قيس سعيد ينجح في اعتماد دستور يكرس النظام الرئاسي في تونس..
ومعارضيه يعتبرون أن تدني المشاركة يقوّض شرعية العملية
ونس ـ أيمن جملي وفرنسواز قادري:
(أ ف ب) – حقق الرئيس التونسي قيس سعيد نجاحا في اختبار الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من المشاركين فيه على مشروع الدستور الجديد الذي يمنحه صلاحيات واسعة قد تعرض الديموقراطية التونسية الفتية للخطر، لكن معارضيه يعتبرون أن تدني المشاركة يقوّض شرعية العملية.
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر مساء الثلاثاء أن 94,6 بالمائة من المشاركين في الاستفتاء وافقوا على الدستور الجديد، مشيرا الى نتائج أولية.
وقال بوعسكر للصحافيين أن العدد الاجمالي للمشاركين في الاستفتاء بلغ2,756,607 ناخبا من أصل 9,3 مليون يحق لهم التصويت، وقد صوّت 2,607,848 ب”نعم” على الدستور الجديد.
وكان سعيد قد تحدث عن “مرحلة جديدة” في خطاب ألقاه ليلا أمام مؤيديه في وسط تونس العاصمة، قائلا إن “ما قام به الشعب درس، أبدع التونسيون في توجيهه للعالم”.
وأضاف “اليوم عبرنا من ضفة إلى أخرى.. من ضفة اليأس والاحباط إلى ضفة الأمل والعمل وسنحقق هذا بفضل إرادة الشعب والتشريعات التي ستوضع لخدمته”.
واتهمت “جبهة الخلاص الوطني”، وهي تحالف أحزاب معارضة في تونس، الثلاثاء الهيئة الانتخابية ب”تزوير” أرقام نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور، مدعية أن استفتاء الرئيس قيس سعيد “فشل”.
تونس التي تواجه أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا التي تعتمد عليها في استيراد القمح، تشهد استقطاباً شديداً منذ أن تولى سعيّد، المنتخب ديموقراطياً في العام 2019، جميع السلطات في 25 تموز/يوليو 2021.
وسط مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية للدستور الذي يُخشى أن يعيد البلاد إلى نظام سلطوي شبيه بالذي كان قائماً قبل العام 2011، تمثّل التحدّي الأبرز في نسبة الإقبال التي وصلت إلى 27,54 في المئة على الأقل من أصل 9,3 مليون ناخب مسجل، وفقاً للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. وكان قد شارك 32 في المئة من الناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العام 2019.
بعد إعلان هذه التقديرات، نزل بضع مئات من أنصار الرئيس إلى شارع الحبيب بورقيبة ليلاً للاحتفال “بالانتصار” ورددوا “بالروح بالدم نفديك يا قيس” وهم يلوحون بالاعلام التونسية.
وعند قرابة الساعة الأولى بتوقيت غرينتش، ظهر الرئيس أمام الحشد مبتهجاً، وقال “تونس دخلت مرحلة جديدة”، مؤكداً أن نسبة المشاركة “كان يمكن أن تكون أعلى لو جرت عملية التصويت على يومين”.
وأشار مدير شركة “سيغما كونساي” إلى أن الناخبين كانوا خصوصاً من “الطبقة الوسطى الأكثر حرماناً ومن البالغين الذين يشعرون بأنهم تعرّضوا للخذلان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً”.
وقال المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي إن النتائج تظهر “ارتفاعا واضحا للمشاركة” مقارنة بنسب المشاركة في الاستشارة الالكترونية التي سبقت الاستفتاء وشارك فيها حوالي 600 ألف شخص.
وتابع “ظاهريا الأرقام ضعيفة ولكنها مهمّة جدا في ما يتعلق بشعبيته” وتعطيه دفعا لمواصلة مساره السياسي “انفراديا”.
– “ميل إلى الاستبداد” –
وقال النادل عماد هزي (57 عاما) لوكالة فرانس برس “لدينا أمل كبير في 25 تموز/يوليو. تونس ستزدهر اعتباراً من اليوم”.
يمنح الدستور الجديد المثير للجدل صلاحيات واسعة لرئيس الدولة، ممّا يخالف النظام البرلماني المعمول به منذ العام 2014.
وينصّ الدستور على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه ويمكن أن يقيله إن شاء، بدون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كذلك يملك الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من قبل نواب البرلمان.
وندّدت المعارضة والمنظمات غير الحكومية بالنصّ الجديد معتبرةً أنه “مفصّل على قياس” سعيّد ويحصر السلطات بأيدي الرئيس الذي لا يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد. في المقابل يُمنح للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
وكان صادق بلعيد، الحقوقي الذي عيّنه سعيّد لوضع الدستور الجديد، قد تبرّأ من النص النهائي معتبراً أنه يمكن أن “يفتح الطريق أمام نظام ديكتاتوري”.
وقال الحنّاشي “ستتمدد اليد وتتوسع بفضل شعبيته والسؤال المطروح اليوم ما مستقبل المعارضة من احزاب ومنظمات وكيف ستتعامل مع الرئيس؟”.
– “لا ضمانات” –
ويعتبر سعيّد (64 عاماً) مشروع الدستور الجديد امتداداً لعملية “تصحيح المسار”. وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 تمّوز/يونيو 2021 باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقا. ومن المقرر أن تُنظم انتخابات نيابية في كانون الأول/ديسمبر.
ويقول مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “اللجنة الدولية للحقوقيين” سعيد بنعربية لوكالة فرانس برس إن الدستور الجديد “يمنح تقريبا كل السلطات للرئيس ويحذف كل الأنظمة والمؤسسات التي من شأنها أن تراقبه”.
ويضيف بنعربية “لا توجد أيّ ضمانات يمكن أن تحمي التونسيين من الانتهاكات المماثلة لتلك التي مارسها نظام بن علي”، معرباً عن اقتناعه بأنّ الدستور الجديد “يقنّن الاستبداد”.
من جهته، يشير المحلّل يوسف الشريف إلى أن فضاءات الحرية تبقى مضمونة، لكنّ مسألة العودة إلى نظام مشابه لنظام الحكم الديكتاتوري السابق لزين العابدين بن علي، يمكن أن تُثار “بعد قيس سعيد”.
وقال نور الدين الرزقي وهو حاجب يعمل في تونس “بعد 10 سنوات من خيبة الأمل والإفلاس في إدارة الدولة والاقتصاد، يريد التونسيون التخلص من النظام القديم واتخاذ منعطف جديد”.
وأضاف “حقيقة ألا يكون مستوى المشاركة مرتفعا، فهو أمر طبيعي ويحصل في بقية أنحاء العالم، على سبيل المثال في الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا”.
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لايجاد الحلول لذلك، خصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار التفاوض على برنامج مساعدات، مشيراً إلى أنّ المحادثات بين الجانبين حقّقت “تقدماً جيّداً”. ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض حوالى ملياري يورو. (ا ف ب)
Views: 3