بوتين – إردوغان.. سر العلاقة الملأى بالتناقضات….بقلم  حسني محلي 

إذا اتفق إردوغان مع بوتين في سوريا، فالطريق سيكون ممهداً أمامهما لتحقيق نقلة نوعية في العلاقة الشخصية بينهما، مع انعكاسات ذلك على العلاقة بين موسكو وأنقرة.

بدأ “الغرام المفاجئ” بين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في لقائهما “التاريخي” في 27 حزيران/يونيو 2016 في بطرسبورغ، بعدما اعتذر الأول إلى الثاني عن إسقاط المقاتلات التركية طائرةً روسية، بذريعة اختراقها المجال الجوي التركي قرب الحدود مع سوريا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

كان هذا اللقاء الَّذي لا يدري أحد خفاياه على الصعيد الشخصي بدايةَ “الحوار والتنسيق والتعاون المشترك” بين الزعيمين والدولتين. وقد شهدت علاقاتهما بعد هذا التاريخ الكثير من مراحل المدّ والجزر، وخصوصاً في سوريا، التي ساعدت في حربها الدولتين لتحقيق مكاسب استراتيجية إقليمياً وعالمياً.

روسياً، تقوم موسكو ببناء مفاعلات نووية في تركيا بقيمة 30 مليار دولار، بعدما سلَّمت أنقرة منظومة صواريخ “إس-400″، على الرغم من اعتراض واشنطن على ذلك. وتغطي موسكو أيضاً نحو 45% (قبل 5 سنوات، كانت هذه النسبة 55%) من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي، وكميات وافية من البترول والقمح والذرة وبعض المعادن المهمة.

أما تركياً، فتقوم شركات المقاولات التركية بتنفيذ المئات من المشاريع المهمة بعشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي تستورد روسيا من تركيا الكثير من المنتجات الزراعية، بعدما وصل عدد الروس الذين زاروا تركيا عام 2019 (قبل كورونا) إلى 7 ملايين سائح.

سياسياً، تتناقض المصالح الروسية التركية في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، والتي ترى فيها روسيا حديقتها الخلفية، في الوقت الَّذي حمّل الرئيس إردوغان موسكو مسؤولية صمود الرئيس الأسد والدولة السورية، وذلك بإرسال الجيش الروسي إلى سوريا واستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي.

ومع وقوف تركيا وروسيا في خندقين معاديين في ليبيا، فإن أوكرانيا هي الساحة الأكثر تعقيداً بالنسبة إلى الطرفين، بعدما أعلن إردوغان أكثر من مرة رفضه ضمّ روسيا القرم عام 2014، ودخل بعدها في تحالف استراتيجي عسكرياً وأمنياً وسياسياً مع كييف التي حصلت على أعداد كبيرة من المسيّرات التركية التي ألحقت أضراراً بالغة بالقوات الروسية في الأيام الأولى من الحرب في أوكرانيا.

لم يمنع ذلك الرئيس إردوغان من أداء دور الوسيط بين كييف وموسكو، بعدما جمع وزيري الخارجية الروسي والأوكراني في أنطاليا في 10 آذار/مارس الماضي، من دون أن تحقق المباحثات اللاحقة أي نتائج ملموسة على طريق وقف الحرب وجمع بوتين وزيلينسكي في إسطنبول. هذا بالطبع من دون أن نتجاهل نجاح الوساطة التركية في موضوع تصدير القمح والمنتجات الزراعية الأوكرانية والروسية عبر البحر الأسود.

هذا هو القليل من تناقضات العلاقة الشخصية والرسمية بين الرئيسين بوتين وإردوغان، اللذين تراقب واشنطن والعواصم الغربية “غرامهما” من كثب، باعتبار أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي منذ 70 عاماً، مثلما هي حليف استراتيجي لأميركا وحليفاتها في الغرب.

وقد شجّع ذلك الرئيس بوتين على تقديم المزيد من التنازلات لإردوغان في سوريا، منذ أن سمح للجيش التركي بدخول جرابلس في 24 آب/أغسطس 2016 بعد 50 يوماً من اللقاء التاريخي بين إردوغان وبوتين في بطرسبورغ. وقد أضاء لاحقاً الضوء الأخضر للقوات التركية في مجمل عملياتها غرب الفرات وشرقه، وهو ما جعل تركيا عنصراً أساسياً في مجمل تطورات سوريا – وما زالت كذلك – بما في ذلك اتهامات الرئيس إردوغان للحليف الاستراتيجي أميركا باحتلال شرق الفرات ودعم الميليشيات الكردية، والمقصود بها وحدات حماية الشعب الكردية؛ الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.

ولم تمنع كلّ هذه التفاصيل الدقيقة والمعقدة الرئيس إردوغان من الجري وراء نيل الرضا الأميركي شخصياً، لضمان فوزه في الانتخابات القادمة، ما يتطلَّب العشرات من المليارات. وقد قيل إنه حصل على بعضها من الرئيس بوتين بعد قمة سوتشي الأخيرة.

ربما لهذا السبب، وللمرة الأولى، انحاز الرئيس إردوغان إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، وبشكل علني، واختار بلغراد حليفة موسكو مكاناً لإعلان موقفه هذا، إذ قال في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الصربي فوتشيش: “أقولها بكلّ صراحة، إنّ موقف الدول الغربية ليس سليماً، فالغرب ينتهج سياسات استفزازية ضد روسيا. وما دام الغرب مستمراً في سياسات التحريض والاستفزاز هذه، فلن يتسنى لنا التوصّل إلى أي نتيجة في مساعينا لإنهاء الحرب، فالغرب يرسل الأسلحة إلى أوكرانيا، ولكنها أسلحة قديمة”.

وأضاف: “وهنا، أريد أن أقول لأولئك الذين يستخفّون بروسيا إنَّها ليست دولة يُستخف بها، فقد قطعت الغاز (أوقفت ضخ الغاز)، فارتفعت الأسعار بشكل كبير في أوروبا، التي تبدو محتارةً الآن مع اقتراب الشتاء. الأمور واضحة والحقيقة بسيطة جداً. عندما عادى الجميع روسيا وهاجموها، استخدمت بدورها كلّ إمكانياتها وأسلحتها للدفاع عن نفسها. كما أنَّ بوتين على حقّ في موضوع تصدير القمح الأوكراني الذي يذهب إلى الدول الغنية التي تعادي روسيا، وليس إلى الدول الفقيرة، وخلافاً للاتفاقية التي وقّعنا عليها في إسطنبول”.

هذا كلام الرئيس إردوغان، حليف زيلينسكي وبايدن والآخرين في الغرب والشرق، مثل “إسرائيل”، الذين يعادون الروس كلهم، أينما وجدوا، وخصوصاً في سوريا. وإذا اتفق إردوغان فيها مع بوتين، فالطريق سيكون ممهداً أمامهما لتحقيق نقلة نوعية في العلاقة الشخصية بينهما، بانعكاسات ذلك على العلاقة بين موسكو وأنقرة، وريثتي الإمبراطورية الروسية القيصرية والتركية العثمانية. وقد شهد التاريخ بينهما 16 حرباً ضارية انتصر الروس في 11 منها، في مقابل 5 للأتراك، بفضل الدعم الأوروبي، أي الفرنسي والبريطاني، آنذاك.

وجاء التوتر التركي – اليوناني الأخير مؤشراً جديداً قد يدفع إردوغان إلى مزيد من التقارب مع الرئيس بوتين، الذي يعرف الجميع أنه لن يرحم حكام أثينا ونيقوسيا الأرثوذكس بعدما تآمروا ضده وضد روسيا الأرثوذكسية، ودخلوا في تحالفات سرية وعلنية مع واشنطن التي لم تتأخر في دعم أثينا في خلافاتها مع أنقرة في بحر إيجه وقضية قبرص التي تحظى بدعم باريس ولندن وبرلين؛ حلفاء واشنطن وأعداء إردوغان، على الأقل الآن، وخصوصاً بعدما رفض إردوغان إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات التركية، ولم يلتزم بالعقوبات الأميركية والأوروبية ضد روسيا، على الرغم من إغلاقه مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، في حال فكّرت في التوجه إلى سوريا أو البحر الأبيض المتوسط.

تبقى هناك العديد من التساؤلات، ولكنَّ الرد عليها لن يكون سهلاً في ظلِّ المعطيات الحالية تركياً وإقليمياً ودولياً:

السؤال الأول: هل يثق إردوغان وبوتين بعضهما ببعض، مع التذكير بالعداء التركي للروس تاريخياً أو للشيوعية التي كان إردوغان عقائدياً من ألدّ أعدائها؟! وإلى أي حد ستكون هذه الثقة؟ وإلى متى ستدوم؟

السؤال الثاني: هل تكون سوريا حقل تجارب للتأكّد من هذه الثقة (سواء كانت متبادلة أو من طرف واحد)، كما هي الحال في سكوت موسكو على العدوان الإسرائيلي المتكرر على مطاري دمشق وحلب، من دون أي ردّ فعل روسي عملي؟

السؤال الثالث: بعد 75 عاماً من التحالف الاستراتيجي والعضوي بين أنقرة وواشنطن، التي لديها في تركيا العديد من القواعد، هل يفكّر إردوغان في إنقاذ تركيا من “الصنارة الأميركية” التي جعلتها رهينة القرارات والحسابات والمصالح الأميركية طيلة السنوات الماضية؟ وهل ينجح في ذلك؟

يعرف الجميع أن قرار إردوغان بالتصدي لهذه الحسابات لن يكون سهلاً إلا في حال واحدة، هي أن ينسى الماضي برمّته، باستثناء ما اتفق عليه مع بوتين في لقاء 27 حزيران/يونيو 2016! هذا التاريخ الذي شهدت تركيا والمنطقة والعالم بعده الكثير من الأحداث المثيرة، والتي قد يقرر تحالف إردوغان – بوتين مصيرها، ما لم يتدخّل بايدن ويمنع إردوغان من ذلك قبل الانتخابات القادمة أو خلالها، وإن غداً لناظره قريب!

الميادين

Visits: 0

ADVERTISEMENT

ذات صلة ، مقالات

التالي

من منشوراتنا

آخر ما نشرنا