ما دقّة التسريبات الإسرائيليّة التي تتحدّث عن تحالفٍ رباعيّ يضم السعوديّة والإمارات والبحرين إلى جانب “الكيان” للتصدّي لتهديد المُسيّرات اليمنيّة واللبنانيّة؟ وكيف أصبحت هذه المُسيّرات الخطر الأكبر الذي يُهَدِّد هذا التحالف؟ وما عُلاقة ذلك باختِراق المُسيّرة “الإسلاميّة” لأجواء الجليل المُحتل وعودتها سالمة؟
عبد الباري عطوان
بعد نجاح طائرة استِطلاع مُسيرّة في اختِراق الأجواء الفلسطينيّة المحتلّة، والتوغّل لأكثر من 40 دقيقة في مسافة 70 كيلومترًا دون أن تنجح الصّواريخ والطّائرات والمدفعيّة الإسرائيليّة في إسقاطها، وعودتها إلى قواعدها سالمة دُون أيّ “خدش” مُثقلة بالمعلومات والصّور عالية الأهميّة حول القواعد العسكريّة للعدوّ، بات الحديث عن المُسيّرات الأكثر تداولًا هذه الأيّام، في أوساط القيادات السياسيّة والعسكريّة ليس في دولة الاحتِلال “المصدومة” وحدها وإنما في أوساط حُلفائها الجُدد خاصَّةً في مِنطقة الخليج.
حتى لا نُغرق في العُموميّات، هُناك حدثان مُهمّان يعكسان دقّة ما نقوله آنفًا:
-
الأوّل: دعوة دولة الإمارات العربيّة المتحدة على لسان وزير دولتها للذّكاء الاصطِناعي السيّد عمر سلطان أثناء ندوة في معرض “يومكس” الذي أُقيم في أبوظبي، إلى عمل جُيوش الدّول الحليفة معًا لبناء “درع” يحمي من خطر الطّائرات المُسيّرة بعد تعرّضها (الإمارات) لهجمات شنّتها حركة “أنصار الله” الحوثيّة اليمنيّة مطلع الشّهر الحالي.
-
الثانية: كشف مصادر أمنيّة إسرائيليّة للقناة 12 العبريّة عن تشكيل تحالف رباعي يضم “إسرائيل” ودُوَلًا في المنطقة أبرزها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات لمُواجهة تهديد هذه المُسيّرات على أمن ومصالح هذه الدّول.
ما نُريد قوله إن هذه المُسيرّات رخيصة التّكلفة، عالية الإصابة، (حواليّ ألف دولار تقريبًا) باتت تُشَكِّل “مُعضلة” و”صُداعًا” لحُلفاء أمريكا في المنطقة العربيّة، خاصَّةً المُتطوّرة منها، التي يَصعُب رصدها من قبل الرّادارات المُتقدّمة، وبالتّالي إسقاطها، ونجاح المُسيّرة التّابعة لحزب الله قبل أيّام في اختِراق أجواء الجليل المُحتل والعودة “بغلّتها” من المعلومات المُهمّة جدًّا، وبأمانٍ تعكس هذه المُعضلة.
الأهم من ذلك، ومثلما اتّضح من هذا الاختِراق فشَل المروحيّات والطّائرات الحربيّة والصّواريخ في إسقاط هذه المُسيّرة حسب البيانات الرسميّة للمُتحدّثين باسم الجيش الإسرائيلي، وحتّى لو نجحت في إسقاطها، فإن التّكلفة ستكون عالية، خاصَّةً إذا تمّ استِخدام صواريخ “الباتريوت” أو منظومة “ثاد” الأحدث في التّرسانة العسكريّة الأمريكيّة، فتكلفة كُل صاروخ تتراوح بين مِليون إلى خمسة ملايين دولار، وإذا وضعنا في اعتِبارنا أن “حزب الله” يملك أكثر من ألفيّ طائرة مُسيّرة، حسب تقرير عسكري استندت إليه صحيفة “الجيروزاليم بوست” نسبة كبيرة منها مُصنّعة ذاتيًّا في معامل مُقامة في جبال جنوب للبنان، فإن مصدر القلق الإسرائيلي سيتفاقم، خاصَّةً أننا لا نتحدّث هُنا عن ترسانةِ الصّواريخ الباليستيّة التي يملكها “حزب الله” وتُقدّرها الأوساط الإسرائيليّة نفسها بأكثر من 150 ألف صاروخ نسبة كبيرة منها من النّوع الدّقيق الذي يُصيب أهدافه بدقّةٍ عالية، ولا تزيد احتِمالات الخطأ عن عشرة أمتار.
إذا صحّت الأنباء العبريّة التي تتحدّث عن حلف رباعي إسرائيلي إماراتي سعودي، وربّما البحرين الدّولة الرابعة، للتصدّي لسِلاح المُسيّرات الذي يُرعبها، فإنّ حال هذه الدّول الخليجيّة مِثل حال الذي يستجير من الرّمضاء بالنّار، لأنّ مُشاركتها دولة الاحتِلال الإسرائيلي في هذا الحِلف سيُؤدّي إلى تفاقم الأخطار التي تُريد درئها مُضافًا إلى ذلك، أن “إسرائيل” التي فشلت في التصدّي لطائرة مُسيّرة لحزب الله، كيف ستنجح في مُساعدة حُلفائها الخليجيين في التصدّي لهذا الخطر، الذي بات يُحاصرها من جبهتين، الأُولى شمالية في العِراق (ألوية الوعد الحق العِراقيّة المجهولة التي أطلقت خمس مُسيّرات أوائل الشّهر الحالي الى أبو ظبي)، والثانية في الجنوب الغربي تتمثّل في حركة “أنصار الله” اليمنيّة، ونحن لا نتحدّث هُنا عن المُسيّرات الإيرانيّة في الجبهة الشرقيّة التي يُقدّر عددها بعشَرات الآلاف وتُوصف من قِبَل الخُبراء العسكريين في الغرب بأنّها من أكثر المُسيّرات تقدّمًا في العالم.
زمن الطّائرات الحربيّة الأمريكيّة المُتطوّرة الذي كانت تملكها “إسرائيل” وتجعلها تحسم الحُروب ضدّ الأنظمة والجُيوش العربيّة في ساعاتٍ معدودة قد انتهى وإلى غير رجعة، والفَضل في ذلك يعود إلى المُسيّرات الحديثة والصّواريخ الباليستيّة المُصنّعة ذاتيًّا في كُهوف صعدة وجنوب لبنان، وأنفاق قِطاع غزّة.
ما يُهَدِّد أمن واستِقرار مُعظم الدّول الخليجيّة هذه الأيّام هو تطبيعها، ومن ثمّ تحالفها، مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، والحَل الأمثل والاقل تكلفة هو العودة إلى الحُضن الوطني العربي، والتخلّي عن هذا الحليف الإسرائيلي الذي بات عاجِزًا عن حماية نفسه، وسيكون هدفًا للصّواريخ وللمُسيّرات العربيّة والإسلاميّة، سواءً في جنوب لبنان أو جنوب فِلسطين، أو في اليمن، وربّما يُفيد التّذكير بِما يجري حاليًّا في أوكرانيا حيث كان الرّد الأمريكي الأوروبي على الغزو الروسي بالإدانات و”دراسة” فرض عُقوبات على روسيا لن تكون مُجدية، وستكون لها آثارًا عكسيّة، والذّكي هو من يتّعظ بدُروس غيره.
Views: 8