هبا يوسف – البلاد
شغف، طموح،إبداع،استكشاف،فن،رقي،عناوين بارزة في شخصية بنت البلد التي فتحت لنا قلبها لنتحاور معا في هذا اللقاء الممتع ،فهي لا تزال هاوية في عالم الفن والألوان تبحثُ، تستكشفُ ، تبدعُ وتجددُ وتحوّل الأشياء من حولها إلى قطع فنية تروي لنا حكايات الجمال والإبداع لتثبت أنّ الفنان يستطيع أن يبعث الروح في كل ماتلمسه أنامله الذهبية لينثر الجمال في كل مكان معلناً عن حياةٍ أبهى وبطعم فائق المذاق.
إنها الفنانة التشكيلية الجميلة قلبا وقالبا هيام سلمان فتعرف عن نفسها قائلة: أنا امرأة عادية جدا ولكنّي شغوفة بالفن فهو يحيط بي من كل جانب ويدخل في تفاصيل حياتي الصغيرة، ومازلت أتعلم من مدرسة الحياة وأصقل تجاربي الفنية والحياتية على حدٍّ سواء، ولا أعتبر نفسي وصلت إلى ما أصبو إليه.
قامت الفنانة هيام بالعديد من المعارض التشكيلية المهمة في البلد وخارجه وشاركت في العديد من النشاطات والمشاريع وكان آخرها المشاركة في (مشروع يدي) في اليابان عبر عدد من اللوحات التي تحولت إلى شالات غاية في الروعة والجمال، فكيف استطاعت أن تصل إلى العالمية من محليتها دون الهجرة أو السفر خارجا، فتقول: لا أعتقد أن ماقمت به من مشاركة قد جعلني فنانة عالمية بل أعتقد أن المحلية هي العالمية في حد ذاتها، فقد شاركت بمشروع يدي عبر الفيس بوك وتمت الموافقة من قبل السيدة يوكي التي تدعم بمشروعها الفنانين خصوصا في مناطق العالم المنكوبة ك العراق وسورية وغيرها فكان الشغل المبسط في لوحاتي قريب من ثقافة اليابانيين التي كانت تعتمد البساطة في التعبير، وكانت مشاركتي بعيدة عن أي هدف مادي لأن الفن أسمى بكثير.
وعلى المستوى الشخصي تحول لوحاتي الستة إلى شالات سرني كثيراً سيما أنهم يحملون بصمتي وجهدي.
وعن تجربتها الفنية في إعادة التدوير من بقايا القماش وتحويلها إلى لوحات فنية أو قطعا تراثية تستفيد منها السيدة السورية في منزلها تقول: بدأت تجربتي مع بقايا القماش منذ عام 2000 حيث كنت أعمل في مشغلي الخياطة وأجمع مايتبقى من القماش وكان هناك دافع لجمعها ووضعها في أكياس وبعد أن أغلقت المشغل بدت لي فكرة الاستفادة من البقايا على شكل لوحات مستفيدة من ثقافة الترقيع في الريف السوري الفقير الذي كان يرقع الملابس المهترئة أو يستفيد من الملابس القديمة في صنع الملاحف أو أغطية الطاولات على شكل مربعات مختلفة الألوان فوظفت تلك البقايا ك بديل لوني في لوحاتي فكانت هي المادة الخام المستعملة وقمت بالمشاركة في العديد من المعارض بتلك اللوحات القماشية، فكان الإقبال شديد و التشجيع كبير على الاستمرار بهذا النوع من الفن اللصيق بالمرأة السورية والتراث عبر الزمن.
وحاليا تقام دورة لتعليم هذا الفن للكبار والصغار والنساء والشباب على حد سواء، وقد كان هذا الموضوع حلم بالنسبة لي ولكن لم أجد وقتا مناسبا أكثر من هذا الوقت العصيب الذي تمر فيه سورية فالناس في السابق لم تكن تهتم أما حاليا فالظروف الاقتصادية تستدعي مشاريع جديدة كإعادة التدوير والاستفادة منها قدر الإمكان،كالقماش الذي نستطيع أن نصنع منه كل ماهو مفيد وجميل.
والتركيز الأكبر في الدورة على الناشئين وقيمة أن يحتكوا بالعمل اليديوي ويصنعوا أعمال يدوية فنية بأيديهم، فيتعلمون تدوير القماش والسيراميك وصناعة الدمى عبر مستويات متتالية وقد يشاركون في المهرجان السنوي الذي تقيمه جمعية ارسم حلمي، تشجيعا لهم على الاستمرارية في الأعمال اليدوية التراثية.
كيف تجسّد انتماء التشكيلية هيام سلمان للبلد؟ وما الرسالة التي تحملها في جعبتها من خلال أعمالها الفنية ونشاطاتها؟
أجد نفسي منتمية للعضم لهذا البلد على الرغم من كل الضغوط والإحباطات والعراقيل المستمرة والوضع المعيشي صعب، فحالي كحال كل المواطنين ولكن هناك رسالة وهدف لايمكن أن يتحققا إلا هنا على هذه الأرض التي عشنا فيها أجمل أيام حياتنا وذكرياتنا في كل شارع وبيت وركن من أركان البلد، حتى السكن والجمعية أقمتها في بسنادا وفي مكان يحتاجها فيه شريحة من الناس ونحن نحتاجهم أيضا، لأننا نحقق الهدف معا، فعندما يأتينا طفل لايعرف إلا حب الرسم فننمي موهبته ونصقلها وينشأ على حبها وقد يتخصص بدراستها عندما يصبح شابا فتحدث تغييرا جذريا بحياته ومستقبله، وهناك الكثير من الطلاب الذين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة وبعضهم يدرّس فيها، وبعضهم الآخر هم الذواقون للفن ويدرسون فروعا أخرى ولكنهم يمارسون العمل الفني دون انقطاع، فاانتماؤنا لهؤلاء الناس وترك أثر فيهم، والنهل من التراث وتطويره أكبر دليل على انتمائنا لهذا البلد والتأثير فيه.
وكانت من أبرز الحملات والنشاطات التي تعزز فكرة الانتماء وحب الوطن حملة (حيطانا بتحكي) فقد كانت حملة جمال ردا على القبح الذي تركته الحرب على سورية خلال الأعوام الأخيرة الماضية،بأن تحولت جدران بسنادا وأدراجها إلى لوحات عالمية وعرفت الناس على الفنانين العالميين فكانت حالة العمل رائعة عبر الاحتكاك مع الناس وردود أفعالهم حتى أطفال الحي استطاعوا المشاركة معنا ولونوا بأناملهم الصفيرة، فتعززت ثقافة الجمال في المجتمع المحلي بشكل كبير،وكان كل جدارا وسلما بمثابة جزء صغير من هذا الوطن الكبير فامتلأ حبا وجمالا.
ماذا يمثل لك مشروع (ارسم حلمي) وماذا أضاف لك من خلال تجربتك معه؟
مشروع (ارسم حلمي) كان الحلم الأجمل الذي تحقق بعد صبر طويل، وجاء تلبية لمحبي الرسم والفن والإبداع من الأطفال الذين كنت أدرسهم في المدرسة، فقد استطعت جعل حصة الرسم حصة جمال وفن بعد أن كانت حصة فراغ مهمشة لاتعني شيئا للأطفال، وكان لابد من إكمال مسيرة التعليم والتذوق خارج أروقة المدرسة و نزولا عند رغبة أهالي الأطفال، فبدأ المشروع في منزلي وعُرفت أعمال الأطفال على مستوى المحافظة وأخذت بعض الجهات الثقافية تطلب المشاركة من الأطفال في فعاليات وأنشطة مختلفة ،ولكن في إحدى المرات وقع ظلم على الأطفال الذين كانوا موعودين بتكريم ولم يحصل بعد إنجاز العمل فغضبت وقررت مع الأهالي ألا يضيع عملنا سدىً بعد ذلك اليوم وفعلا تم ترخيص المشروع عام 2010 لتصبح الجمعية رسمية تتبنى الأطفال وترعاهم من الصغر حتى الشباب وذلك بدعم وجهد كبيرين من قبل الأهالي و زوجي النحات ماهر علاء الدين، ولكن مع انطلاقتنا عام 2011 بدأت الحرب الكونية على سورية وذلك أخّر كثيرا تقدم العمل ومع ذلك أكملنا الطريق وكنا نريد فقط أن يستمر عمل الأطفال وإبداعهم ففي كثير من الأحيان كنا نمر بسيارتنا أنا وزوجي لنصطحبهم إلى مقر الجمعية ونتابع نشاطنا بكل حب.
قدمت لنا الجمعية الكثير فقد أنقذت نفسيتنا خلال الحرب بالعمل المتواصل الجاد، والوقوف مع الأطفال ودعمهم نفسيا ومعنويا،سواء أبناء الشهداء أو الأطفال الذين شاهدوا العنف والقتل على شاشات التلفزة أو في الواقع، فكان رسم الابتسامة على وجوههم من أروع الإنجازات التي قمنا بها وأعطتنا دافع للمضي قدما في تلك الفترة العصيبة.
ما الدور الذي لعبه الفنان النحات ماهر علاء الدين في حياتك كزوج و كشريك حياة خاصة وأنكما تعملان في المجال في المجال نفسه؟
بعينين مليئتين بالحب وابتسامة عذبة تجيبنا قائلة: لو لم يكن شريكي و زوجي ماهر علاء الدين ماكنت على ما أنا عليه الآن، وعلى الرغم من كوننا نقيضين ونقيضين جميلين، فكل منا له آراؤه الخاصة ووجهة نظر مختلفة عن الآخر، لكن مايجمعنا بعمق هو الاحترام والحب والمشاركة والدعم، ماهر شخص متفهم جدا، يدرك تماما ماهية عملنا ويتحمل عشوائية أدواتي الملقاة هنا وهناك حتى أصنع اللوحة التي أريد ، ورأيه فيها هام جدا بالنسبة لي فنتبادل الآراء ونتناقش فيها، إنه نعم الشريك الداعم في حياتي يوفر لي الجو المناسب والوقت والهدوء ويدفعني دائما إلى الأمام، فوجود الشريك المتفهم هام جدا في عملية الخلق الفني الإبداعي.
مالرسالة التي تحب أن توجهها هيام سلمان للمرأة السورية عموما؟
المرأة السوري عانت كما لم تعاني أية امرأة في العالم كله، لذلك أفتخر بكل النساء السوريات، فعلى الرغم من سنين الحرب مازلن يقفن بكل شموخ وقوة يتحدين الصعاب، والبعض منهن أخذن مكان الرجل في الأسرة بسبب الحرب وتبعاتها، فهن من أعطين دروسا للعالم أجمع بالصبر والصمود والقدرة على تخطي المعوقات وتحويلها إلى محفزات للنجاح، لذلك على المرأة بشكل عام أن تكون سندا لنفسها بعلمها وعملها وثقافتها وحضورها ولاتسمح لأي ظرف مهما كان أن يثبط من عزيمتها وقدرتها على تحقيق طموحها وأهدافها لأنه بتطورها يتطور البلد وينمو ويزدهر، وأشجع على دخول المرأة في مجال العمل اليديوي لأنه يحقق لها ولمحيطها الاكتفاء الذاتي، ويعد بمثابة ورقة رابحة في حياتها ويدفعها لبناء مشروعها الداعم لها مدى الحياة.
في الختام كل الشكر والتحايا للمبدعة دوما هيام سلمان التي أخذتنا في رحلة تحليق هائمة في عوالم مختلفة من الإبداع والتميز والفن الراقي وجعلتنا نشعر بقيمة كل شيء حولنا وكيف يمكننا الاستفادة منه في حياتنا، فكانت مثالا يحتذى للمرأة السورية الأصيلة بنت البلد التي استطاعت أن تلعب دورها الحقيقي في بناء المجتمع والنهوض به بأروع صورة ممكنة.
Views: 4