يقف لبنان على أبواب حقبة جديدة، في الموقع الجيوسياسي والدور الاقتصادي، مع وصول مشروع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية إلى تخوم الخواتيم، ما لم يكن هناك رأي آخر لـ»الشياطين الصغيرة» التي لا تزال تسكن التفاصيل.
يعتبر مواكبون عن قرب لملف المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية، انّه إذا لم يعرقل الجانب الاسرائيلي اتفاق الترسيم في اللحظات الحاسمة والأمتار الأخيرة، فإنّ ما تحقق على مستوى المفاصل المحورية لعرض الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين هو مكسب وطني كبير تشاركت في إنجازه جهات عدة، كلٌ وفق جهده وموقعه.
ويلفت هؤلاء إلى انّ «الرئيس ميشال عون كان مساهماً أساسياً في الوصول إلى هذا الإنجاز، سواء بدوره في إصدار مراسيم النفط والغاز بعد توليه رئاسة الجمهورية، او بالطريقة التي أدار بها التفاوض وحزمه في التمّسك بالخط 23 وحقل قانا كاملاً. وانّ الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله هو شريك استراتيجي في صنع الإنجاز، بفضل توظيفه قوة المقاومة لتحصين الموقف الرسمي ودعمه في الوقت المناسب وبالجرعات الملائمة، الأمر الذي عزز أوراق المفاوض اللبناني. والرئيس نبيه بري كان له أيضاً دور متقدّم في إنضاج بيئة الترسيم عبر «اتفاق الإطار» الذي سبق ان اشرف على وضعه».
ويلفت هؤلاء، إلى انّ «من العوامل التي ساهمت كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة الايجابية، نجاح الرؤساء عون وبري وميقاتي في تحييد قضية الترسيم عن خلافاتهم ومناكفاتهم، وبالتالي مقاربتها بموقف موحّد تقريباً خلال الفترة الأخيرة والمفصلية».
ويشير المطلعون على كواليس التفاوض، إلى انّ ما يجهله البعض هو انّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كان حاضراً بلا ضجيج في المراحل المختلفة لهذا الملف، ضمن عِداد الحلقة المحيطة برئيس الجمهورية، وصولاً إلى مشاركته في درس العرض الأميركي المكتوب الذي سلّمه هوكشتاين إلى لبنان بواسطة السفيرة الأميركية لدى بيروت. كاشفين انّ باسيل كان من اوائل الذين تولّوا ترجمة المقترح الخطي من الإنكليزية إلى العربية ودقّق في تفاصيله التقنية والقانونية، «إضافة إلى انّه كان قد واكب فصول المفاوضات بكل مندرجاتها ومنعرجاتها، بمعرفة الأميركيين او أقله بـ»تطنيش» منهم».
ويستغرب المحيطون بالملف النفطي «كيف أنّ بعض اللبنانيين يُدمِن جلد الذات ويتجاهل أهمية ما تحقق، في حال جرى تثبيته نهائياً»، مؤكّدين أنّه متى تمّ إبرام الاتفاق رسمياً، سيكون لبنان قد صنع «نصراً حقيقياً سمح له بانتزاع حقوقه المتمثلة في الخط 23 وحقل قانا بكل مخزونه، واياً تكن حدود امتداداته في داخل المياه الفلسطينية المحتلة، بعدما اقتصر المطروح علينا سابقاً على خط هوف الذي هو أقل مما نجحنا في تحصيله حالياً».
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، انّه «وبدل البكاء المفتعل على أطلال إفتراضية، يجب الالتفات إلى الجانب المليء والوفير من الكوب، إذ انّ حسم الترسيم البحري وفق المطالب اللبنانية سيؤدي إلى استقرار ثم استثمار، من شأنهما ان يعودا بمردود كبير على البلد الذي يحتاج بإلحاح إلى الاستفادة من ثروته النفطية والغازية».
ويشدّد المحتفون بـ»النصر» البحري الوشيك، على «أنّ المطلوب بعدما تكتمل فصوله، التقاط فرصة الاستحواذ على الثروة الطبيعية لتطوير النظام وآلياته بما يتناسب مع متطلبات امتلاكها واستثمارها، حتى لا تضيع في متاهات الفساد والهدر والطائفية والنزاعات».
ويضيفون: «إذا كانت كل الأسباب الموجبة والمتراكمة على البر المثقل بالأزمات لم تنفع حتى الآن في الدفع نحو تطوير النظام المأزوم، فإنّ القيمة الكبيرة للمخزون النفطي والغازي الكامن في قعر البحر ينبغي أن تكون حافزاً للذهاب في الاتجاه الاصلاحي الضروري، على قاعدة انّ حماية هذا الكنز واستثماره بأفضل طريقة ممكنة يتطلبان الانتقال من الواقع المذري على كل الصعد، إلى دولة مدنية وقطاع مصرفي متين وسلطة قضائية مستقلة وإدارة نزيهة.
Views: 4