والاشتباكات مُستمرّة وقذائف الهاون تسقط ببغداد.. الكاظمي يدعو لتحمّل المسؤولية الوطنية لحفظ الدم العراقي والصدر يتمسّك بالإضراب عن الطعام ودعوات عربية ودولية لتغليب لغة الحوار
بغداد ـ من جون ديفيسون وحيدر كاظم:
اندلعت اشتباكات ضارية في العاصمة العراقية بغداد أودت بحياة نحو 20 شخصا اليوم الاثنين بعد أن دفع قرار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الانسحاب من الحياة السياسية أنصاره إلى اقتحام مجمع حكومي ضخم في بغداد مما أدى لاندلاع اشتباكات مع جماعات شيعية منافسة.
ومع حلول الليل، دوت أصوات نيران المدافع الرشاشة والانفجارات في المنطقة الخضراء التي تضم مقار حكومية وسفارات أجنبية، في أسوأ قتال تشهده العاصمة العراقية منذ سنوات.
جاء ذلك عقب أعمال عنف على مدار اليوم اندلعت بعد إعلان الصدر انسحابه من جميع الأنشطة السياسية، وهو قرار قال إنه جاء ردا على تقاعس زعماء وأحزاب شيعية أخرى عن إصلاح نظام حكم يصفه بالفاسد والمهترئ.
وأعلن الصدر لاحقا الإضراب عن الطعام احتجاجا على استخدام السلاح من قبل جميع الأطراف.
ودفعت المواجهة السياسية بين الصدر وخصومه من الشيعة، المدعومين في الغالب من إيران، العراق إلى جولة أخرى من العنف في الوقت الذي يكافح فيه للتعافي من حرب وعقوبات وحرب أهلية وفساد مستشر على مدى عقود.
ومنذ عام 2003، انخرطت الجماعات العراقية في صراع طائفي، قبل أن تدخل في الآونة الأخيرة في تنافس سياسي داخلي على مستوى الطائفة والعرق.
وتدور أحدث جولة من أعمال العنف بين أنصار الصدر، الذين يضمون مجموعات مسلحة بأسلحة ثقيلة، في مواجهة فصائل شبه عسكرية متحالفة مع إيران وقوات الأمن.
وتصاعد التوتر، الذي تجسد في نهاية المطاف في العنف الذي اندلع اليوم الاثنين، على خلفية فوز الصدر في انتخابات أكتوبر تشرين الأول ومحاولاته تشكيل حكومة خالية من الجماعات المدعومة من إيران وانسحابه في نهاية المطاف من البرلمان لينظم أنصاره احتجاجات في الشوارع ويحتلوا المباني الحكومية بهدف عرقلة النشاط السياسي.
وقال مسؤولون أمنيون إن بعض الاشتباكات كانت بين مقاتلي سرايا السلام التابعة للصدر وأفراد من قوات الأمن العراقية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، لكن من المحتمل أيضا أن تكون الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران متورطة فيها.
ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل ممن أطلق النار على من ليل الاثنين.
وكان الصدر أعلن في بيان عبر تويتر “إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات”، منتقدا زعماء الشيعة السياسيين الآخرين لعدم استجابتهم لدعواته للإصلاح.
وهاجم الموالون للصدر، الذين يحتلون مبنى البرلمان منذ أسابيع، مقر الحكومة في المنطقة الخضراء الآمنة ببغداد، كان في السابق قصرا لصدام حسين، حيث قفز بعضهم في حوض سباحة ولوحوا بالأعلام.
ثم اندلعت اشتباكات بين شبان موالين للصدر وأنصار الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران، إذ رشقوا بعضهم بعضا الحجارة قرب المنطقة الخضراء، قبل الاشتباكات المسلحة ليلا.
وقالت الشرطة وعاملون في القطاع الطبي إن ما لا يقل عن 17 شخصا قتلوا وأصيب العشرات.
في غضون ذلك، أعلن الجيش العراقي حظر تجول مفتوحا في جميع أنحاء البلاد وحث المتظاهرين على مغادرة المنطقة الخضراء.
وعلى أثر ذلك، حثت سفارة الكويت في العراق مواطنيها على مغادرة البلاد، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية. وطلبت السفارة من الكويتيين الراغبين في السفر للعراق تأجيل رحلاتهم.
وكان الصدر، الذي اكتسب شعبية واسعة بسبب معارضته لنفوذ الولايات المتحدة وإيران في العراق، هو الفائز الأكبر في الانتخابات التي جرت في أكتوبر تشرين الأول لكنه سحب جميع نوابه من البرلمان في يونيو حزيران بعد أن فشل في تشكيل حكومة من اختياره تستبعد خصومه وأغلبهم من الأحزاب الشيعية المدعومة من طهران.
ويصر الصدر على إجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان واستبعاد أي سياسي تولى منصبا منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
* مأزق
يخشى عراقيون كثيرون من أن تؤدي تحركات كل معسكر شيعي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.
وقال كاظم هيثم أحد أنصار الصدر “جاء الموالون (لإيران) وأحرقوا خيام الصدريين وهاجموا المتظاهرين”.
وأنحت الجماعات الموالية لإيران باللوم على الصدريين في الاشتباكات ونفت إطلاق النار على أحد. وقال عضو في فصيل مسلح طلب عدم الكشف عن هويته “هذا غير صحيح. لو كان لدى أفرادنا سلاح فلماذا يحتاجون لرمي الحجارة؟”.
وسبق أن انسحب الصدر من السياسة والحكومة وحل الفصائل الموالية له، لكنه يحتفظ بنفوذ واسع داخل مؤسسات الدولة وما زال لديه فصيل مسلح يقدّر عدد أعضائه بعدة آلاف.
وغالبا ما كان يعود الصدر إلى نشاطه السياسي بعد إعلانات مماثلة، على الرغم من أن الأزمة السياسية الحالية في العراق يبدو أنها عصية على الحل مقارنة بفترات الشلل السابقة.
وأدى المأزق الحالي بين الصدر ومنافسيه الشيعة إلى بقاء العراق بدون حكومة لأطول فترة في تاريخه.
واقتحم أنصار الصدر المنطقة الخضراء أول مرة في يوليو تموز. ويحتلون البرلمان منذ ذلك الحين ويوقفون عملية اختيار رئيس ورئيس وزراء جديدين للبلاد.
وقال مصطفى الكاظمي، حليف الصدر والذي يقود حكومة لتصريف الأعمال، إنه وجه بتعليق جلسات مجلس الوزراء حتى إشعار آخر بعد “دخول متظاهرين إلى القصر الحكومي” اليوم الاثنين. وناشد الصدر علانية التدخل لوقف العنف.
ويواجه العراق صعوبات في التعافي منذ دحر تنظيم الدولة الإسلامية في 2017، ويعود السبب في ذلك إلى الصراع بين الأحزاب السياسية على السلطة والثروة النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
وأعلنت الحكومة العراقية عن حظر التجوال في جميع أنحاء البلاد .
ودعت مصر والجزائر وجامعة الدول العربية العراقيين إلى تغليب لغة الحوار لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، مع تحذير من انزلاق البلاد إلى “مزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء”، وفق بيانين واتصال هاتفي.
وتلقى الرئيس العراقي برهم صالح مساء اليوم الاثنين، اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وذكر بيان للرئاسة العراقية أن الرئيس المصري أكد خلال الاتصال الهاتفي “أن القيادة المصرية تتابع باهتمام التطورات في العراق بحكم العلاقة الأخوية التي تجمع البلدين”.
وجدد السيسي دعم بلاده لأمن واستقرار وسلامة الشعب العراقي.
وأعرب عن الأمل “في تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الإستقرار والأمن والرخاء للعراقيين”.
وأعرب الرئيس برهم صالح عن شكره وتقديره إلى الرئيس السيسي لاهتمامه ومتابعته للوضع في العراق والجهود القائمة لدعم مسارات الحوار والتلاقي.
ودوليا، حذرت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والأمم المتحدة من خطورة التطورات الراهنة في العراق، ودعت المحتجين إلى احترام مؤسسات الدولة وحثت القوى السياسية على التهدئة والحوار لحل الخلافات، بحسب بيانات.
ويشهد العراق أزمة سياسية زادت حدتها منذ 30 يوليو/ تموز الماضي، حيث بدأ أتباع التيار الصدري اعتصاما لا زال متواصلا داخل المنطقة الخضراء، رفضًا لترشيح “الإطار التنسيقي” محمد السوداني لمنصب رئاسة الوزراء، ومطالبةً بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة.
وحالت الخلافات بين القوى السياسية، لاسيما الشيعية منها، دون تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021
Views: 13