خطا رئيس السن في البرلمان اللبناني نبيه بري بدعوته النواب المنتخبين لعقد جلسة الثلاثاء المقبل لانتخاب رئيس للمجلس النيابي ونائبه وأعضاء هيئة مكتبه، خطوة نحو إعادة تكوين السلطة على أن تُستكمل بتشكيل حكومة جديدة توقف الارتطام الكبير الذي يصطدم به لبنان، وصولاً إلى تأمين الانتقال السلمي لرئاسة الجمهورية بانتخاب رئيس جديد خلفاً للحالي العماد ميشال عون فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 (تشرين الأول) المقبل.
فالرئيس بري وجّه الدعوة لعقد الجلسة لتأمين جاهزية البرلمان بصرف النظر عن عدد النواب الذي سيحصل عليه للتجديد له لولاية سابعة بغياب أي منافس له من جهة، ولإسقاط من يحاول التذرُّع بأن تعذُّر انتخابه سيعيق الانتقال إلى تشكيل حكومة جديدة بدلاً من الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال في ظل غياب بعض الوزراء عن السمع في حين يغرق البلد في انفجار اجتماعي شامل وفي عتمة غير مسبوقة من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج.
لذلك؛ حرص بري على توجيه الدعوة لعقد الجلسة ضمن المهلة الدستورية، مع أنها مهلة حث لا إسقاط، وكان في وسعه التريُّث في تحديد موعدها، لكنه، كما تقول مصادره، آثر عدم الصمت وأراد تحريك المياه الراكدة؛ لأن من غير الجائز تعليق البحث بإعادة تكوين السلطة أو ترحيله لعله يؤمّن إعادة انتخابه رئيساً للبرلمان بأكثرية 65 نائباً أي نصف عدد أعضاء البرلمان زائد واحد، أو ما يفوق هذا الرقم في ضوء عدم حصول المحور الداعم له على الأكثرية في البرلمان التي ذهبت إلى أكثريات عدة توزّعت بين القوى السياسية التقليدية والتغييرية ومعها عدد لا بأس به من النواب المستقلين.
ويمكن أن يُعاد انتخاب بري رئيساً للبرلمان، إذا لم يتأمّن له في دورتين انتخابيتين الأكثرية النيابية المطلوبة، في دورة انتخابية ثالثة بأكثرية الحضور زائد واحد، شرط أن يكتمل النصاب المطلوب لعقدها، رغم أن إعادة خلط الأوراق في البرلمان المنتخب تبقى السمة البارزة مع نشوء تكتّلات نيابية جديدة، أبرزها تلك الناطقة باسم القوى التغييرية أو الأخرى التي ما زالت قيد البحث.
كما أن إعادة انتخاب بري بغياب أي شكل من أشكال التسويات، وتحديداً من تحت الطاولة سيؤدي حتماً إلى تعدُّد المرشحين لمنصب نائب رئيس البرلمان، ومن بينهم من يُنتخب نائباً للمرة الأولى، وهذا ما يفتح الباب أمام منافسة قل نظيرها، وإن كانت القوى التغييرية قد ارتأت عدم خوض المعركة بترشيح النقيب السابق للمحامين في بيروت ملحم خلف والاقتراع بورقة بيضاء بخلاف ما تردّد بأنها ستقترع لمصلحة نائب من غير النواب الشيعة الذين أخلوا الساحة للرئيس بري.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقربة من القوى التغييرية، بأنها تواصل اجتماعاتها المفتوحة لوضع ورقة عمل موحّدة تشكّل خريطة الطريق لدور النوب المنتمين إليها في البرلمان على قاعدة توزيع الملفات على النواب الأعضاء المدعومين بفرق عمل تأخذ في الحسبان الأولويات التي ستعمل من أجلها.
وأكدت المصادر، بأنها وإن كانت نأت بنفسها عن التجديد لبري أو الترشُّح لمنصب نائبه، فإنها ستقرر في الساعات المقبلة موقفها من معركة نيابة الرئاسة، وقالت بأن التغيير يبدأ بتشكيل حكومة طوارئ غير الحكومات السابقة لإنقاذ البلد ومن خلال اللجان النيابية، وأولوية المواضيع التي ستُدرج على جدول أعمالها.
وفي المقابل، رأت مصادر سياسية مواكبة لموقف «اللقاء النيابي الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور وليد جنبلاط بأنه يتعاطى بواقعية مع انتخاب رئيس البرلمان ما دام أن لا منافس لبري، وإن كان الجو الشبابي يطمح إلى إحداث تغيير، وقالت إن موقفه من انتخاب نائب الرئيس يخضع حالياً للتنسيق مع القوى السيادية ولن ينفرد في اتخاذ موقف من دون العودة إليها، وإن كانت ليست بوارد تأييد النائب إلياس بو صعب، في حال تبنّى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ترشّحه، رغم أن الأجواء بينهما ليست على ما يرام، وأن مفاعيل الارتدادات السلبية الناجمة عن الانتخابات ما زالت قائمة في ضوء ميل باسيل نحو تأييد إدي معلوف عن المقعد الكاثوليكي في المتن الشمالي؛ ما كاد يهدد نيابة بو صعب وإبراهيم كنعان بإصراره على حجب الأصوات التفضيلية عنهما لمصلحة معلوف الذي لم يحالفه الحظ.
وحسم «تكتل التغيير والاصلاح» قراره بدعم النائب الياس بو صعب، لنيابة رئاسة مجلس النواب. ولم يعرف إذا كان النائبان آلان عون وإبراهيم كنعان سيصوتان لمصلحة بري بخلاف إرادة باسيل الذي تمرّد على إرادة حليفه «حزب الله» بعدم تأييده لبري إلا بشروط، وهذا ما يرفضه الأخير بعدم دخوله في مقايضة مع أحد مقابل انتخابه، علماً بأن خمسة نواب من كتلة التيار العوني كانوا انتخبوا بأصوات شيعية.
فباسيل يحاصر نفسه، كما يقول مصدر نيابي، بازدواجية المعايير ووافق من أجل أن يزيد من حصته النيابية على أن يتحالف مع الثنائي الشيعي من دون شروط، وقرر أن يسحب هجومه على رئيس المجلس من التداول وأقرّ بدفتر الشروط الذي ألزمه به حليفه «حزب الله» ليعود لاحقاً إلى فتح النار على حركة «أمل» من دون أن يسمّيها ما استدعى رداً قاسياً من المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل من دون أن يسمّيه.
كما أن باسيل برفضه انتخاب بري، يحاول أن يزايد على موقف خصومه في الشارع المسيحي لعله يستعيد ما خسره بسبب توفيره الغطاء السياسي لـ«حزب الله»، مع أنه يدرك جيداً بأنه أوشك على أن يفقد أوراقه كلاعب سياسي أساسي باقتراب انتهاء ولاية عون الذي نجح بري بإعادة تكوينه للبيت التشريعي في حشره في الزاوية ولم يعد له من خيار سوى الدعوة فور إعادة انتخاب بري لإجراء استشارات نيابية مُلزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة الجديدة.
وهذا ما يكمن وراء إلحاح المجتمع الدولي على ضرورة ولادتها بسرعة؛ لأن التأخير سيرفع من تكلفة الفاتورة السياسية التي يُفترض أن يسدّد قيمتها البلد الذي لم يعد لديه ما يسدّده سوى جرّه إلى مزيد من الانهيار مع تصاعد حركات الاحتجاج في الشارع التي بدأت تعم معظم المناطق التي لم تعد قادرة على تأمين لقمة العيش بعد أن استسلمت حكومة تصريف الأعمال وسلّمت البلد للقضاء والقدر يبحث أهله عن سترات النجاة لتفادي الكوارث التي تنتظرهم.
ولا يزال الغموض قائماً لمعرفة من سيكون نائب رئيس المجلس النيابي في ضوء القرار النهائي الذي سيتخذه حزب «القوات اللبنانية” لجهة حسم قراره بترشيح النائب غسان حاصباني، وما إذا كان سيكون طرفاً في المنازلة النيابية، أم أن المعركة ستكون محصورة بين النائبين غسان سكاف وسجعان عطية؟ رغم أن حديثه عن تشكيل ائتلاف نيابي شمالي لم يكن في محله بعد أن قوبل باعتراض من قبل عدد من زملائه الشماليين من خارج دائرة عكار الانتخابية.
Views: 3