وظيفة، إضافة إلى المشاكل المعيشية من ربطة الخبز إلى أسطوانة الغاز والماء، أي مشاكل المجتمع ذاتها، لكن بوقع أصعب على الزوجات.
وأضاف محفوظ أن من نشاطات المكتب أيضاً صرف مبالغ مالية للحالات المرضية بقيمة تتراوح بين 100- 400 ألف ليرة للحالات المرضية المستعصية كالسرطان والورم الدماغي، وأكد أنه تمّ حلُّ موضوع البطاقة الذكية بالتنسيق مع شركة محروقات حيث كانت تلغى عند وفاة الأم، وأصبح ابن الشهيد يحصل على البطاقة في عمر 15 عاماً، ودون هذا السن يحصل الوصي الشرعي على بطاقة باسمه.
وأكد أنه سيتم تأمين برنامج رعاية متكامل للأطفال من تأمين صحي للأبناء، ومتابعة التحصيل العلمي، وتأمين كل ما يلزم لحياة كريمة.
وذكر محفوظ أن نشاط المكتب توسع إلى التدخل في حل خلافات قد تنشأ بين أهل الزوج وزوجة الشهيد في بعض الأحيان، ويعملون على متابعة الكثير من القضايا الخدمية التي تحتاجها أسر الشهداء مع الجهات المعنية، وأكد محفوظ على وجود معاناة كبيرة في حياة زوجات الشهداء بعضها ناتج عن مشاكلها مع أهل زوجها، وبعضها بسبب حالات الاستغلال التي قد تتعرض لها.
هذه حالنا
سناء حديد – زوجة شهيد – أم لثلاثة أطفال استشهد زوجها في معركة جسر الشغور، تصف فقدان الزوج بخراب للبيت، وأنه إذا كانت الأم قوية يعبر المركب، وتنقذ الأسرة، أما إذا كانت ضعيفة فيصبح الوضع أصعب.
تطالب سناء بأن تعود أملاك الشهيد لأطفاله من أراضٍ زراعية أو منزل أو سيارة أو دراجة نارية، وترى أنه يجب أن يكون هناك حق انتفاع للزوجة إذا لم تتزوج ثانية، وأكدت أنها تتحدث بلسان الكثير من الزوجات، وأن الواسطات تلعب دوراً كبيراً في الحصول على حقوقهم من تخصيصهم بالأكشاك، إلى السلة الغذائية.
وأضافت سناء أن ظروف الحياة الاقتصادية الضاغطة آثارها مضاعفة أكثر على زوجات الشهداء وغيرهن من الأرامل، لأن الدخل لا يكفي، ولا يمكن تحسينه والعمل في مكان ثانٍ، وتؤكد أن المجتمع لا يرحم، وأنه يجب على الجهات المعنية أن تحمي الزوجة من طمع أهل الزوج، لأن هناك الكثير من الأهل الذين طمعوا بأملاك وأموال الشهيد وحرموا أولاده وزوجته منها، ويجب تخصيص رواتب أكبر لأطفاله، كما والده وأمه لتمكينهم من العيش بشكل أفضل، وإعادة الرواتب لأولاده بعد وفاة الجد والجدة، وإعادة الرواتب التي كان يحصل عليها أبناء الشهداء في مدارسهم.
وتساءلت سناء: لماذا لا يتم تخصيص أسر الشهداء بمؤسسة كالمؤسسة العسكرية يجدون فيها حاجاتهم من غاز ومازوت..الخ؟. ويجب على مكتب الشهداء تأمين وتوزيع مازوت ومواد مدعومة لعائلة الشهيد.
فهي مثلاً لا تستطيع تأمين حاجات بيتها من الطعام، أو المحروقات، وأولادها ما زالوا صغاراً لتعتمد عليهم في تأمين هذه الطلبات، وتأمينها يتطلب منها معارك وتوسلاً “لفلان وعلتان” من الناس، علماً أنها بدأت تطلب من ابنها البكر مهمات أكبر من عمره بكثير فهو متفوق دراسياً، ونجح هذا العام في صف التاسع، وما زال صغيراً على المهمات التي يجب عليه القيام بها، لأنه يحاول أن يدخل سوق العمل في الصيف، وكلها أعمال مجهدة على فتى بعمره، ويحاول العمل لكي يقدم بعض المساعدة لها كما تقول بسبب عجزها عن تأمين طلبات أولادها وحاجياتهم، ويؤسفها كثيراً ما تسمعه من ابنها عندما يطالبها بالعمل على الهجرة.
ومن القضايا التي طرحتها زوجة الشهيد سناء هو إعادة مطالبة زوجات الشهداء الموظفات بالمنح التي حصلن عليها عن الزوج، وأن هناك مبالغ تصل إلى 100 ألف عليهن إعادة تسديدها، وتساءلت لماذا لا تخصص المنحة لأبناء الشهيد كما لو أنه حي؟
كما طالبت زوجة الشهيد شهيرة حسن بمهام أكبر لمكاتب الشهداء في دمشق كأن يخصصوا محامياً ليرافع عن الزوجات في الكثير من القضايا التي يحتجن فيها إلى القضاء، خاصة فيما يتعلق بالحصول على ميراث الزوج.
صرف الأموال
القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي أكد أن قضايا زوجات الشهداء في المحاكم تتعلق بموضوعي الوكالات وصرف الأموال سواء كانت رواتب أو تعويضات وفاة.
وأكد القاضي المعراوي أن الزوجة وصية شرعية تحصل على أذن بقبض المبالغ.
وإذا كان الجد على قيد الحياة يعد “ولياً جبرياً”، ولكنه في بعض الحالات هو من يتقدم بطلب ويتنازل للأم عن الوصاية وتصبح الزوجة وصية.
والمشاكل التي تحصل أحياناً أن الجد يقبض ولكنه لا يصرف على الأولاد، وهذه حالات تحصل كثيراً، وتشتكي الزوجة أن الجد أو العم لا ينفق على الأولاد، عندها يُطلب إليها رفع دعوة لعزله عن الوصاية، وتصبح الزوجة وصية وهي من يقبض.
وكذلك موضوع الوكالات، حيث إن الجد يعمل وكالة سواء كان للعم أو الخال، ويأتون إليه بوكالة لكنها لا تصلح، ولا تخوله القبض عن الأولاد.
وأكد المعراوي أنه تم تخصيص “مركز الشهداء” وهو مركز معالجة مركزية لشؤون الشهداء حيث تم جمع كل معاملات الشهداء في مكتب واحد، وهناك قاضٍ شرعي يعطي شهادات وكل ما يتعلق بشؤون الشهداء، من دون الحاجة لمراجعة جهات عدة بل يجدون في وحدة المعالجة المركزية كل المطلوب، وذلك لتجنيبهم مشقة مراجعة عدة جهات من السجل المدني أو المحكمة الشرعية إضافة لجهات أخرى كالتأمينات، وذلك للحصول على أوراق ووثائق للتعويضات؛ أي إن هناك مكتباً واحداً لجميع المعاملات لحصر الإرث وغيرها للتسهيل عليهم.
Views: 14