أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت 25-6-2022، نيّة موسكو تزويد بيلاروسيا بصواريخ حديثة قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك بعد ضربات صاروخية انطلقت من بيلاروسيا، سقطت في مناطق حدودية شمال شرق كييف، التي اتهمت مينسك باستهداف أراضيها.
اتخذ بوتين القرار بعد لقاء جمع رئيس البلدين في سان بطرسبرغ في روسيا، وبعد تأكيد من قبله أن الولايات المتحدة قد نشرت 200 قنبلة نووية في مختلف دول الاتحاد الأوروبي. فهذا بالنسبة إليه يعطيه حافز التماثل مع الغرب لضمان وحدة دول الاتحاد الروسي. فهل انتشار الأسلحة #النووية في دول العالم مؤشر على نهاية هذا الكوكب؟
أظهر تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (سيبري) نشر يوم الاثنين 13-6-2022، أن “عدد الأسلحة النووية في العالم سيرتفع في العقد المقبل بعد 35 عاماً من التراجع، وسط تفاقم التوترات العالمية والحرب الروسية في أوكرانيا”. اعتمد التقرير في دراسته على أن لدى القوى النووية التسع – بريطانيا والصين وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان والولايات المتحدة وروسيا – 12705 من الرؤوس النووية الحربية في أوائل 2022، أي 375 رأساً أكثر ممّا كانت عليه أوائل 2021، وفقاً لتقديرات معهد سيبري، بعدما كان عدد هذه الرؤوس النووية قد انخفض إلى مستواه الأدنى في عام 1986، إذ خفضت الولايات المتحدة وروسيا بالتدريج ترسانتيهما الهائلتين اللتين تراكمتا خلال الحرب الباردة نسبة إلى اتفاقيات نزع السلاح النووية.
إن عصر نزع الأسلحة النووية بدأ يقترب من نهايته، وبدأ عصر التصعيد النووي يظهر في أعلى مستوياته اليوم، ولا سيما مع تجربة أوكرانيا في نزع سلاحها مقابل ضمان أمنها حيث لم يتمّ الالتزام بهذه المعاهدات. لقد أكد مات كورد، أحد المشاركين في إعداد التقرير لوكالة فرانس برس “قريباً سنصل إلى النقطة التي يمكن أن يبدأ فيها العدد العالمي للأسلحة النووية بالارتفاع للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة”.
السلاح النووي هو سلاح تدميري فتاك محرّم دولياً لأنه يستخدم عمليات التفاعل النووي، ويعتمد في قوته التدميرية على الانشطار النووي، ونتيجة لهذه العملية تكون قوة الانفجار قنبلة نووية صغيرة أقوى بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، أي قطر الدمار لقنبلة صغيرة قد يكون بتحويل بلد بمساحة جغرافية صغيرة إلى مجرد ركام.
من ينظر إلى الدمار الهائل الذي خلّفه انفجار آلاف الأطنان من مادة الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت لحظة انفجارها وأدّت إلى تدمير نصف العاصمة اللبنانية، ومقتل وجرح الآلاف، يستطيع التكهّن بما يمكن أن يحصل لعالمنا إن نفّذ بوتين وعيده واستخدم ما تملكه روسيا من مخزون نووي، وما يمكن للدول الغربية أن تستعمل من مخزونها النووي أيضاً على روسيا ومن يتحالف معها.
تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مناسبات عدّة، عن إمكانية اللجوء إلى الأسلحة النووية، في إطار التصعيد الحاصل في شرق أوروبا. صحيح أن تهديده باللجوء لاستخدام الأسلحة النووية أتى ضمن سياق التهديد الوجودي لروسيا من قبل الدول الداعمة لأوكرانيا، إلا أن مثل هذا التهديد باستخدام نوع من السلاح الفتّاك يعبّر عن نيّة الوصول إليه، وإطلاقه لتدمير البشرية دون شفقة وتحت عناوين وهمية.
والحرب في شرق أوكرانيا قد دفعت إلى فشل اتفاقية “مينسك” وذلك عقب الخطوة التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاعتراف بمنطقتين انفصاليتين شرق أوكرانيا، في إقليم دونباس. مصير أوكرانيا جعل العديد من الدول تتمسّك بالسلاح النووي كقوة رادعة من الاعتداء عليها من قبل الدول الغازية. ليس هذا فحسب، بل أيضاً دفع هذا الاعتداء الكثير من الدول إلى التفكير جدّياً في امتلاك القنبلة النووية، وعلى رأسها الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ومفاوضاتها مع الدول الستّ حول ملفّها النووي.
يتراقص العالم اليوم على موسيقى التهديدات باستخدام الأسلحة النووية، إذ أظهرت الحرب الأوكرانية هشاشة الاتفاقيات الدولية في تحريم استخدام وتطوير هذا النوع من الأسلحة القادرة على تدمير كوكبنا. فانعدام الثقة الذي عرفته أوكرانيا نتيجة تخلّيها عن ترسانتها النووية إلى موسكو، في المقابل تعهّد الأخيرة باحترام سيادة واستقلال البلاد، كان الدافع للكثير من الدول الى تسريع وتيرة امتلاك القنابل النووية. هذا ما يبرّر فشل المفاوضات الإيرانية الغربية، حيث لم تعد إيران تنتظر نجاح تلك المفاوضات، بقدر ما تحتاج إلى ضمان تصنيعها للقنبلة.
لم تعد الأسلحة النووية تدخل ضمن سياسات “قوة الردع” للدول، بل دخلت نادي الأسلحة الهجومية التدميرية؛ لقد أعلن دميتري روغوزين، رئيس وكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس” في وقت سابق أن “بلاده قادرة في حال نشوب حرب نووية على تدمير دول الناتو في غضون نصف ساعة”. تصريحه هذا أتى بعد كشف روسيا عن صاروخ سارمات الباليستي، السلاح الفتّاك الذي يمنح روسيا بحسب بعض المتابعين، أفضلية المباغتة الفتّاكة والتملّص من الرادارات والأقمار الاصطناعية.
صحيح أن العالم دخل زمن العولمة التي حملت انفتاحاً حضارياً وسرعة في نقل المعلومة عبر الدول، إلا أن السرعة لم تقتصر على المعلومة فقط، بل أيضاً على نقل الأسلحة التدميرية بين الدول باستخدام الصواريخ الباليستية. هذه الصواريخ تحاكي التطوّر البشري في زمن العولمة، إذ لم يعد أي جيش يمتلك من هذه الأسلحة يستخدم الخطط العسكرية التقليدية لاجتياح الدول وإحداث الدمار فيها، بل بكبسة زر وهو من داخل قيادته أصبح قادراً على إطلاق آلاف الصواريخ نحو أيّ هدف في العالم يحتاج إليه، أليس هكذا هي حالة العولمة بنقلها للمعلومة عبر وسائلها العنكبوتية التي ربطت العالم بعضه ببعض؟
أخيراً، مضى ما يقرب من 80 عاماً منذ أن تمّ تفجير قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين أدّتا إلى مقتل ما لا يقل عن 130 ألف شخص، وآثار بيئية وصحّية مدمّرة على المدى البعيد، فضلاً عن الدمار الذي حوّلهما إلى مدينتي ركام. كان هذا منذ أكثر من 80 عاماً، وكان العالم يمتلك فقط قنبلتين، فكيف إذن سيكون كوكبنا مع كل هذا التطوّر التكنولوجي الذي رافق صناعة الأسلحة، وانتشار الرؤوس النووية في العالم بعدد يقدَّر بعشرات الآلاف؟ عندئذٍ وبحسب المثل الشعبي “لن يبقى من يخبّر”.
Views: 3