قضايا إشكالية كثيرة لن يتردد فايز قزق في نبشها دفعة واحدة، سواء تحدثنا عن المسرح أو الدراما أو شؤون الفكر والثقافة بشكل عام، ففايز من القلائل الذين ما زالوا يراهنون على الفنون رغم العقبات التي تعانيها، وإذا ما تحدثنا عن الخشبة المسرحية، فإن جعبتها تبدو مملوءة بالمعاناة التي تحدق بأبي الفنون من كل حدب وصوب.. في هذه النقطة بالذات يتحول المسرح إلى خشبة خلاص يعول عليها فايز، ولذلك فإنه سيجاهر مباشرة بجميع الانتقادات بكل شفافية ووضوح، لأن الهدف دائماً إعادة تفعيل العامل الثقافي بشكل صحيح لمواجهة الردّات الظلامية التي تحدث على صعيد التفكير بشكل عام.. هنا مكاشفات مع قزق فيها الكثير من الصراحة والجرأة والألم.. فإلى التفاصيل:
• لنبدأ بالمسرح ماهو مشروعك المسرحي الآن وكلنا يعلم بأنك في الفترة الأخيرة هجرت المسرح؟
•• لم اهجر المسرح لكنّ هناك أحداثاً تجري في سورية ومعارك معقدة جداً وأنا على يقين بأنها من أعقد معارك التاريخ الحديث، والمسرح انكفأ إلى الخلف كثيراً في العقدين ما قبل الحرب ولم يكن هناك أي نوع من أنواع الجدية في وزارة الثقافة لإنقاذ الخمائر الثقافية كالمسرح والسينما والرسم والنحت وحتى المهن اليدوية وغيرها مما هو مرتبط في العلاقات الإنسانية الحقيقية مع بعضها، فالمسرح تاريخ وهذا التاريخ يمتد قروناً عديدة إلى الخلف فهو لا يبدأ من أيام خليل القباني بل يمتد كطقوس إنسانية إذا ما أردنا الحديث عنها إلى المعابد العشتارية الأولى عندما كان السوريون في معابدهم العشتارية يتخذون من مقدمة البوابة ساحة لتعليم الناس كيفية زرع الكرمة والتين والزيتون.
• لنعد إلى مشروعك المسرحي الآن؟
•• بدأت مشروعاً مسرحياً قبل فترة اسمه «رجل برجل» قُدم في عام 1989_1990 ولكن توقف حينها، وبالنسبة لمشروعي المسرحي بشكل عام فهو يمتد إلى ٣٦ سنة من العمل في المعاهد المسرحية سواء في سورية أو خارجها والعروض المسرحية كممثل ومخرج ومعظم الأحيان كمدرب في المعاهد المسرحية سواء في دمشق أو الكويت.
• بعد هذه المسيرة الطويلة من العطاء وبعد تدريسك في المعهد العالي للفنون المسرحية كيف تقيم وضع المعهد؟
•• أنا أستاذ في المعهد لمادة فن التمثيل ولبعض المواد الأخرى النظرية.. أعتقد أن المعهد محاصر منذ أن أنشئ وكان دائماً يوصف بأنه (وجع رأس)، ففيه الأفكار والحوارات والصراعات وفيه نستطيع التحدث عن كل شيء ويبدو أن هذا النمط من التفكير ممنوع في بلادنا بشكل أو بآخر وقد لايكون هناك بيان بمنع هذا النمط من المعاهد لكن لو نظرنا إلى دُور السينما التي يجتمع فيها الناس سنرى أن هناك ألف حجة وحجة غير مقنعة لتغييب هذه الخميرة للعقل السوري ولا ننكر اليوم أن لدينا ردة باتجاه الماضي المظلم، فهناك أشخاص عادوا إلى القول الوقح الذي قاله ابن الصلاح الشهرزوري (من تمنطق تزندق) أي من يصنع السيارة أو ينتج الكهرياء أو من يتحدى الفضاء ويبحر فيه هو زنديق إذاً رُد العقل السوري إلى الوراء والمعهد كان عليه أن يتبدل بمعهد أرقى وأهم بمزيد من الخبرات السورية.. يجب أن تسألي هذا السؤال إلى وزارة الثقافة.
• هل تطمح إلى الإدارة؟
•• على الإطلاق، أنا مدرب ولا يمكن أن أصلح لمنصب إداري فتخصصي في المعهد العالي للفنون المسرحية هو تطبيقي وحتى خارج البلد تخصصي تطبيقي (ماستر في الفنون المسرحية تخصص إخراج مسرحي) كيف لي أن اقبل هذا المنصب الإداري وأنا لست متخصصاً في الإدارة؟ قبلته مرة واحدة عندما استدعوني من الكويت لأكون في مديرية المسارح والموسيقا قبلته لأكثر من سبب ولو رفضته لُقيل لي الآن لماذا تتكلم وتتفلسف وقبلته وأنا أعلم أن هناك معارك لأن الفساد يحتاج عملاً جباراً ولأن إنقاذ جزء كبير من الوطن والشعب السوري مرتبط بالعامل الثقافي الذي أُهين في الفساد الذي دخل إليه وأُهين في الأشخاص الذين تسلقوا وباتوا يمتطون ويركبون موجات الثقافة. وعندما تسلمت المنصب اكتشفت بعد بضعة أشهر أن هناك من يريدني لضبط المكان وليس لتطويره. وهذا الضبط يريدونه وفق معايير ومكاييل الفساد فرفضت هذا الأمر وأنا أعلم بأنني سأصطدم بالعوائق.. إن المسألة الثقافية في سورية هي سيادية وليست مسألة عابر سبيل وهي العودة إلى جذور الهوية السورية التي تُقدر بآلاف السنين قبل الميلاد، والسوريون هم المسؤولون عن هذه القضية.
• هل من «واسطات» في المعهد العالي للفنون المسرحية؟
••لا أستطيع القول إن المعهد خالٍ من هذا النفاق فهناك من يزوِّر علامةً وهناك من يسرب معلومةً هناك من يفلح ويزرع في المعهد وكله على حساب وزارة الثقافة وأيضاً هناك من يعتم الاستديوهات وهناك من يجدد في المكان ويُحدث ويدعي أنه يسير على نهج القيادة السورية من تحديث وتطوير فلديه الرغبة أن يحدِّث ويطور يومياً مادامت هناك فواتير تُدفع.
• فانية وتتبدد للمخرج نجدة أنزور جسدت دور أمير داعشي كيف تعاملت مع الدور بكل ما يحمل من قساوة؟
•• أدواتي المسرحية وتقديمي لمجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية ووجودي في المسرح بشكل دائم هي من جعلتني أقدم هذه الحرفية في السينما فعندما يكون الإنسان ذا سند مسرحي حقيقي ومدروس يمكن له أن يُقدم أي دور في السينما والتلفزيون.
• أنت دائم الانتقاد للدراما التلفزيونية وقد عملت بها!.
•• عملت في التلفزيون لأمرين اثنين فقط، الأمر الأول هو الشهرة والثاني المال فمن قال إن وزارة الثقافة كانت تراعي التضخم على مستوى الليرة.. هذا الحديث ما قبل الحرب أو إنها كانت دوماً تدرس رعاية الممثل والمخرج المسرحي، من يعتقد أن وزارة الثقافة كانت مهمومة بذلك.. لا أبداً على الإطلاق ولهذا السبب تردت الأجور إلى درجة مزرية وكان من المفترض في سورية أن يكون الأجر المسرحي أعلى وأرقى بعدة مرات من أجر ممثل التلفزيون ولكن ماحصل هو العكس، واليوم نجوم التلفزيون نجوم مقدسون فهم يأتون في شهر رمضان المبارك وكلمتهم قاطعة وشكلهم محبوب أما عن الأعمال الجريئة فلا أشاهد الكثير بشكل عام ليس لأنني أحتقر من يعمل في هذا المجال على الإطلاق فهي في النهاية برامج ومسلسلات لتقطيع الوقت وأقولها صراحة ومن دون أي نوع من أنواع الكيدية أو الغيرية باستثناء شيء واحد أن أنبه الإنسان بأن وقته يُقتل وهناك بعض الأعمال التلفزيونية تابعتها بالكامل (ضبوا الشناتي، عمر الخيام، رياح الخماسين، أمل ما في) أي بعض الأعمال التي قُدمت وكانت تحترم ما تُقدم.
• هل قدمت هذه المسلسلات ما هو مهم بالنسبة لوعي الإنسان؟
•• لا، على الإطلاق ولو كان نصف المسلسلات بهذا الشكل لكنا اليوم على عتبة إنتاج القمر الصناعي والمركبة الفضائية السورية فمن مهمة الفن رفع مستوى الوعي والعقل عند الإنسان.
• جديدك لهذا الموسم… ولماذا أنت مُقل درامياً؟
•• لدي «أولاد الشر» للمخرج طارق السواح، والسبب في قلة أعمالي هو أنني موظف في المعهد وملتزم به وعندما أغيب عن المعهد أقبض مالاً بلا حق وهذا يعني أنني فاسد وأيضاً غيابي عن طلابي يجعل المكان مُستباحاً انظري اليوم إلى سور كلية الحقوق لقد عُلقت على أسواره أحذية على الرغم من أن الكلية هي من أرقى الجامعات العربية هل من المعقول أن تُباع الأحذية وينادى على الاسترينغات على بوابة الجامعة أنا حقاً متألم فهذه إهانة للعقل السوري! ألا يستطيع عميد كلية الحقوق ورئيس جامعة دمشق أن يشاهدا كيف عُلقت (الصرامي) على سور الجامعة ألا يستطيع أولئك، الذين يقولون عن أنفسهم بأنهم يهيئون القضاة والمحامين لسيادة القانون، القول أو الرؤية؟. لدي إيمان بأن عقل الإنسان لا ينمو ويكتشف من دون احترام صارم وواضح وممنهج للعلوم والمعرفة ورفع راية الفلسفة وتمجيد المنطق بكل أشكاله.
Views: 1