ماهر الخطيب
على وقع الإنفتاح الإماراتي على سوريا، بعد سنوات من القطيعة، طُرحت الكثير من الروايات حول عودة دمشق إلى الحضن العربي أو عودة العرب إليها من جديد، لكن في حقيقة الأمر المصالح هي العنوان الأساسي لهذا الإنفتاح، بعيداً عن السرديات الشعريّة التي لا تقدم أو تؤخر، نظراً إلى أنها هي نفسها كانت خلف قرار طرد سوريا من جامعة الدول العربية قبل سنوات.
من أبرز أسباب هذه العودة، قد يكون نجاح الحكومة السوريّة في المواجهة التي خاضتها منذ العام 2011، حيث باتت اليوم تسيطر على أكثر من 80% من أراضيها، وبالتالي هي الجانب الأكثر قوّة على أرض الواقع، ومن يريد أن يدخل في مفاوضات، بعد الحرب، لا يتحدّث إلا مع الجانب المنتصر لا المنهزم، حتى ولو كان يراهن على إنتصاره في المعركة.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر “النشرة”، إلى مجموعة من الأسباب التي تدفع الإمارات إلى دخول البوّابة السوريّة من جديد، بالرغم من أن هذا المسار ليس بالحديث بل هو قائم منذ فترة طويلة، تبدأ من وجود مجموعة من الدول العربية، تحديداً الإمارات ومصر والأردن، تعتبر أن العودة إلى سوريا تسمح بالحد من نفوذ باقي القوى الإقليمية الفاعلة، خصوصاً تركيا وإيران.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذه المجموعة كانت قد بدأت، بالتنسيق فيما بينها، بالعديد من الخطوات التي تصب في هذا الإتجاه، حيث أن ما هو قائم بين دمشق وعمان والقاهرة موجود منذ فترة طويلة، وقد ساهم في تعزيزه مشروع إستجرار الغاز من مصر إلى لبنان، بالإضافة إلى مشروع إستجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان، نظراً إلى أن المشروعين يمرّان حكماً عبر دمشق، وتذكّر بالإتصال الذي كان قد حصل، قبل فترة قصيرة، بين الرئيس السوري بشار الأسد والملك الأردني عبدالله الثاني.
بالإضافة إلى ذلك، توضح هذه المصادر أنّ المنطقة قد تكون، في المرحلة المقبلة، على أبواب تسويات من العيار الثقيل، بالرغم من التصعيد الحاصل على أكثر من ساحة، في ظل مسار المفاوضات المفتوح في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي لن تكون سوريا بعيدة عنه، حتى ولو لم تكن حاضرة على طاولة المفاوضات بشكل مباشر، وتلفت إلى أن إنتهاء مرحلة الحرب يعني إنطلاق مرحلة الإعمار، التي من المفترض أن تكون غالبيّة القوى الإقليميّة معنيّة بها.
على صعيد متصل، لدى مصادر أخرى قناعة بأنّ الصراع على مكامن الطّاقة في منطقة شرق المتوسط هو العنوان الأساسي في كل ما يحصل، نظراً إلى أنّ سوريا لا يمكن أن تكون بعيدة عنه، والذي يشمل أيضاً خطوط الإمداد، وتذكر بأن مشروع إستجرار الغاز من مصر إلى لبنان أعاد الحديث عن خط الغاز العربي، حيث أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تكون قد قرّرت تجاوز قانون قيصر لمساعدة بيروت فقط.
من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن تجاهل هذا الملف عند تناول زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، أول من أمس، عبدالله بن زايد آل نهيان، نظراً إلى أن بلاده من أبرز داعمي منتدى غاز البحر المتوسط، الذي تشارك فيه أيضاً مصر والأردن، ومن الطبيعي أن يسعى هذا المنتدى إلى ضمّ دول أخرى إليه، لا سيما سوريا، لتحقيق الأهداف المتوخّاة منه.
ما يعزز هذه الفرضيّة، بحسب ما تؤكّد المصادر نفسها، هو أنّ الوزير الإماراتي، قبل أن يصل إلى دمشق، كان في زيارة إلى قبرص، الدولة العضو في هذا المنتدى أيضاً، وكانت الأوضاع في شرق المتوسط على رأس قائمة المباحثات، مع العلم أن الوزير المذكور، كان قد التقى وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في العاصمة الأميركية واشنطن، في منتصف الشهر الماضي، وهي أيضاً من الدول الأعضاء في المنتدى المُشار اليه.
في المحصّلة، هي لعبة المصالح بالدرجة الأولى التي تبرر الإنفتاح الإماراتي على سوريا، الأمر الذي قد يدعو للسؤال عن الأسباب التي تحول دون ذهاب لبنان إلى مثل هذه الخطوة، خصوصاً أنّ الجميع متّفق على أن دمشق هي البوّابة الطبيعيّة له نحو العالم العربي، بالإضافة إلى أهميّتها الإقتصاديّة في مجالات أخرى.
النشرة
Views: 4