ما هي التطورات الثمانية التي يمكن ان ترسم مرحلة التصعيد الوشيكة؟ ولماذا بدأت حرب المناورات “البرية” المتبادلة بين طهران وتل ابيب؟ هل باتت المواجهة وشيكة وما هو “المفجر”؟
عبد الباري عطوان
تشير معظم المؤشرات التي يمكن رصدها في الأيام الأخيرة الى ان احتمالات توقيع اتفاق نووي إيراني امريكي باتت أبعد من أي وقت مضى، بينما تصاعدت حدة التوتر بين الجانبين، ومن غير المعتقد ان تكون المكالمة الهاتفية التي اجراها يائير لابيد رئيس الوزراء الاسرائيلي مع الرئيس جو بايدن اليوم الأربعاء، وتزامنت مع زيارة طارئة لديفيد بارنياع رئيس جهاز الموساد الى واشنطن، تتعلق بهذا الاتفاق وفرص التوصل اليه، بل بمرحلة ما بعد انهياره.
هناك عدة تحركات ربما ترجح بشكل مباشر النظرية التي تحدثنا عنها آنفا:
-
الأولى: تهديدات قوية وجهها الجنرال غرام علي رشيد أحد القادة البارزين في الحرس الثوري الإيراني الى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويحذرها، او أي دولة اخرى تتعاون معها، من أي عدوان على ايران، لان الثمن الذي ستدفعه سيكون باهظا.
-
الثانية: اجراء الجيش الإيراني مناورات عسكرية برية الأربعاء لمدة يومين في محافظة أصفهان تعتبر الاضخم في تاريخه، وشاركت فيها جميع الأسلحة، من صواريخ واذرع عسكرية الكترونية ومسيرّات ودبابات ومدرعات.
-
الثالثة: خروج رافائيل غروسي المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية بتصريحات غير مسبوقة قال فيها “ان الوكالة لا تستطيع تقديم أي ضمان بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي الطابع لان طهران لم تجب عن أسئلة حول المواقع السرية النووية.
-
رابعا: تأكيد الوكالة نفسها في تقريرها ربع السنوي بأن مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة اصبح اقرب من أي وقت مضى لإنتاج قنبلة نووية حيث ارتفع من 12.50 كيلوغرام الى 55.60 كغم حاليا.
-
خامسا: اجراء الجيش الإسرائيلي مناورات برية اليوم الأربعاء ردا على الإيرانية، وقيام لابيد بزيارة قاعدة نفاتيم الجوية، وتأكيده “انه اتفق مع الرئيس بايدن في المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما على إعطاء “إسرائيل” الحرية المطلقة للإقدام على كل ما تراه مناسبا لمنع احتمالية تحول ايران الى دولة نووية.
-
سادسا: قطع البانيا جميع علاقاتها الدبلوماسية مع ايران، بعد بيان للبيت الأبيض صدر اليوم هدد بإتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمحاسبة طهران على خلفية الهجوم السيبراني الكبير التي قالت انها شنته على مؤسسات حيوية البانية مما أدى الى شل الخدمات العامة، ومحو أنظمة رقمية، واختراق سجلات الدولة واسرارها ومراسلاتها الداخلية، وهناك تكهنات تؤكد ان هذا الهجوم الإيراني جاء ردا على استضافة الحكومة الالبانية لأكثر من ثلاثة آلاف من كوادر حركة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة في معسكر قرب الميناء الرئيسي فيها (دوريس).
-
سابعا: تعرض القاعدة الامريكية في حقل العمر النفطي والغازي السوري شرق دير الزور لأكثر من ثماني هجمات صاروخية في شهر آب (اغسطس) الماضي، الى جانب قاعدة التنف العسكرية الامريكية في مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، واتهام أمريكا لعناصر عراقية مدعومة إيرانيا بالوقوف خلفها.
-
ثامنا: تصاعد حدة الهجمات الإسرائيلية على مطاري دمشق وحلب في الأيام القليلة الماضية تحت ذريعة تكثيف ايران لشحناتها الجوية من المسيّرات والصواريخ الذكية والمعدات العسكرية الأخرى لدعم الجيش العربي السوري، وتكاد ان تصبح هذه الهجمات التي أخرجت مطار حلب بالأمس عن العمل شبه يومية.
نسرد جميع هذه الوقائع الموثقة لنتوصل الى نتيجة مفادها ان مرحلة توتر ما بعد فشل التوصل الى اتفاق نووي امريكي إيراني بدأت فعلا، وباتت المنطقة تنتظر “المفجر” ربما لاشتعال فتيل حرب إقليمية حاولت جميع الأطراف تجنبها.
ايران لم تعد دولة حافة نووية فقط، وانما ما هو أبعد من ذلك، وفازت بلعبة كسب الوقت التي اجادتها، وتفوقت فيها لتصل الى هذه المكانة التي دفعت كثيرين الى الجزم بأنها تملك قنبلة نووية او اكثر، فمنذ مجيء السيد إبراهيم رئيسي الشخص الأقرب الى السيد علي خامنئي المرشد الأعلى الى الحكم، بات واضحا ان ايران قد لا تغامر بتوقيع اتفاق نووي مع رئيس لم يبق من عمر ادارته الا عامين، وقد يخسر حزبه الكثير من مقاعده في الانتخابات النصفية بعد شهرين، خاصة انها تجاوزت معظم الآثار السلبية للعقوبات الامريكية، وباتت تصدر أكثر من مليوني برميل يوميا وبأسعار تزيد عن ضعفي نظيراتها قبل عامين بفضل الحرب الأوكرانية واتفاق “أوبك بلس”.
شهر أيلول (سبتمبر) الحالي قد يكون من أكثر الشهور سخونة وحافل بالمفاجآت غير السارة لواشنطن وإسرائيل وحلفائهما.. والله اعلم
Views: 15